من أكبر المشاكل التي عانى منها الآباء والأمهات ممن لم يرزقهم الله ذكرا أو ذكورا ، ورزقهم فقط بنت أو بنات فقط لقرون طويلة منذ بدأ العمل بنظام الإرث الإسلامي ، كان هو خوفهم بعد الممات من انتقال جزء من إرثهم إلى ابن عم أو عم أو ذكور بعيدون ، لم يسبق أن تعرفوا عليهم ، أو ممن كانت لهم عداوة مستحكمة معهم ، و هؤلاء الأقارب مباشرة بعد علمهم بوفاة قريبهم الذي لم يرزقه الله بالذكر الذي سيحجبهم ويبعدهم عن التركة ، تجدهم أول الواقفين والحاضرين للعزاء، ومن أول المطالبين بحقهم الشرعي الذي منحتهم إياه تفسيرات الفقهاء الأوائل ، وتجد الأب والأم يحملان هذا الهم في كل حين، كلما كان يتنقل بين بيته العامر ببنت فقط أو ببنات، ويشعران بالخوف على فلذات أكبادهم البنات، خصوصا ممن كانت تركتهم محدودة وعبارة عن مسكن ، فقد يطالب الورثة العصبة من الذكور البعيدون، بقسمته بعد مماتهم، وتصبح البنات خارج البيت الذي شقى في سبيل بنائه أو شرائه الأب والأم ، بفعل انتظار العصبة الذكور لغنيمة الإرث التي سيغنمونها دونما جهد أو كد في مزاحمة غير معقولة ومبررة بتبريرات يجب أن نلف عليها الستار، وندخلها لمتحف التاريخ ، ونجتهد في سبيل رفع هذا الظلم الكبير الذي رافق ومازال يرافق كل أسرة لها فقط البنات دون الذكور ، ويصابون بفوبيا العصبة الذكور القريبون منهم والبعيدون ، ولا يتخلصون منها ، كما فعل السلف ومازال يفعل الخلف ، إلا بتهريب تركة هؤلاء الآباء والامهات، من فم الورثة الذكور الذين ينتظرون وفاتهم لكي يشاركوا البنات إرث الوالد أو الوالدة ، بعلة أنها شريعة الله في أرضه يجب تطبيقها، ويسعى الأب والأم لدفع الخطر الذي يفكر فيه الورثة العصبة نهار مساء بكتابة بيع أو صدقة لهم أو هبة للبنت أو البنات ، حتى يتم تهريب التركة من أفواه العصبة الذكور الجوعى لها . ورغم أن هذه العملية لإبعاد أملاك الأب أو الأم من نفق التعصيب المجهول في حياتهما، هي عملية شرعية لا يمكن أن يحرمها شخص أو ينتقدها ويعارضها، لكن مع الأسف نجد بعض رجال الدين ، يدعون إلى أن قيام الأب أو الأم بذلك فيه مخالفة لشرع الله وشريعته ونظام الإرث الذي سطره ، وحرمان للعصبة من الذكور. وهو ما يعني أنهم بطرحهم هذا، يدافعون معتبرين أن الإرث الذي لا يأكل منه ذكر قريب أو بعيد مع وجود الإناث من الولد فقط، هو إرث باسل لا طعم له، ولا توابل دينية شرعية تنسمه. في سبيل تقريب إشكالية هذا الموضوع المثير والمخيف لمن رزقهم الله فقط الإناث، سنحاول تقسيمه إلى فقرتين تكون على الشكل التالي: الفقرة الأولى: السياق التاريخي لربط التعصيب بالذكر فقط وحرمان الانثى منه أول ما نبدأ به هو تلك الجملة الرائعة التي جاءت في خطاب ملك البلاد حفضه الله بمناسبة عيد العرش الثلاث والعشرين، حين قال ( لن أحل ما حرم الله ولن أحرم ما أحل الله ) إذن المنطلق واضح لتعديلات مدونة الأسرة المنتظرة ، ونذكر بتلك الآية القرآنية الكريمة في سورة البقرة رقم 170 التي تقول : ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون ) هذه الآية تدعونا إلى أن نتبع ما أنزل الله في كتابه الكريم، وننتقل الآن لنبحث عن فكرة التعصيب التي استنبطت من الآيات القرآنية من طرف الفقهاء وهي الآيات التالية: آية 11 من سورة النساء "فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث" يقول الفقهاء هنا أن الأب يرث بالتعصيب (الفقيه المغربي عبد السلام الشطبي ) لأن هذه الآية تشير إلى التعصيب بشكل ضمني. فهي ذكرت أن الأم ترث الثلث وسكتت عن نصيب الأب، فاعتبر المفسرون والعلماء أنه يرث الباقي. (أي أن العلماء والمفسرين هم الذين فسروا الآية) كذلك هناك الآية 176 من