تنسيقية أساتذة الزنزانة 10 ترفض التراجعات وتعلن اعتصاما مركزيا بالرباط    رواندا تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع بلجيكا    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    المغرب يتصدر قائمة الدول عالميا في إنتاج الهيدروجين الأخضر من الطاقة الريحية    وزارة التجارة: استبعاد 5.583 طن من المنتجات المستوردة الُمخِلة بالشروط ومراقبة أكثر من 300.000 نقطة بيع وتسجيل 15.200 مخالفة    إسرائيل تجعل دخول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين "شبه مستحيل"    الطائرات الصينية تعيد تشكيل ملامح صناعة الطيران: منافسة قوية تنتظر إيرباص وبوينغ    ليبيا.. "الكتب المدرسية" تتسبب في سجن وزير التربية والتعليم    البطولة الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال 25).. شباب المحمدية ينهزم أمام ضيفه حسنية أكادير (4-0)    الاتحاد السعودي يسعى لضم عبد الصمد الزلزولي    قرعة متكافئة للهلال والنصر في ربع نهائي أبطال آسيا    ‬دينامية ‬الدبلوماسية ‬ترفع ‬أسهم ‬المغرب ‬في ‬البورصة ‬الأفريقية    هذه توقعات الأرصاد الجوية اليوم الإثنين بالمغرب    توقيف 8 أشخاص على خلفية قضية اغتصاب تلميذات قاصرات بمنطقة "كيكو" ضواحي بولمان    الدبلوماسية الناعمة للفنون والحرف التقليدية المغربية.. بقلم // عبده حقي    دراسة جديدة تربط بين الطقس الحار وأمراض القلب في أستراليا    المغرب يعزز مكانة جواز سفره بإضافة وجهات جديدة دون تأشيرة    إلغاء مباراة مونبلييه وسانت إيتيان في الدوري الفرنسي بسبب الأعمال النارية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    شهر رمضان في أجواء البادية المغربية.. على إيقاع شروق الشمس وغروبها    كيوسك الإثنين | الحكومة تواكب تحديث المنشآت الفندقية لاستضافة المونديال    إضرام النار يوقف مواطنا ليبيريا بتزنيت    تحذيرات قصوى: أمواج عاتية تضرب السواحل الأطلسية المغربية    ترامب يطرح فكرة "التقسيم" مع بوتين    نتانياهو يعتزم إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي    رسالة محمد بن عيسى ومسؤلية "الأصالة والمعاصرة" أمام الله والتاريخ بشأن مستقبل مدينة أصيلة    البطلة برطال: أهدي الميدالية الذهبية للملك محمد السادس والشعب المغربي    تقرير بريطاني: ثلث الهواتف المسروقة في المملكة المتحدة تُهرب إلى الجزائر    محاولة للإساءة للمغاربة: كشف مجرم جزائري ادعى الجنسية المغربية بعد اعتقاله في فرنسا    إغلاق السوق المركزي لبيع الأسماك بشفشاون: قرار رسمي لحماية الصحة العامة وتنظيم النشاط التجاري    فوز الحسنية و"الجديدي" في البطولة    بوجلابة يكتب: "فيييق أحبّي !!"    توقع بتوقف تام للملاحة البحرية بمضيق جبل طارق بسبب رياح قوية وأمواج عاتية    هاليفي يٌثني على "حماس".. ونتنياهو يٌقيل رئيس جهاز أمن "الشاباك"    "طنجة تتألق في ليلة روحانية: ملحمة الأذكار والأسرار في مديح المختار"    حادثة سير خطيرة قرب طنجة تسفر عن وفاة وإصابات خطيرة    واقع الأطفال في ألمانيا.. جيل الأزمات يعيش ضغوطات فوق التكيفات    وفد برلماني نسائي يروج للمناصفة    نشرة جوية إنذارية بالمغرب    إسبانيا تمنح المغرب مليون يورو لاقتناء 10 سيارات إسعاف    مدرب الوداد موكوينا يتحدث عن إمكانية الرحيل بعد التعادل مع اتحاد طنجة    ارتفاع مخزون السدود المغربية بنحو 35% بعد موجة الأمطار الأخيرة    الإعلام الفرنسي يصف المغرب ب"إلدورادو حقيقي" للمستثمرين و"وجهة الأحلام" للمسافرين    الأدوية الأكثر طلبا خلال رمضان المضادة للحموضة و قرحة المعدة!    هبات رياح قوية مع تطاير الغبار وتساقطات ثلجية مرتقبة يومي الاثنين والثلاثاء بعدد من مناطق المغرب    لا أيمان لمن لا أمانة له ...    ارتباك النوم في رمضان يطلق تحذيرات أطباء مغاربة من "مخاطر جمّة"    الإهانة في زمن الميغا امبريالية: عقلانية التشاؤم وتفاؤل الإرادة.    نسيم عباسي يتيح أفلامه السينمائي للجمهور عبر "يوتيوب"    "آتو مان" أول بطل خارق أمازيغي في السينما: فيلم مغربي-فرنسي مستوحى من الأسطورة    ملكة الأندلس تتربع على عرش الجماهيرية دون منازع    تتويج "عصابات" بجائزة "فرانكوفيلم"    تأثير مرض السكري على العين و عوارض اعتلال الشبكية من جراء الداء    أبرز المعارك الإسلامية.. غزوة "بني قينقاع" حين انتصر النبي لشرف سيدة مسلمة    أهمية الفحوصات الطبية خلال شهر رمضان    ظاهرة فلكية نادرة مرتقبة فجر يوم غدٍ الجمعة    أداء الشعائر الدينيّة فرض.. لكن بأية نيّة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مآزق العقل اللائكي الانقلابي ج 1
نشر في شبكة دليل الريف يوم 04 - 11 - 2013

