للديمقراطية ثلاثة تجليات ، هناك التجلي القانوني وهناك التجلي المؤسسي وهناك التجلي السياسي، وكل تجل من هذه التجليات يتحدد بمبدأ. *التجلي الأول: التجلي القانوني/ مبدأ الشرعية. تتجلى الديمقراطية قانونيا في سيادة مبدأ الشرعية، ذلك أن كل نظام سياسي يصدر مجموعة من المقتضيات القانونية وعلى رأسها الدستور، تضبط علاقة الحاكمين بالمحكومين من جهة، وتحدد دائرة المسموح به من عدمه في الممارسة العامة أو الخاصة لكل فرد أو مجموعة من جهة أخرى. إن السلطة العمومية مطالبة قبل غيرها باحترام القوانين التي تصدرها، ويتم الحديث عن مبدأ الشرعية حين يكون هناك تطابق بين مسلكيات هذه السلطة والقوانين الجاري بها العمل داخل الحدود السياسية للدولة. هناك مستوى ثان يطاله مبدأ الشرعية يتمثل في عدم استثناء أي فرد من الخضوع للقانون المعمول به ، وهذا المستوى يتأسس على فكرة سمو القانون، وتستوجب ترجمة هذا المستوى وجود مؤسسة قضائية مستقلة. يدفع الحديث عن التجلي القانوني للديمقراطية في المغرب إلى طرح ثلاثة تساؤلات أساسية: * التساؤل الأول: لماذا لا تحترم السلطة العمومية القوانين التي وضعتها هي بنفسها؟ * التساؤل الثاني: لماذا لا يخضع الجميع في المغرب لأحكام القانون؟ * التساؤل الثالث: ما هي الشروط التي تفضي إلى إيجاد قضاء مستقل؟ *التجلي الثاني : التجلي المؤسسي/ مبدأ المأسسة تتجسد الديمقراطية مؤسسيا في هيمنة مبدأ المأسسة، ذلك أن الديمقراطية لا يمكن أن توجد إلا داخل مجتمع تكون فيه ممارسة السلطة قائمة على شبكة من العلاقات المؤسسية، وليس على شبكة من العلاقات الشخصية. وهذا المعطى هو الذي أفرز في التجربة الغربية مجموعة من الأنماط العلائقية على المستوى المؤسسي، بحيث يمكن الحديث بشكل عام عن ثلاثة أنماط من الأنظمة الديمقراطية: * النمط الأول يتمثل في النظام السياسي« Régime parlementaire » * النمط الثاني يتجسد في النظام السياسي الرئاسي « Régime présidentiel » -النمط الثالث يتشخص في النظام السياسي شبه الرئاسي « Régime semi-présidentiel » وهنا نتساءل: في أي خانة يمكن إدراج النظام السياسي المغربي، خاصة وأن هذا النظام يتأسس على إيديولوجية سياسية ‘تقليدوية' *التجلي الثالث: التجلي السياسي/ مبدا التعددية تتشخص الديمقراطية سياسيا في مبدأ "التعددية"، لكن اي تعددية نعني؟ في التجارب الديمقراطية تتطابق التعددية السياسية مع التعددية الحزبية، بحيث يكون الحزب تأطيرا لتوجه سياسي "مركزي" قد تنضوي تحته توجهات سياسية "فرعية". وعليه، هناك تباين واضح بين حزب وآخر، سواء على مستوى بنيته الإيديولوجية أو على مستوى إستراتيجيته السياسية. لقد تبنى النظام السياسي المغربي فعليا التعددية منذ الاستقلال ، حيث حرصت السلطة العمومية على توفير حد أدنى من التمثيلية لجميع التوجهات السياسية سواء داخل "المجلس الوطني الاستشاري" أو أثناء تشكيل "الحكومات" أو داخل "مجلس الدستور". وتحول هذا التبني الفعلي للتعددية الحزبية غلى مقتضى دستوري بصدور دستور 1962 وظل ثابتا في جميع الدساتير الثلاثة التي تلته. غير أن تتبع مسار التعددية الحزبية في المغرب، يدفع إلى طرح تساؤل: هل في التجربة المغربية تتطابق التعددية الحزبية مع التعددية السياسية؟ إننا لا نبتعد كثيرا عن الواقع إذا أكدنا بأن التعددية الحزبية في المغرب ليست إلا واجهات متعددة لتوجه سياسي واحد، فالمغرب تخترقه توجهات سياسية متباينة، غير أنها لم تستطع أن تتأطر حزبيا بسبب عدم حصولها على الشرعية القانونية. إن الحصول على الشرعية القانونية ليس حقا مطلقا يتمتع به أي توجه سياسي يرغب في أن يتأطر حزبيا، ذلك أن كل نظام ديمقراطي له ثوابته المتفق عليها من قبل الفاعلين السياسيين، والسماح بالتعددية السياسية يكون على مستوى "المتغيرات" وليس على مستوى" الثوابث" مقتطف من كتاب المغرب في مفترق الطرق-قراءة في المشهد السياسي المغربي للدكتور محمد ضريف