قد قرأت مقالا عن الحب، بعنوان: " عندما سقط شيخ الأزهر في حب مي زيادة!"، فاستوقفتني هذه الجملة الذي قالها صاحب المقال عادل أعياشي " الحب هو سمة إنسانية كاللؤلؤ المكنون...". فقلت حينها في قرارة نفسي: إن صاحبنا قد أبدع في وصفه بسحر أسلوبه. غير أن تحديده للحب يشبه علبة سوداء فارغة من الداخل. " أليس الحب كذبتنا الصادقة" كما قال محمود درويش! إذا، الرهان أن نفهم هذه الكذبة الصادقة، بمعنى آخر، الرهان أن نفهم هذا الحب، لكن ليس على أيدي الأدباء، بل الفلاسفة. على الرغم أن فهم الأشياء، في غالب الأحيان، تفقد سحرها وبريقها. بمعنى أدق، أن نفهم الحب، معناه أن نكشف سّره، هكذا قال سعيد ناشيد، صاحب كتاب "التداوي بالفلسفة". وبهذا المعطى، أننا قد نضحي بسحره الذي يشبه اللؤلؤ المكنون، كما شبهه صاحبنا. بناء على هذا، دعنا نفتش في حقيبة الفلاسفة حتى يتخوّل لنا الكشف عن سّره. يمكن القول أن الحب يطرح إشكاليات شائكة في حقيبة الفلاسفة. ذلك أن تحديد مفهوم الحب كثير المراوغة والانفلات، كل ما يمكن القول عنه، أنه ليس ذلك التحديد التبسيطي، باعتباره الشعور المبهج الذي يجعل القلب يخفق إخفاقا. لكن في المقابل يمكن القول، قد أثاره الفلاسفة بتحفظ يشبه من يدخل إلى قفص الأسد ويخشى أن يؤكل حيا. هكذا لاحظتا مارى لومونييه و أود لانسولان في كتابهما الموسوم ب: : "الفلاسفة والحب". وعليه، نبدأ في تحديد مفهوم الحب من الفيلسوف الذي أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض، سقراط الذي يؤكد أن الخطأ ينشأ من اعتبار وجود الحب متحققا حين نُحب وليس حين نحب بكسر الحاء .بمعنى، إدراك الحب يتعلق في نهاية الأمر، بالبحث عن إجابة عن هذا السؤال : لماذا أُحبه بدلا لماذا أحب بالفتح الحاء ؟ في حين يرى تلميذه أفلاطون أن الحب ليس الاكتفاء بأسبوع عابر لنزوة شهوانية، إنما ذلك السمو الرحاني. ولربما صاحبنا يحدده تحديدا أفلاطونيا، دليل على ذلك، حينما يقول "كسَّرَ كل القيود التي من شأنها أن تجعل انتماءه لصرحٍ ديني شهير كالأزهر الشريف حاجزاً في وجه انفعالاته الوجدانية وخفقان قلبه البعيد كل البعد عن النزعات الشهوانية والملذات الحيوانية." ألا يمكن القول أن هذا الشعور الوجداني، فهو ليس إلا شعورا اصطناعيا؟ هذا ما يذهب إليه فيلسوف العقد الاجتماعي جان جاك رسو. بل أكثر من هذا، في كتابه إميل يرى أن الرغبة الجنسية على أنها احتياج غير طبيعي. بل ذهب إلى تخيل أنه لو عاش رجلا وحيدا على جزيزة منعزلة من الممكن أن يموت من دون أن يجربها... فاختيار المعشوقة التي تبدو مسألة حميمة، في الغالب الأعم يحدث نتيجة ما يمليه علينا التطابق غير الشخصي، حسب فيلسوفنا. بهذا المعطى، لو تساءلنا لماذا نقع في حب إمرأة ما؟ الإجابة حسب روسو، غالبا لأن رغبة الآخرين فيها تجعلها مرغوبة في أعينينا. دعنا، نفتش في حقيبة الفيلسوف الموصوم بالتشاؤم، فيلسوف آثر شوبنهاور، الفيلسوف الألماني الذي يرى أن الحب هو الفخ الغريزة الجنسية. بمعنى أدق، فمن غير المجدي أن نكذب على أنفسنا حيال هذه النقطة، حتى وإن بدا الحب نقيا ومزينا بالنزعة الشاعرية فإن جذوره تتأصل في الغريزة الجنسية. بمعنى أكثر وضوحا، أن تجربة الحب التي نتوهم، باعتبارنا نحن من نختار الحبيب وفق ذوقنا، فهذا ليس إلا وهما. فالاختيار ،حسب رأيه، الطبيعة هي التي تختار الأنسب لها ولغاية نسل متناسب. فالطبعية بهذا المعطى، ماكرة. لكن السؤال المطروح هنا على آثر شوبنهاور، لماذا تضطر الطبيعة إلى خداعنا؟ الجواب حسب شوبنهاور، أن الطبيعة تدرك بأن الإنسان أعقل من أن يتكبد عناء التناسل عن طواعية فيما لو لم توجد غواية إلى درجة يفقد عقله. غير أن ابن جلدته نيتشه، تساءل ساخرا في كتابه العلم المرح " ما الحب إن لم يكن أن نتفهم أن شخصا ما يعيش ويتصرف ويشعر بطريقة مختلفة عن طريقتنا ؟ ". وإلا فلن يكون حبا حسب فيلسوف القوة. أليس من يقوى على مقاومتنا هو يصير أكثر إغواء؟! كما نجد في كتابه هذا هو الإنسان ردد كلمة كلمة حين سأل الأجيال اللحقة التي ستقرأه " هل جهزتم آذانكم لسماع تعريفي للحب؟ إنه الشيء الوحيد الذي يليق بالفيلسوف. الحب وسائله الحرب، ومبدأه هو الكرهية القاتلة للجنسين". إذن، بهذا المعنى، الحب في مجمله، فهو شعور لا أخلاقي بطبيعته حسب نيتشه، ألم يقول في كتابه إنساني مفرط في إنسانيته " كل حب عظيم يولد الفكرة القاسية العنيفة المتعلقة بتدمير المحبوب." في حين يرى ابن بلده مارتين هايدغر أن تحب شخصا، معناه، أن تحافظ على الآخر وأن تتركه يكون ماهو عليه، أي دون أن تحاول إمتلاكه. وفي هذا السياق، نسلط الضوء عما كتبه لتلميذته حنة آرندت" أتعرفين ما أصعب شيء بين الأشياء جميعا، وبين كل ما مُنح للإنسان ليحمله؟ بالنسبة للباقي توجد طرق ومخابئ ليحتمي الإنسان بها ،إما أن تقع فريسة للحب، فذلك يساوي أن يعامل الإنسان بازدراء في حياته الأكثر خصوصية. " ويكتب أيضا لتلميذته السالفة الذكر " هذا ما أنت عليه بكاملك وما ستظلين عليه، وهكذا أحبك". و يقول أيضا: "الطريقة الوحيدة للحب هي أن يترك كل منا الآخر ليكون ماهو عليه بحرية." نختم أخيرا، بالفيلسوف الوجودي الآخر، جان بول سارتر، الذي يرى أن الحب متأرجح دائما بين السادية والمازوخية. ذلك أن الحب لا نتعامل معه لو كنا نشرب كوبا من الماء. عصارة القول، فالحب من الصعوبة بمكان تحديده بكل بساطة، فهو مفهوم من ضمن الفاهيم المتداولة، إذ يبدو لدى الكثير من البشر كأنه مفهوم واضح، غير أن الفلسفة تعلمنا أن الأشياء الأكثر وضوحا هي الأكثر غموضا وتعقيدا. وهنا، نطرح السؤال الذي يحث على التأمل و التفكير : ما الحب في منظورك أيها القارئ العزيز؟ بقلم: طالب في علم الاجتماع، إلياس التاغي. مصادر والمراجع: الفلاسفة والحب ل مارى لومونييه و أود لانسولان ترجمة دينا مندور. سعيد ناشيد، التداوي بالفلسفة. عادل أعياشي، مقال ،عندما سقط شيخ الأزهر في حب مي زيادة!