الانقلاب مفهوم عام لا يمكن اختزاله في حدث سياسي أو فكري أو وجداني أو سلوكي إذ أن مجالاته يمتد إلى ساحات مختلفة تجتمع لتعبِّر عن حالة مرضية ثائرة بلا تعقل أو تخطيط ، فالانقلاب السياسي على نظام ما -خصوصا إذا كان هذا النظام شرعيا زكاه الشعب بأصواته الحرة – يمثل حالة هياج تنبعث دوافعه من اللانظام السياسي الذي يعتري أصحابه، كما يمثل أسلوبا عبثيا لا يدل على النضج السياسي و لا على الرزانة الفكرية في التعاطي مع القضايا الكبرى، و الانقلاب الفكري الذي يؤدي إلى تغييرات حادة في أعراض تفكيره فينجم عن سطحياتِ معانقة إيديولوجية ما أو رأي اعتقادي معين لا يمكن له إلا أن ينتج كوارث فكرية تذهب برجاحة عقله و سعة صبره فيتطرف نظره و ينعدم سمعه . و في هذه المقالة السريعة سنتعرض إن شاء الله إلى أشد أنواع الانقلابات السياسية التي ابتليت بها الأمم العروبة المتخلفة و اكتوت بها الشعوب فردا فردا ناظرين في مآزق الخطاب اللائكي الانقلابي و تناقضات فكره و تنزيلاته المدمِّرة للدولة و المجتمع معا .

لكن، من المهم التذكير هنا بداية بأن نقدنا لأصول الفكر اللائكي في الوطن العروبي الراهن يجد مبرره في اعتبارين أساسين : الأول يتعلق بشرود هذا العقل عن منطق الشرع و التاريخ و الثاني في تناقضاته الواقعية بين الخطاب و الممارسة حيث لم يعد له من سند غير الثرثرة السياسية و التقولات الجدلية التي حفظها كترانيم تُتلى . و إذا كنا قد تعرضنا في مقالات سابقة عن الاعتبار الأول حيث ذهبنا غير ما مرة إلى إثبات عجز هذا العقل –عبر مفكريهم المرموقين – عن تبرير خيار الألْيَكة تاريخيا و دينيا فإننا هنا سنركز كلامنا بحول الله على الآفة الثانية التي وسمت عقل اللائكي بالازدواجية و التناقضية و وقعت أسيرة النزعة التبريرية الاستبدادية في مسعى لفرض أسلوب سلطة الأمر الواقع بعيدا عن المفردات و الخطابات السياسية المدنية المعاصرة، و في محاولتنا هاته لن نجد وسيلة أمضى نجاعة من استخدام متواليات الحدث الانقلابي اللائكي المصري لرصد مآزق العقل اللائكي إذ يمثل درسا بليغا للثرثارين السياسيين و المثقفين اللائكيين .

