أيارهو شهر الطبقة العاملة الذي تحيي فيه عيدها العالمي والذكرى الماجدة لشهداء انتفاضة عمال شيكاغو ، الذين سقطوا وضّحوا بأرواحهم دفاعاً عن حق العمال والشغيلة في الحياة الانسانية الكريمة. هذا العيد الذي أصبح رمزاً لكفاح العمال والكادحين ونضالهم المتواصل الدؤوب من اجل التحرر والبناء ، ويؤكدون فيه دورهم التاريخي والمفصلي الهام في صنع وخلق المجتمع التقدمي الانساني ، الخالي من الفوارق الطبقية والاستغلال والاضطهاد ، مجتمع الحرية والعدالة والاستقرار والتقدم في شتى الميادين ، مجتمع انتهاء صراع الانسان مع الانسان وتحويله الى صراع الانسانية مع الطبيعة. وأول أيار هذا العام له طعم خاص ونكهة خاصة ومختلفة ، لأنه يأتي في خضم الانتفاضات والثورات العربية ، التي اجتاحت البلدان العربية بهدف التخلص من انظمتها القمعية الاستبدادية الطاغية ، وتحقيق المزيد من الحريات الديمقراطية والاصلاحات الجذرية الشاملة ، وانشاء مجتمعات جديدة وانظمة حكم تحترم رأي الشعب ،وتتفاعل مع نبضه، وتحقق له الرخاء ورغد العيش والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية. وأيار كان وسيظل مادة سحرية للشعراء والمبدعين الملتزمين الصادقين ، المنحازين للطبقات الشعبية المسحوقة والمعذبة . وشعراء فلسطين من أصحاب التوجه الثوري والميول الطبقية والالتزام السياسي الوطني ، تغنوا بأيار وكتبوا فيه ارق وأجمل الأشعار ، وهتفوا للعامل والفلاح، وأشادوا بالكفاح العمالي والطبقي الذي تخوضه الجماهير العمالية المطحونة والمستلبة ، ضد كل أشكال الفقر والجوع والقهر والاستغلال الفاحش.ونجد ذلك واضحاً بين ثنايا قصائد الشعراء الفلسطينيين المجيدين وبواكيرهم الشعرية ، وخاصة قصائد ابو سلمى وعبد الرحيم محمود وابراهيم طوقان وراشد حسين وتوفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم وسالم جبران وحنا ابراهيم وحنا ابو حنا وشكيب جهشان ونايف سليم ومحمود الدسوقي وحسين مهنا وسميح صباغ وعبدالرحمن عواودة واسعد الأسعد وعبد الناصر صالح ، وفي قصائد الشعراء الشباب عبد الحكيم سمارة وزياد محاميد واحمد فوزي ابو بكر ومحمد علوش وغيرهم . فالشاعر الفارس عبد الرحيم محمود ، شاعر العمال والفقراء والثورة ، أكثر من التحدث عن الثورة الطبقية ، وفي قصيدته (يا عامل) التي نظمها بمناسبة الأول من أيار ، يبرز من خلالها الدورالعظيم والخلاّق للعمال وسواعدهم في بناء المجتمع الانساني الجديد ، انهم المصادر والموارد ودماؤهم الحمراء روافد للحرية: نحن المصادر والموارد وسلاحنا قتل الواعد هاماتنا للمجد يرسو حين نبرعه قواعد وقلوبنا نبع المكارم ليس ينضب والمحامد ولنا الأيادي البيض لا ينسى الأيادي غيرها ماجد وبنا اذا تدهى الشدائد كان تفريج الشدائد أما يوليسيز الفلسطيني ، ابن قرية مصمص الوادعة ، وشاعر الالتزام الوطني ، الذي التحم بقضايا الناس والجماهير التحاماً عضوياً واصيلاً ثوريا ، ومات احتراقاً في غربته القسرية ، وعاد ليكيد العدا، فيقول في قصيدته الدافئة الحريرية (قصة أول أيار) : وتثاءب التاريخ يفتح سفره ومضى يسائل حائراً يستنطق لمن الطاغوت وهو ممزق؟ ولمن أكف الثائرين تصفق فأجابه أيار :انظر فتيتي اولست تسمع صوتهم يتدفق نحن اشترينا عيدنا بدمائنا فلواؤنا الخفاق احمر ينطق وأما منيب مخول الآتي من البقيعة المتربعة على صدر الجليل ، وبلد الشعراء والزجالين ، العابقة بالاريج والشذى الفلسطيني المعطر. . هذا الشاعر اليعربي الذي” رسى أصله وطاول هامه سمواً زحل “ كما يقول ، وعاش حياته شامخاً شموخ الجبل ، فهتف قائلاً في قصيدة (أخي أيار) من ديوانه (منزرعون) : يا كف أيار امسح جرح آذار في شرعة الغاب واطفي النار بالنار العامل الحر والفلاح زانهما اكليل شاش ضماداً ليس بالغار بينما نجد الشاعر الراحل هايل عساقلة ،المولود في قرية (المغار) الجليلية والمتوفى عام 1989 ، الذي ينتمي لجيل الستينات الأدبي ،وصاحب (نار على الجبل) و(صباح الوطن) ، فيغني للراية الحمراء ، التي ترفرف في أول أيار ، وستظل خفاقة عالية، معلنة غروب ليل الفقراء وانبلاج فجر الحرية والانعتاق .. فيقول: نداءات العلى زحف .. فنصر ورايات الصمود يد .. وصدر جذور الشمس راسخة ستبقى يمجد طيبها في الأرض زهر وانا للصمود نظل ذخراً وليس يصدنا صعب ووعر وانا نرفع الرايات حمراً يلين لخفقها ناب ، وظفر نفذ السير في الظلمات حتى يطل على جراح الأفق بدر في حين يقول الشاعر الفلسطيني خليل توما ، صاحب المجاميع الشعرية (اغنيات الليالي الأخيرة) و(نجمة فوق بيت لحم) و(تعالوا جميعاً) في قصيدة له بعنوان (عمال أول أيار): أيار يهتف من هنا عبروا تعانقهم حبال المشنقة طبعوا على وجه الطغاة نعالهم وخطى الشموس الواثقة وبموتهم شقوا طريق الانتصار ويشب في اعماقنا شوق ويجرفنا فنذكرهم وعلى سواعدنا سيكتمل النهار ونزوح نصعد في دروب الشمس نهتف في المحطات التي حملت نزيف جراحهم ونظل نذكر لحمهم ملء الشوارع تحت أقدام الخيول أما محمد القيسي ، شاعر الأرصفة والشوارع ، واحد الشعراء الصعاليك في عصرنا ، فيقول في رائعته (أيار والأحزان) : لو مرة يا أيار تأتينا وفي شفتيك وعداً وبشارة لو مرة تحنو ، تعانقنا ، ومن كفيك تمنحنا الشرارة لو تطفأ ٍالأحزان في عينيك يا ذلاَ حملنا في دروب النفي عاره كنا ورغم الغربة السوداء نبسم ، نستفيق يشع في كلماتنا نور العبارة كنا هدمنا جسور الوهم ابحرنا الى عينيك يا وطني كنا نسيناها اغاني السهد والحزن كنا زرعنا الأفق يا أيار انغاماً كانت مواويل العتابا ،ميجنا تندي روابينا حنيناَ دافئاَ ، خصباً ، سلاماً لكنما أيار أنت تثير بي شجني وللشاعرة والمناضلة خديجة أبو عرقوب ، صاحبة الصوت الفلسطيني الهادئ الصادق والعفوي ، القادمة من دورا الخليل ، والتي قضت سنوات طويلة خلف جدران الزنزانة ، فلها قصيدة قديمة بعنوان (ميلاد الأرض) تحاكي فيها أيار الدفء والشمس، وتتحدث عن العامل والفلاح، صناع التغيير والمستقبل ، وعشاق الحياة ، تقول فيها: تململ الفلاح ووجهه للشمس ونهض العامل، وحمل الفأس وفر الغلاء والفقر انتحر عاش الكادحون شرفاء ، وقوفاً حملوا الزم.. العمل نور يأتي مع الفجر.. وينجرح الغروب والعرق منا شرر اصبر يا أحب الناس .. أيها الفلاح انا الارض اعطيني البذر الام انا .. لا ترحلوا دماؤكم حملي في زمن كفر وفي موسم المطر.. سقط المطر وفي أيار .. دفء الشمس هبّوا ..فقد سباني القوم عيونكم حرس وأيديكم قدر اخيراً، هذه باقة من الأشعار لملمتها من حدائق الشعر الكفاحي الطبقي، مما كتب عن أيار شهر العمال ، الذين سينتصرون في النهاية ، وسيشيدون مملكة الحرية والعدل والفرح والمستقبل الجميل، بدمائهم الذكية، وهاماتهم العالية، وتضحياتهم الجسام.