دخلت الفرقة الوطنية للدرك الملكي، على خط جريمتي قتل راحت ضحيتهما فتاتان، واحدة لم تحدد هويتها إلى حد الآن. وكان العثور على جثة متفحمة استنفر مجهودات استثنائية، لفك لغزها ، وقادت الصدفة إلى كشف جثة فتاة أخرى بشقة بحي السلام بالجديدة، ما أدى إلى تناسل الكثير من الروايات، ذهبت حد اعتبار الجريمتين بلمسة جان واحد، لكن بمرور الوقت طفت على السطح فرضية أن تكونا منفصلتين عن بعضهما، والقاسم المشترك بينهما ربما تلك الصدفة التي لم تكن أبدا في الحسبان. * كشف الجريمة الأولى بالحوزية كانت الجريمة الأولى التي تتعلق بفتاة دمرت النيران كل ملامح هويتها، وقعت فجر الجمعة الماضي، بدوار "النواصرة 1" التابع إلى جماعة الحوزية، غير بعيد عن القنطرة الأولى للطريق السيار الرابط بين الجديدة والبيضاء، واكتشفها مستخدم بأحد المنتجعات السياحية القريبة، وأخبر بها مصلين خارجين لتوهم من مسجد الدوار السالف الذكر. وتم ربط الاتصال بدرك الجديدة وحضر فريق منه متخصص في مسرح الجريمة. وبعد إبعاد كل المتحلقين حول الجثة، تمت الإجراءات الأولى من قبل رجال الوقاية المدنية، الذين أخمدوا النار التي كانت ما تزال مشتعلة بالجثة، وهو ما ولد لدى المحققين قناعة أولية أن الجريمة لم يمض عليها وقت طويل. وبعد لف ما تبقى من الجثة التي أكدت معاينات أولية أنه لفتاة، شرعت عناصر من الفصيلة في مساءلة مسرح الجريمة عبر كل الاحتمالات الممكنة، ولم تكشف إفادة من مقدم وشيخ "النواصرة 1′′، عن جديد يسلك طريقا لفك لغز هذه الجريمة المحيرة، خاصة أنه خلال المدة الأخيرة التي سبقت الجريمة، لم يوجد أي تبليغ عن اختفاء فتاة من الدوار، كما أن الضحية غريبة ويحتمل استقدام جثتها إلى حيث وجدت متفحمة، وأضرمت فيها النار لطمس معالم فعل جنائي ، وإدخال الباحثين نفقا مظلما وعسيرا، وسخرت طيلة يوم الجمعة كل الوسائل لفك شفرة هذه الجثة المتفحمة ، بما في ذلك كلاب مدربة و"طائرة درون". * اكتشاف مقتل "عديلة" صار البحث في لحظة منه عصيا على المحققين، وهم يسابقون الزمن للوصول إلى معرفة الظروف التي أحرقت فيها جثة النواصرة، وتوقفوا عند معطى جديد اعتبروه بصيص أمل، ويتعلق الأمر ببلاغ من أفراد أسرة تقطن قرب الحي البرتغالي بالجديدة، سبق تسجيله في شأن تغيب ابنتهم "عديلة" التي كانت تشتغل في أحد المنتجعات السياحية الشهيرة بضواحي الجديدة، قبل أن تنجح في إيجاد عمل بالضفة الأخرى وبالضبط بإسبانيا، وأنها كانت تقضي إجازتها بالجديدة. قبل أن تنقطع أخبارها، وساد خوف من مكروه لحقها، علما أنه ليس من عادتها عدم الرد على هاتفها المحمول. وتعامل المحققون مع واقعة الاختفاء بالجدية الضرورية في مثل هذه الحالات، وبأمر من الوكيل العام ربطوا الاتصال بعائلتها، واستجمعوا معلومات عنها ومحيطها، وتوصلوا إلى أنها على علاقة صداقة بمسير مطعم شهير بالجديدة، كان يشتغل معها في المنتجع السالف الذكر، قبل مغادرته زمن الركود الذي خلفته جائحة كورونا. ولما حصلوا على رقم هاتفه ربطوا به الاتصال عدة مرات دون جدوى، وآخرها من أمام باب العمارة التي يقطن إحدى شققها بحي السلام، وبأمر من النيابة العامة جرى اقتحام الشقة على الساعة الخامسة من مساء الجمعة الماضي، حيث عثر المحققون على "عديلة" جثة هامدة، وانطلق شوط آخر مثير، وسط تجمهر عدد كبير من سكان حي السلام والنجد وغيرها، وغادر المحققون الشقة، بعد أن نقلت الجثة إلى مستودع الأموات، بتساؤل عريض ما علاقة جريمة الحوزية بجريمة حي السلام ؟ وهل الجريمتان بلمسة فاعل واحد؟ أم أنهما منفصلتان عن بعضهما؟ بالإضافة إلى تساؤلات أخرى استشعر معها المحققون جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم. * الفرقة الوطنية على خط الجريمتين حل فريق متخصص من الفرقة الوطنية للدرك الملكي يرأسه كولونيل، وتم تجميع كل الجهود للوصول في أقرب وقت ممكن إلى مالك الشقة أولا، الذي اختفى عن الأنظار لأن اعترافاته ستكشف جزءا كبيرا من تفاصيل جريمة حي السلام، ثم ثانيا من خلاله سيتم الجزم نهائيا في السؤال المحير، المرتبط بالقاسم المشترك بين الجريمتين. وبين هذا وذاك يشتغل المحققون على مدار الساعة، حيث زاروا العديد من الفيلات والإقامات والمقاهي الواقعة بشارع جبران خليل جبران، واطلعوا على كاميرات المراقبة بها، كما تمت الاستعانة بكاميرات المشروع السكني "القطب الحضري بيما"، المطل على دوار "النواصرة 1" حيث أحرقت جثة الفتاة المجهولة الهوية بطريقة وحشية، جعلت تلوينات أمنية أخرى تتابع التحقيق عن كثب. والظاهر أن البحث لا يترك أي صغيرة ولا كبيرة، إلا ويستغلها للإطاحة بالجاني في أقرب فرصة ممكنة. اعتقاد أولي بجريمتين منفصلتين انقسمت جهود المحققين إلى وجهة أولى للوصول إلى صديق عديلة الذي اختفى عن الأنظار، وإلى وجهة ثانية للتعرف على السيارة التي تكون توقفت فعلا فجر الجمعة ب"دوار النواصرة"، وغادرت حال تنفيذ الجريمة النكراء. ووفق القناعة الأولى يستمر بحث مضن من شأنه الإجابة على كل التساؤلات المحيرة، التي بقدر ما تؤرق المحققين فهي تفسح المجال واسعا أمام سكان الحوزية والجديدة، للحديث عن جرائم قتل أخذت منحى متصاعدا ، وضعت دكالة ككل في خانة متقدمة جدا بمعدل ثلاثة جرائم قتل في الشهر، وهو رقم صادم وبكل المقاييس يفرض بالضرورة على الجميع ، التعامل معه بالجدية اللازمة، أملا في تطويقه والحيلولة دون تماديه.