المأزق اللائكي الأول : حقوق الإنسان/زعموا

لا يكف العقل اللائكي من الدعاوى الخطابية حول احترام حقوق الإنسان و تكريمه باعتباره إنسانا، و لا تكاد تغطي نقاشاته غير الحديث عن تعداد الحقوق الإنسانية و ضرورة تحققها بصرف النظر عن الانتماء العرقي أو الديني أو اللغوي ،فحقوق الطفل و المرأة و الإنسان عموما تكتسي عندهم –نظريا- حُلة ساحرة تُزَخرَفُ لها و بها الكتب و المقالات السياسية و الفكرية و تتصدر واجهات نضالات اللائكيين في منتديات الجدل الفكري و المناظرات الإيديولوجية، كيف لا و قد صار الحديث عن حقوق الإنسان في هذا الزمن الصاخب بضاعة تجارية ارتزاقية و ماركة مسجلة تستدعي تزيين لغة الخطاب و تحسين اختيار مضامينه لتسويقه ! كيف لا و قد صار حقوق الإنسان مشروعا مربحا يجني وراءه اللائكي مكاسب مادية سيادية نفوذية أو مالية نقودية ! فلاعقو المناصب والواجهات الإعلامية في زمن البهرجة السياسية لا يخلُ لهم مكان خصوصا إذا كان هذا المكان موطنا لائكيا سلطويا بامتياز يُنتِجُ عبر آليات الدولة اللائكية القمعية العميقة نُخَبًا مخدرة من حُفّاظ المفردات المُستَورَدة و نُسخًا من تجار الأوهام و بائعي اللغة المُجمَّلة ، كما أن المشعوذين السياسيين الذين جعلوا مَهمتهم مناطحة الإسلاميين لن يبخلوا البتة في تحريك ملف "حقوق الإنسان" لاستدعاء و استعداء الدولة البوليسية راعية "الحقوق" لضرب التيار الإسلامي الصاعد، فهاته الطفيليات التي تتغذى من دماء الإنسان لتناضل عن حقه وهْماً لا تلبث أن تقدم للعالم حقيقة مواقفها النفاقية عندما تجد نفسها متحالفة مع مصاصي الحقوق و المتمثلة في الدولة الديكتاتورية التي تؤمن بحق العري و تشرد الإنسان و تكفر بحق السّتر و كرامة الإنسان، و لعل مجريات الفعل الثوري المصري و ما أفرزه من مشاهد بئيسة من الخزي في حق المتظاهرين السلميين يعطي لنا صورة واقعية مشهودة عن طبيعة السلطة اللائكية المستبدة الغشومة في قتل الشرف الآدمي و سحق حقوقه الاجتماعية و السياسية و الفكرية ، إذ تحولت الثورة المضادة متجسدة في الانقلاب اللائكي الدموي إلى مغولٍ مَهولٍ أجهزَ على كل الحقوق و حوَّل "الفاعلين السياسيين" إلى أدوات لاغتصاب حق التظاهر و قتل للحرائر و اعتقال للأطفال و قنص منظم للثوار و ملاحقات للقادة السياسيين و التمثيل بهم و عسكرة للجامعات العلمية و قطع لأوصال المدن و منع للاحتشاد في الساحات، بكلمة، صارت الدولة فوق المجتمع من جديد ، و مع ذلك نافحَ العبيد اللائكيون عن إجراءات القمع لإهدار الكرامة الإنسانية و منهم من زكوا سفك دماء الربعاويين و النهضويين و برروا للسلطة اللائكية العسكرية كل الأفعال الطاغوتية الإجرامية، و أقصى ما قام به البعض أن غادرَ المشهد هاربا بجلده من بطش حليفه دون أن تكون له القدرة على التكفير عن أخطائه القاتلة و مآزقه الفاحشة (البرادعي، حمزاوي، خالد داوود..) .

