مقال كتبته قبل الخطاب. الملكي بمناسبة 20 غشت الذي سأعود له في مقال قادم خاصة مع، ما حمله من مقترحات اتجاه اسبانيا والاتحاد الاوروبي والسياقات الاقليمية والدولية التي اتت فيها و بعد ان تجاهلت الجزائر المبادرة التي حملها خطاب عيد العرش وصعدت من اتهاماتها اتجاه المغرب. لتسليط الضوء أكثر على العلاقات المغربية الجزائرية وما يشوبها من اتهامات واتهامات مضادة، البعض منها ملموس ، و الكثير منها يجد أسسه في اعتماد نظرية المؤامرة من كلا الجانبين لتبرير الأعمال العدائية ضد بعضهما البعض، لا بد من استحضار مقولة نعوم تشومسكي التي تنص على ان نظرية المؤامرة theorie du complôt تفترض دائما وجود تحالفات لأفراد أو مجموعات سرية تتكهن بأنشطتها المزعومة . استحضر هذه النظرية وليس المقولة فقط ، لأنها كانت عبر التاريخ سببا في إعفاء الذات الفردية والمؤسساتية عن المساءلة وعدم الإفلات من العقاب ، او في البحث عن الأسباب الحقيقية للأزمات أو الإخفاقات ،او لتفسير الظواهر الطبيعية التي يعجز العقل الفردي أو الجمعي على تفسيرها . وهي بذلك تتحول الى قناعة لتبرير العجز تارة ، وقوة دافعة لتوجيه الرأي العام بعيدا عن أزماته الحقيقية تارة اخرى .وفي عصرنا الحالي لا تقتصر نظرية المؤامرة على مجموعة بشرية دون أخرى، او دولة دون غيرها. فغالبا ما تلجأ الدول والحكومات الى تبني نظرية المؤامرة لتبرير ازماتها الداخلية او لشن حروب مدمرة وذلك على عكس ما يراه ماثيو غراي الذي يخص بها الثقافة والسياسة العربية . ربما يتساءل القارئ عن جدوى استحضار هذه النظرية في تفسير ما يجري من تطورات خطيرة في العلاقات المغربية الجزائرية ، وان ما يحدث تكمن أسبابه في أعمال عدائية حقيقية و ليست سرية او مفترضة ، وهو امر صحيح كذلك وواجبنا من خلال هذا المقال هو التمييز بين الوقائع ، والتهيئات المقصودة بغرض تبرير العجز او الاقدام على عمل عدائي ما. -عناصر التوتر الحقيقية في العلاقات المغربية الجزائرية : دون الدخول في تصارع الاجندات على المنطقة ،يمكن القول ان هذه العلاقة تشوبها كثير من عناصر التوتر والأعمال العدائية المتبادلة. ابتداء من احتضان الجزائر فوق ترابها لحركة انفصالية مسلحة موجهة ضد منطقة يعتبرها المغرب جزءا لا يتجزأ من أراضيه . ودعم الجزائر لها بكل الوسائل اللوجيستيكية والعسكرية والمالية التي تمكنها من الاستمرار في الوجود . وليس فقط دعما سياسيا في المحافل الدولية والاممية دفاعا عن ما تعتقده حق تقرير مصير الشعب الصحراوي .والمغرب في هذه الحالة شأنه شأن كل الدول التي توضع في ظروف مشابهة ، لا يمكن إلا ان يعتبر هذا التدخل المباشر للجزائر عملا عدائيا و تدخلا مباشرا في الصراع، مرورا بالمذكرة التي طرحها ممثل المغرب خلال اجتماع مجموعة دول عدم الانحياز القاضية بطلب الاعتراف باستقلال منطقة القبائل الجزائرية، التي اعتبرتها الجزائر عملا عدائيا ضدها سحبت على اثره سفيرها من الرباط بعد ان جيشت الإعلام والرأي العام الجزائري ضد المغرب، وهذا حقها كذلك رغم أن ردة الفعل المغربية التي لم تتجاوز حدود الموقف السياسي يبقى دون الانخراط المباشر للجزائر في تفتيت وحدة التراب المغربي و الصراع على أرض طالما اعتبرتها القيادات الجزائرية أرضا مغربية. وانتهاء بتطبيع المغرب علاقاته الدبلوماسية بالكيان الاسرائيلي الذي حتى وأن كانت بعض الدول غير راضية عنه وغير متفقة معه إلا أنه يعد شأنا داخليا للدولة المغربية و الشعب المغربي وقواه الحية وحدها المخولة لمواجهته . لكن كذلك شريطة أن لا يمنح التطبيع موقع قدم لإسرائيل لمهاجمة دول الجوار، وهو ما يمكن ان تآخذ عليه وزارة الخارجية المغربية، التي سمحت لوزير الخارجية الإسرائيلي بمهاجمة الجارة الجزائرية من خلال الندوة الصحفية التي عقدها بالرباط مع نظيره المغربي متجاوزا بذلك كل الأعراف الدبلوماسية، و مستبيحا لسيادة المغرب، وذلك بقصد صب الزيت على النار في العلاقات المتوترة بين البلدين الجارين .