سورة المائدة. التي تتحدث عن نصيب الأخ: وجاء فيها "وهو يرثها إن لم يكن لها ولد". وقد فسر دائما العلماء والفقهاء هذه الآية بالقول أن الآية لم تحدد نصيب الأخ بشكل دقيق مكتفية بعبارة "وهو يرثها"، لذا قال المفسرون بأن الأخ يرث ما تبقى من تركة أخته تعصيبا في حالة عدم وجود ولد ذكر لها. إذن فكرة التعصيب مستنبطة فقط كما قلنا من هاتين الآيتين، والآيتين تتكلمان عن الولد ولم تتكلم عن الذكر أو الابن، فالآيتين تقولان: ( إن لم يكن له ولد ) فهل كلمة الولد تعني الذكر أو الأنثى، أم تقصد أنها تعني الأنثى والذكر، والولد في معجم المعاني الجامع يعني الذكر والأنثى ، وفي لسان العرب يعني الولد، الوَلِيدُ: الصبي حين يُولَدُ، وقال بعضهم: تدعى الصبية أَيضاً وليداً، وقال بعضهم: بل هو للذكر دون الأُنثى، وقال ابن شميل: يقال غلامٌ مَوْلُودٌ وجارية مَوْلودةٌ أَي حين ولدته أُمُّه، والولد اسم يجمع الواحد والكثير والذكر والأُنثى، والآية حسب فهمنا المتواضع والظاهر تتكلم عن الحالة التي يتوفى فيها الشخص ولا يكون له بنت أو ابن، فهنا بطبيعة الحال وبحكم المنطق، يجب أن ينتقل إرثه لأقرب الناس إليه، وهو الأخ، وفي اعتقادي أن التعصيب مسألة ولده اجتهاد الفقهاء التي كانت تسعى بشكل حثيث إلى محاولة جعل الإرث يبقى محصورا بين ذكور العائلة ولا ينتقل إلى إناثها، لأن انتقاله إلى إناثها يعني خروج الإرث من عائلة واسم علان إلى اسم عائلة جديدة يمكن أن تكون عائلة زوج المرأة الوارثة ن السلف وتفسيراتهم التي، على عكس الإرث بالفرض الذي حدده النص الديني. إذن ليست هناك أية آية قرآنية صريحة تتكلم عن تعصيب الذكور الأقرب للموروث في حالة عدم وجود الابن الذكر، بل حين رجعت إلى الآية 7 الإرث في سورة النساء، وجدت أن الله سبحانه وتعالى يقول فيها : ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7) ) فهذ الآية تنص بشكل صريح وحسب الظاهر الواضح أنها تنص على أن أقارب الموروث سواء كانوا من الذكور أو الإناث لديهم نصيب مفروض، فهي لم تتكلم عن أن الأقارب الذكور يكونون عصبة، بل تكلمت على أن الأقارب ، والأقارب يمكن أن يكونوا من الذكور أو الإناث ، ولم تحدد درجتهم من حيث القرابة وأكدت أن لديهم نصيبا مفروضا ، أي لن يكونوا عصبة ، ومن كان لديه فرض ونصيب لا يمكن أن يكون عاصبا . إذن نحن أمام عدم وجود أية آية تتكلم عن التعصيب، ونحن كذلك أمام آية تنص بشكل واضح على أن أقارب الموروث لهم مقدار ونصيب ( أي فرض ). فكيف أصبح الأقارب الذكور وقد يكونون بعيدين عن الموروث وحتى في حالة وجود بنت أو بناتا عصبة ويغنمون إرثا بدون كد أو اجتهاد وحتى مع بعد القرابة ومفتاحهم في ذلك الذي يفتح لهم خزانه الإرث هو أنهم ذكور، ذلك كان لأن الذكور من فقهائنا من السلف دافعوا بشكل كبير وواضح عن الذكور، معتمدين في التأسيس لتعصيب الذكر حسب علمي على هذا الحديث «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر". وهو حديث صحيح، كما جاء في الصحيحين، إذن نحن أمام فراغ قرآني في التنصيص على التعصيب، ووضوح قرآني في كون الأقارب لهم فريضة، وحديث غير واضح وانا استنبط نته الفقهاء فكرة التعصيب، وفسره الفقهاء بكونه هو الذي أسس لفكرة التعصيب ، فهل نأخذ بالآيات القرآنية الصريحة أو الحديث ، وهل هذا الحديث الغامض والغير الواضح يتكلم حقيقة عن فكرة التعصيب ، التي طرحها الفقهاء، لأن أغلب المفسرين لهذا الحديث يتكلمون على أن توزيع الإرث يجب أن يكون وفق ما جاء في القران الكريم . ومن وجهة نظري أننا يجب ألا نبقى رهينة لتفسير واحد يمكن أن يكون محرجا ومضرا بالكثيرين، ويجب أن نتعلم الإرتكان والانحياز إلى التفسير الذي يمكن ان