مأزق حق التظاهر :
شتان بين من يؤمن حقيقة بين هذا الحق و بين الدجال المستبد، فعندما كان الرئيس مرسي حاكما للبلاد- و لو بشكل جزئي- مارسَ هذا الحق بكل جدارة و فسحَ المجال لساحة التدافعات الحرة لتعبر عن نفسها دونما عنف، و كانت الساحات مرتعا لاستقبال المعارضين دونما حصار أو قمع رغم أساليب العنف و الإرهاب التي تصاحب عادة تصرفات القوى "المدنية" و رغم ظهور تيارات فاشية (بلاك بوك) تستعمل التحريب و التخريب كأدوات لممارسة الضغط، و واصلت "المليونيات" تحركاتها فلم تنصب الدولة مشانقًا عبر زرع قناصات عبر السطوح أو عبر اقتحامات دموية و إنما دعت في أكثر من مناسبة إلى احترام حق التظاهر السلمي و التعبير عن الرأي رغم التحريض المسعور من اللائكيين الإعلاميين و السياسيين المُرتزقين على اقتحام المؤسسات السيادية و استعمال كل الطرق العنيفة لتحقيق مطلب المعارضة الكشكولية، ظل العقل الإسلامي محترما لكل أشكال حق التظاهر و تجنبت القوى الإسلامية النزول للمظاهرات رغم الاستفزازات و الاعتداءات و عبَّرت الرئاسة عن وفائها لمبدأ احترام المعارضة في حق التظاهر المشروع فقدمت الدليل على قدرتها لاستيعاب الجميع بالطرق السلمية و الحوارات العقلانية حتى صارت أسلوبها السياسي تتسم بالمبالغة في التعامل مع المخربين عند بعض الإسلاميين .

في مقابل ذلك نحت المؤسسة اللائكية العسكرية منحى خطيرا فبدأت انقلابها على كل الحقوق فكممت الأفواهَ مبكرا و رحّلت المعارضة إلى السجون الانفرادية و قامت باستعمال القتل البشع للمتظاهرين في الاعتصامين الشهيرين عبر الحرق و إخفاء معالم الجريمة و قامت بعسكرة الميادين بقوة الجيوش و خنافسة الأمن المركزي و أطلقت الذخائر الحية بشكل مباشر على المعارضين في المساجد و الشوارع و منعت كل حركة و إشارة و زُجَّ بالأطفال إلى المخافر و أعادت جهاز الشرطة البوليسية للجامعات و كل شيء فعلوه . صارَ الوضع الآن واضحا و بدأ الجميع يتحدث عن النخبة اللائكية الليبرالية الخائنة لمبادئها دون أن يدركوا أصول الاغتراب الثقافي الذي يحرك الأطماع و يبرر المجازر الآدمية بلا هوادة ، و لا يمكن بأي حال من الأحوال فهم خلفيات هذا الهَوس اللائكي تجاه قمع المعارضة الإسلامية و حرمانها من حق التظاهر السلمي إلا باستحضار بُعدين:

الأول مرتبط بمحدودية القاعدة الشعبية للقوى اللائكية الانقلابية إذ لو أمكن لها فسح المجال للمعارضة للنزول للميادين لكان ذلك تعبيرا واضحا عن انكشاف أقلية أطراف القوى المسماة زورا بالمدنية و لأصبحَ الانقلاب العسكري مفضوحا أمام الحشود الغفيرة التي ستملأ الميادين بالملايين ، الشيء الذي يجعل العسكر و حذاءه اللائكي حريصا على منع المتظاهرين للوصول إلى ساحة التحرير و رابعة العدوية . و مع ذلك ينبهر كل يوم هذا العقل بحجم الحشود في المسيرات اليومية و يضطر معها باستخدام أساليب الاستخفاف و الدجل الإعلامي المفضوح من طرف الإعلام الحر ( شبكة رصد، الجزيرة، الحوار...)

الثاني مرتبط بطبيعة العقلية اللائكية نفسها التي شبّت على مخاصمة الإسلام (و ليس الإسلاميين) و ناصبت لأهلها العداء بكل الشناعات، فهاته العقلية العروبية صارت عندها منطق التناد الحاد هدفا أساسيا في معركتها المركزية مع الإسلاميين إذ هي دائما على استعداد تام لتبرير كل الممارسات و الأشكال التعسفية في حق الخصوم ما دام شعارها الميكيافلي يسمح لها بذلك ، و هذا ما يفسر قلة الكوادر اللائكية التي نددت بالانقلاب الدموي و رفضت الظلم في حق المعارضة و التحجيم على حرياتهم السياسية و الاجتماعية.

