إن “مغربكم جبلُُ، خارجه فولاذ لا يذوب وجوهره ذهبٌ لا يمكن أن يتكسر”، بهذه العبارة العجيبة وصف الياس العماري، الأمين العام لحزب البام بلدنا المغرب، إلا أن هذا الجبل تمخض فولد فأرا. هذه هي حقيقة الانتخابات التشريعية بالمغرب، والتي خصصت لها الحكومة المغربية مبلغ 250 مليون درهم، كمساهمة من الدولة لتمويل الحملات الانتخابية التي ستقوم بها الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات التشريعية، وأمام هول هذا المبلغ المخصص لتنظيم انتخابات “صورية” تسهر على تنظيمها كل من وزارتي الداخلية والعدل، والذي كان من المفروض أن تسهر عليها لجنة مستقلة، بعيدة عن الضغوطات والتحكم الذي يمارسه النظام لتعبيد الطريق لأحزاب إدارية، صنعها القصر لتمثيل إرادته وبالتالي تكريس هذه الوضعية التي تتجه من سيء الى أسوأ…ثم: 1 ماذا لو استغنينا عن الحملة الانتخابية وما تصاحبها من ضجيج الشعارات، وذلك الكم الهائل من الأوراق والمطبوعات التي تُرمى في الشوارع، وكل هذا الهرج والمرج والعرس المخزني، لخلق نوع من الانطباع بوجود عملية ديمقراطية يشارك فيها مسخوط الدولة لمنح شرعية لخادم الدولة، وأنفقنا هذا المبلغ الهائل على المتشردين و اليتامى، وفي سبيل النهوض بالمدرسة و الصحة العمومية، و توفير السكن اللائق، وخلق فرص الشغل للمعطلين، وفك العزلة على المناطق النائية، واستقلالية القضاء… 2 عن أي انتخابات تتحدثون وأنتم لا تستطعون توفير كتب مدرسية لطفل أزرو ذي العشر السنوات، الذي انتحر بسببها. ألا يوجد عليكم رقيب؟ ألا يحاسبكم أحد؟ ألا يحاسبكم ضميركم؟ هذه الحادثة ستبقى وصمة عار على جبين الحكومة والدولة المغربية… 3 البرلمان الذي تُسحب منه أسئلة البرلمانيين، باتصال هاتفي من وزير الداخلية، هل تسمونه برلمانا؟ لخّص الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي مشكل المغاربة في جملة “أيها المغاربة إن مصيبتكم في أحزابكم”، هذه الأحزاب التي تكرس هذه الوضعية البئيسة ببحثها عن مرشحين تشترط فيهم قوة النفوذ، حتى وإن كانوا غارقين في ملفات فساد، ماذا تنتظر من أحزاب تزكي الفساد؟ أن تدافع عن حقوق الشعب، أكيد لا. 60 سنة و”مسخوط الدولة” يذهب الى صناديق الاقتراع، للتصويت على من سيصبحون خدام الدولة، ماذا تغير؟ لا شيء. لا أريد أن أحطم فؤادكم، لكن دعوني أخبركم أن دولة ناميبيا الشقيقة التي حصلت على الاستقلال في بداية التسعينيات، مصنفة أحسن من المغرب في مجال الصحة والتعليم، صدقوا أو لا تصدقوا! “مسخوط الدولة” حائر اليوم أكثر من أي وقت مضى، حائر مابين التصويت والمقاطعة، فمن شيم مسخوط الدولة التفاؤل الشديد، لذلك تجده في كل محطة انتخابية يعلق أماله على حكومة أخرى، حكومة ترفع من أجره وتشغل المعطلين وتلغي الفوارق الاجتماعية وتحقق العدالة الاجتماعية، وتوفر له تطبيبا وتعليما بالمجان، وبالتالي مستقبلا زاهرا.. كيف لشعب نصفه الكبير مُفَقَّرٌ، أمي، منسي في المغرب العميق والعقيم سياسيا، ويخرج في المسيرات للاجتجاج على شيء يجهلونه، مقابل الحصول على “بواطة سردين وخبزة وقفة رمضان” أن تتوفر فيه شروط التصويت ويعي بذلك اختيار التصويت كحق من الحقوق أو المقاطعة كنوع من الاحتجاج؟ جميع الأحزاب السياسية ترفع شعار “محاربة الفساد” و”من أجل التغيير” منذ الاستقلال، الا أنهم لا يحددون نوع التغيير بالضبط، بحيث لم نشاهد الا تغيير وضعيتهم المادية وتحسين مكانتهم الاجتماعية؟ مع انخفاض عتبة الولوج للبرلمان الى 3% عوض 6%، فلن نتعجب في تحالف حكومي يتكون من خمسة إلى ستة أحزاب أو أكثر لتشكيل الأغلبية، فلك يا مسخوط الدولة أن تتخيل المشهد السياسي في البرلمان، ولك أن تحلم بحكومة منسجمة تمثل الشعب المغربي، ببرنامج حكومي موحد! كمتتبع للمشهد السياسي المغربي، أرى أن الصراع حول تصدر الانتخابات سيكون بين حزبي البام والبيجيدي، والأقرب للرئاسة هو البيجيدي نظرا لعدة عوامل والانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة خير دليل.. لكن دعونا نتفق أن الحزبين لم يقدما شيئا لمسخوط الدولة، فبنكيران قمع الأساتذة المتدربين، وخفّض من أجور الموظفين والمتقاعدين، ورفع أسعار المحروقات والمواد الأساسية وأثقل كاهله، وحمى الفاسدين وناهبي المال العام بجملته الشهيرة “عفى الله عما سلف “، وستر أصحاب لكَريمات والنفوذ وكل أنواع المقالع… أما إلياس العماري رئيس جهة طنجةتطوانالحسيمة، الذي كان يعول عليه أهل الريف لرفع الحيف والظلم والعزلة عنهم، فلم يقدم شيئا يذكر للريف ولا للجهة في ظل الجهوية الموسعة والدستور الجديد، غير الكذب على “بيل غيتس”. 60 عاما ومساخيط الدولة يمنحون ثقتهم لخدام الدولة ويصدقون وعودهم، لم يتغير شيء سوى أن مساخيط الدولة ازدادوا فقرا وخدام الدولة ازدادوا غنى.. ألم يكن من المفروض أن يكون الترشيح مرفوقا بالمصادقة والتعاقد مع الشعب بعقود تتبث امكانية تحقيق وعودهم ومحاسبتهم في حالة عدم الإلتزام؟ أليس من العار أن يصوت مسخوط الدولة على برنامج انتخابي، ليطبق خدام الدولة برنامجا غير الذي صوت عليه مسخوط الدولة؟ ثم عن أي حكومة تتحدثون، وعبد الاله بنكيران قالها بعظمة لسانه أن الملك هو رئيس الحكومة ورئيس الدولة وهو الذي يسير ويحكم؟ السلطات التشريعية، والتنفيدية والقضائية كلها بيد الملك، وهو رئيس المجلس الوزاري الذي يصادق على المشاريع الكبرى للبلد. فرغم بعض الأصوات المنادية بالمقاطعة، ستتشكل الحكومة في آخر المطاف، فرجائي للمصوتين أن يصوتوا على الأقل فسادا من بين المترشحين رغم أن التغيير في ظل الوضعية الراهنة مستحيل، أما المقاطعين عن اقتناع رغم أنهم لن يغيروا شيئا، لأن النظام القادر على تجييش الآلاف من مساخيط الدولة في مسيرة شعبية، دون أن يفهموا سبب احتجاجهم، وتجييشهم أيضا للتصويت على الحزب المختار، ومع ذلك يبقى قرار المقاطعة وطنيا، فسلامي على المقاطعين.