يكون صالحا ومسايرا لوقتنا الحالي ولظروفه المعيشية ومعالجا لمشاكله الاجتماعية التي يمكن أن يطرحها تفسير معين، يمكن أن تكون له خلفيات ذكورية أو أخرى. الفقرة الثانية: في الحاجة إلى تنبني فكرة الوارث الأقرب يمنع الوارث الأبعد هذا المبدأ يعمل به الشيعة الذين ينكرون فكرة التعصيب، والتعصيب الذي يعمل به السنة حسب اعتقادي يبعد الوارث القريب جدا وقد يكون بنتا خصوصا إذا كان أنثى دون وجود ذكر يعضد إرثها ، عن الاستئثار بكل ما خلفه الوالد ، ويُدخل قريبا شرطه أن يكون ذكرا لا أنثى ، ويمكن أن يكون بعيدا وقد يكون من ألذ أعداء الموروث ، ويصبح مقتسما لما خلفه الذكر أو الأنثى اللذان لم يمن الله عليهما بولد ذكر، ففي نظركم هل فكرة التعصيب التي نعمل بها منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، استنادا لحديث غير واضح مفسر تفسيرا من طرف فقهاء بشر، في حضور آية قرآنية تنص على أن الأقارب الورثة سواء كانوا ذكورا أو إناثا لهم نصيب مفروض، وعدم وجود أية قرآنية تتكلم عن التعصيب وفق ما هو معمول به عند السنة منذ زمان أصلح لنا ,افضل لنا في رقتنا الحالي أم مبدأ ان الأقرب يمنع الأبعد منم الإرث ، وهو ما معناه أن مجرد وجود بنت للموروث يمكن أن تمنع العم وابن العم من إرث الأخ والعم ، أعتقد أن المنطق والعدالة سيغلب مبدأ أن الأقرب يجب أن يمنع الأبعد ، لذلك فإنني أدعو من خلال مقالي هذا إلى أن نعمل بهذا المبدأ في التعديلات المقبلة لمدونة الاسرة ، ونهمس في أذن من يسعوا إلى الإلقاء بنا في نهر التشيع ، أننا لا ندعوا للتشيع ولكن ندعوا لفكرة نبيلة وعادلة وغير مخالفة للقرآن ، يمكن أن توقف مآسي العائلات الذي لم يرزقها الله بالذكر، وتعاني من هذا التفسير الذكوري الذي أسرنا لعدة عقود وتسبب في مآسي كبيرة تبقى فقط المحاكم شاهدا عليها ، وحتى نرفع الحرج عن بعض الفقهاء ممن قضوا أو ممن ينتظرون ممن لم يرزقهم الله بالذكر ومن الله عليهم بالإناث فقط ، والذين يتبنون مبدأ التعصيب جهارا، ولكنهم في السر يكدون بكل الوسائل لكي يتركوا إرثهم بين الزوجة والبنات ويبعدون الذكور حتى ولو كانوا من المقربين منهم عن هذا الإرث. مدونة الأسرة ، التي كانت الشجاعة لملك البلاد خلال بداية حكمه، لكي يأمر بإدخال تعديلات مهمة عليها أنصفت المرأة وقللت من الظلم الذي كانت تعانيه المرأة المغربية بسبب مدونة الأحوال الشخصية ، وكان في ظل مدونة الأحوال الشخصية ، مجرد مقال تطلب فيه المرأة التطليق، يمكن أن ستمر لسنوات كثيرة ، ويجب أن يمر بجميع محاكم المملكة من محاكم ابتدائية ومحاكم استئناف ومحكمة النقض، ويجب أن تقر فيه هذه المحاكم جميعها حقها في الطلاق ، ليتم تطليقها بعد كل تلك السنوات المديدة من التقاضي للتحلل فقط من عقد زواج ( حتى سار لسان المغاربة بالمثل القائل : ما ممزوجة مما مطلقة )، عكس الرجل الذي كان بإمكانه في أقل من أسبوع أن يطلق ويتحلل من هذا العقد، وهذا مثال فقط للظلم الذي رفعته مدونة الأسرة عن المرأة المغربية، وحان الوقت لكي تتصدى التعديلات المنتظرة في مدونة الأسرة لحل مشكلة تفريق إرث المتوفية بين أفواه بعض الذكور المنتظرين لوفاة من له فقط بنات، ويتم التنصيص على أن فكرة أن الأقرب يبعد الأبعد من الإرث، ويجب أن يجتهد رجال القانون بسند من بعض فقهاء الدين المجددين والمتنورين ممن ينظرون إلى حل مشاكل الأسر والعائلات وهم ينظرون إليها بنظارات تجديدية وتنويرية شفافة غير مقيدة بتفسيرات الخلف الذين كانوا يفسرون لأناس يختلفون عنا بحكم تطور البيئة بيننا وبينهم و جعل البنت أو البنات الذين لا أخ لهم يرثون كل ما خلفه مورثهم . الأستاذ رشيد وهابي المحامي بهيئة الجديدة .