إن القاعدة المحورية التي تتحكم في العديد من تلك القوى للأسف تتمثل أساسا في احتكار حق التظاهر عندما يكون ذلك في صالح الايدولوجيا و تجريمه و عسكرته عندما يصبح في يد الآخرين و كأن النزعة الانتهازية و المصلحية المقيتة لا زالت تقود هذا الفكر المريض و تحدد صفته الحقيقية في التعامل مع المخالفين. و تتكرر الصور و المشاهد في هذا الشأن حيث لاحظنا النظام اللائكي التونسي المتشدد في عقد بورقيبة و بن علي يمارس أشد الأنواع همجية في التعامل مع المتظاهرين المعارضين و عندما حكمت الصناديق بصعود النهضة بأغلبية لم تتحرك لقمع المعارضة و لا لملاحقة كوادرها بل كان لهم من الحرية في التظاهر ما صار بارزا لكل ذي عينين رغم فساد الأطروحات الداعية لحل الحكومة و المجلس التأسيسي و غلبة الأسلوب الاستعجالي المدفوع بأموال البترودولار و عقلية التناد مع القوى الإسلامية ..

مأزق حق المرأة :
من السهل جدا التسويق لحقوق المرأة و الحديث عن معاناتها في المجتمع، لكن من الصعب أن يقبل اللائكي حقوق المرأة عندما يتعلق الأمر بالمرأة الإسلامية الملتزمة، فبحكم تكوينه الاغترابي المفصول عن أصوله يرسل الكلام عن حقوق المرأة و في مخياله صورة المرأة المتحررة من وصايا الدين و من كل مروءة أخلاقية إذ تشدّ عقله شدا و تجعل صورة المرأة المحتجبة العفيفة في مخياله كابوسا لا يوحي إلا بالرعب و التخلف ، و هكذا فعندما تناضل المرأة الملتزمة بقيم دينها فتمارس حق الدفع والإنكار لاسترجاع صوتها المسلوب بالمدفع و الدبابة أو لاختيار من تراه جديرا بالحكم تصبح هنا قيمة عددية تفضي إلى ديمقراطية "عددية" صورية لا تمت بصلة بروح الفلسفة الديمقراطية و ثقافتها المدنية عند "العقلانيين"، أما عندما تنتخب المرأة المنحلة من تراه حاكما أو نائبا برلمانيا تتحول هنا العملية إلى قيمة "تنويرية" جديرة بالاحترام وجبَ الخضوع لنتائجها إلزاما . و عندما تُهان امرأة غير ملتزمة على يد قوات الأمن مثلا كما فُعِلَ بإحداهن إبان حكم الرئيس مرسي بتجريدها من ثيابها قامت كل القوى "المدنية" تستنفر النكير حول حقوق المرأة تُطالب الاقتصاص من سوء التصرف ( و هو أمر مطلوب بلا شك )الذي لحق كرامة المرأة جراء الإهانة وإهدار الشرف الآدمي ، لكن عندما تُقتل النساء المنقبات في المنصورة على يد بلطجي شهير و تُعتقلُ المتظاهرات المنددة بالانقلاب الهمجي يبتلع العقل اللائكي ريقه سريعا و يبدأ في سرد محفوظات تحميل المسؤولية لهذا التنظيم أو ذاك ، حقوق المرأة هنا مشروعة و هناك مرفوضة !