انه العمل الذي يعد بمثابة اعتداء لفظي على الجزائر كذلك . أتوقف عند هذه الأعمال التي تعد بمثابة وقائع محسوسة وملموسة دون الدخول في متاهات سيناريوهات المؤامرات المفترضة والسرية التي تديرها مخابرات البلدين ،سواء ما تعلق منها باتهام الجزائر للمغرب بدعمه للجماعات الارهابية المسلحة خلال التسعينيات ، او باتهام المغرب الجزائر بوقوفها وراء التفجيرات الإرهابية التي عرفها فندق أطلس أسني سنة 1994 وما ترتب عنها من إغلاق للحدود من جانب الجزائر الخ... -حضور نظرية المؤامرة لدى الجانبين المغربي والجزائري. عندما نستحضر الأزمات التي يمر بها النظام السياسي في كلا البلدين نتيجة غياب الممارسة السياسية الديمقراطية واستفحال منظومة الفساد التي أنتجت لوبيات اقتصادية و سياسية تعيق التطور والرخاء الاقتصادي لدى الشعبين الشقيقين بعد ان أصبحت منفلتة عن المساءلة والمحاسبة .فإننا نستوعب الى حد ما المصلحة الأكيدة لهذه اللوبيات المتحكمة في مفاصل الدولتين في تمثل كل عناصر نظرية المؤامرة سواء من أجل فرض هيمنتها الداخلية عندما يتعلق الأمر بقمع حراكات شعبية مطالبة بالكرامة والتنمية والديموقراطية ، عبر شيطنتها و ربطها بنظرية المؤامرة الخارجية كما كان الشأن مع الحراك الشعبي في كل من الريف المغربي أو في الجزائر.او في خلق نزاعات مفتعلة في علاقاتها الدولية للحفاظ على وضعها عبر توجيه الرأي العام المحلي في كلا البلدين تحت يافطة الإجماع الوطني المطلوب لمواجهة التهديدات الخارجية الخ … في هذا السياق كذلك يمكن القول ان الملفات العالقة بين البلدين سواء القديمة اوالمستجدة، تتطلب إرادة فعلية لحلها بدل الإبقاء عليها ملتهبة ، لتشكل مادة دسمة للتفنن في ابداع كل أشكال نظريات التآمر وتحويلها الى سيف ديموقليس المسلط على رقاب الشعبين الشقيقين. ومن آخر هذه الابداعات ما ذهب إليه المجلس الأعلى للأمن القومي الجزائري باتهامه المغرب وما يسمى "بحركة الماك" بالوقوف وراء الحرائق التي شهدتها الجزائر، التي أودت بحياة حوالي 90 ضحية من الشعب الجزائري، هذا في الوقت الذي لم يتساءل المجلس عن سبب عجز الدولة في تدبير هذه الازمة، وعن سبب افتقارها للطائرات المتخصصة في إخماد الحرائق هذا في الوقت الذي تمتلك فيه أسطولا جويا عسكريا ضخما ، وما مصلحة هذه الحركة المسماة" ماك " ،الموجودة على الأوراق للتوظيف عند الحاجة كما هو شأن "حركة 18 شتنبر" بالريف المغربي، في إشعال الحرائق في غابات المنطقة التي تدعي تمثيلها؟ . وما مصلحة المغرب في ذلك؟. هذا في الوقت الذي يعلم جميع خبراء البيئة ان التغيرات المناخية ،و الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة هذه السنة كانت وراء الحرائق المندلعة في أكثر من مكان عبر العالم، والتي قدر الخبراء حجمها لهذه السنة بما يعادل حرائق عشر سنين الماضية. وما سمعنا أي دولة تتهم أخرى بافتعالها. وما يزيد من عدم جدية هذا الاتهام، الذي يفتقد لأي دليل مادي ، الذي يراد منه تحريف الرأي العام الجزائري عن حقيقة فشل الدولة في تدبيرها للكارثة البيئية وعن المشاكل الحقيقية التي يمر بها ،هو ان حجم الرد الذي اوصى به المجلس المتمثل في تعزيز مراقبة الحدود مع المغرب ، لم يكن بمستوى الاتهام الخطير الذي اودى بحياة العشرات من المواطنين الجزائريين . هذا في الوقت الذي كان فيه حجم هذا الاتهام، لو تأكد فعلا لدى السلطات الجزائرية، سببا كافيا لإشعال الحرب بين البلدين. خلاصة صحيح ان للمغرب والجزائر مشاكل عالقة كثيرة قديمة و جديدة تتطلب الجلوس لحلها قبل ان تتطور الى ما لا يحمد عقباه .لكن كذلك هناك في الجانبين من اللوبيات الفاسدة في الدولة والسلطة من يصطادون في المياه العكرة بابتكار كل أشكال المؤامرة لابقاء الازمة على وضعها وهو ما يتطلب من ما تبقى من الحكماء والعقلاء في كلا الدولتين التنبه له بالتدخل من أجل تصويب الأمور قبل فوات الاوان. د تدمري عبد الوهاب طنجة في 20 غشت 2021