إن كثرة التغريدات حول حقوق المرأة لا يقوم دليلا على التزام أصحابها لها لأن النفاق كما يكون في ازدواجية الموقف حول حق التظاهر يكون أيضا حول حقوق الإنسان عموما، و الوقائع على الأرض هي التي تحدد الفئة الصادقة في طرحها المبدئي من الفئة الباغية المنتهزة و المستغلة لكرامة المرأة و أنوثتها .مآزق العقل اللائكي الانقلابي ج 1



الانقلاب مفهوم عام لا يمكن اختزاله في حدث سياسي أو فكري أو وجداني أو سلوكي إذ أن مجالاته يمتد إلى ساحات مختلفة تجتمع لتعبِّر عن حالة مرضية ثائرة بلا تعقل أو تخطيط ، فالانقلاب السياسي على نظام ما -خصوصا إذا كان هذا النظام شرعيا زكاه الشعب بأصواته الحرة – يمثل حالة هياج تنبعث دوافعه من اللانظام السياسي الذي يعتري أصحابه، كما يمثل أسلوبا عبثيا لا يدل على النضج السياسي و لا على الرزانة الفكرية في التعاطي مع القضايا الكبرى، و الانقلاب الفكري الذي يؤدي إلى تغييرات حادة في أعراض تفكيره فينجم عن سطحياتِ معانقة إيديولوجية ما أو رأي اعتقادي معين لا يمكن له إلا أن ينتج كوارث فكرية تذهب برجاحة عقله و سعة صبره فيتطرف نظره و ينعدم سمعه . و في هذه المقالة السريعة سنتعرض إن شاء الله إلى أشد أنواع الانقلابات السياسية التي ابتليت بها الأمم العروبة المتخلفة و اكتوت بها الشعوب فردا فردا ناظرين في مآزق الخطاب اللائكي الانقلابي و تناقضات فكره و تنزيلاته المدمِّرة للدولة و المجتمع معا .

لكن، من المهم التذكير هنا بداية بأن نقدنا لأصول الفكر اللائكي في الوطن العروبي الراهن يجد مبرره في اعتبارين أساسين : الأول يتعلق بشرود هذا العقل عن منطق الشرع و التاريخ و الثاني في تناقضاته الواقعية بين الخطاب و الممارسة حيث لم يعد له من سند غير الثرثرة السياسية و التقولات الجدلية التي حفظها كترانيم تُتلى . و إذا كنا قد تعرضنا في مقالات سابقة عن الاعتبار الأول حيث ذهبنا غير ما مرة إلى إثبات عجز هذا العقل –عبر مفكريهم المرموقين – عن تبرير خيار الألْيَكة تاريخيا و دينيا فإننا هنا سنركز كلامنا بحول الله على الآفة الثانية التي وسمت عقل اللائكي بالازدواجية و التناقضية و وقعت أسيرة النزعة التبريرية الاستبدادية في مسعى لفرض أسلوب سلطة الأمر الواقع بعيدا عن المفردات و الخطابات السياسية المدنية المعاصرة، و في محاولتنا هاته لن نجد وسيلة أمضى نجاعة من استخدام متواليات الحدث الانقلابي اللائكي المصري لرصد مآزق العقل اللائكي إذ يمثل درسا بليغا للثرثارين السياسيين و المثقفين اللائكيين .

المأزق اللائكي الأول : حقوق الإنسان/زعموا

لا يكف العقل اللائكي من الدعاوى الخطابية حول احترام حقوق الإنسان و تكريمه باعتباره إنسانا، و لا تكاد تغطي نقاشاته غير الحديث عن تعداد الحقوق الإنسانية و ضرورة تحققها بصرف النظر عن الانتماء العرقي أو الديني أو اللغوي ،فحقوق الطفل و المرأة و الإنسان عموما تكتسي عندهم –نظريا- حُلة ساحرة تُزَخرَفُ لها و بها الكتب و المقالات السياسية و الفكرية و تتصدر واجهات نضالات اللائكيين في منتديات الجدل الفكري و المناظرات الإيديولوجية، كيف لا و قد صار الحديث عن حقوق الإنسان في هذا الزمن الصاخب بضاعة تجارية ارتزاقية و ماركة مسجلة تستدعي تزيين لغة الخطاب و تحسين اختيار مضامينه لتسويقه ! كيف لا و قد صار حقوق الإنسان مشروعا مربحا يجني وراءه اللائكي مكاسب مادية سيادية نفوذية أو مالية نقودية ! فلاعقو المناصب والواجهات الإعلامية في زمن البهرجة السياسية لا يخلُ لهم مكان خصوصا إذا كان هذا المكان موطنا لائكيا سلطويا بامتياز يُنتِجُ عبر آليات الدولة اللائكية القمعية العميقة نُخَبًا مخدرة من حُفّاظ المفردات المُستَورَدة و نُسخًا من تجار الأوهام و بائعي اللغة المُجمَّلة ، كما أن المشعوذين السياسيين الذين جعلوا مَهمتهم مناطحة الإسلاميين لن يبخلوا البتة في تحريك ملف "حقوق الإنسان" لاستدعاء و استعداء الدولة البوليسية راعية "الحقوق" لضرب التيار الإسلامي الصاعد، فهاته الطفيليات التي تتغذى من دماء الإنسان لتناضل عن حقه وهْماً لا تلبث أن تقدم للعالم حقيقة مواقفها النفاقية عندما تجد نفسها متحالفة مع مصاصي الحقوق و المتمثلة في الدولة الديكتاتورية التي تؤمن بحق العري و تشرد الإنسان و تكفر بحق السّتر و كرامة الإنسان، و لعل مجريات الفعل الثوري المصري و ما أفرزه من مشاهد بئيسة من الخزي في حق المتظاهرين السلميين يعطي لنا صورة واقعية مشهودة عن طبيعة السلطة اللائكية المستبدة الغشومة في قتل الشرف الآدمي و سحق حقوقه الاجتماعية و السياسية و الفكرية ، إذ تحولت الثورة المضادة متجسدة في الانقلاب اللائكي الدموي إلى مغولٍ مَهولٍ أجهزَ على كل الحقوق و حوَّل "الفاعلين السياسيين" إلى أدوات لاغتصاب حق التظاهر و قتل للحرائر و اعتقال للأطفال و قنص منظم للثوار و ملاحقات للقادة السياسيين و التمثيل بهم و عسكرة للجامعات العلمية و قطع لأوصال المدن و منع للاحتشاد في الساحات، بكلمة، صارت الدولة فوق المجتمع من جديد ، و مع ذلك نافحَ العبيد اللائكيون عن إجراءات القمع لإهدار الكرامة الإنسانية و منهم من زكوا سفك دماء الربعاويين و النهضويين و برروا للسلطة اللائكية العسكرية كل الأفعال الطاغوتية الإجرامية، و أقصى ما قام به البعض أن غادرَ المشهد هاربا بجلده من بطش حليفه دون أن تكون له القدرة على التكفير عن أخطائه القاتلة و مآزقه الفاحشة (البرادعي، حمزاوي، خالد داوود..) .

مأزق حق التظاهر :
شتان بين من يؤمن حقيقة بين هذا الحق و بين الدجال المستبد، فعندما كان الرئيس مرسي حاكما للبلاد- و لو بشكل جزئي- مارسَ هذا الحق بكل جدارة و فسحَ المجال لساحة التدافعات الحرة لتعبر عن نفسها دونما عنف، و كانت الساحات مرتعا لاستقبال المعارضين دونما حصار أو قمع رغم أساليب العنف و الإرهاب التي تصاحب عادة تصرفات القوى "المدنية" و رغم ظهور تيارات فاشية (بلاك بوك) تستعمل التحريب و التخريب كأدوات لممارسة الضغط، و واصلت "المليونيات" تحركاتها فلم تنصب الدولة مشانقًا عبر زرع قناصات عبر السطوح أو عبر اقتحامات دموية و إنما دعت في أكثر من مناسبة إلى احترام حق التظاهر السلمي و التعبير عن الرأي رغم التحريض المسعور من اللائكيين الإعلاميين و السياسيين المُرتزقين على اقتحام المؤسسات السيادية و استعمال كل الطرق العنيفة لتحقيق مطلب المعارضة الكشكولية، ظل العقل الإسلامي محترما لكل أشكال حق التظاهر و تجنبت القوى الإسلامية النزول للمظاهرات رغم الاستفزازات و الاعتداءات و عبَّرت الرئاسة عن وفائها لمبدأ احترام المعارضة في حق التظاهر المشروع فقدمت الدليل على قدرتها لاستيعاب الجميع بالطرق السلمية و الحوارات العقلانية حتى صارت أسلوبها السياسي تتسم بالمبالغة في التعامل مع المخربين عند بعض الإسلاميين .

في مقابل ذلك نحت المؤسسة اللائكية العسكرية منحى خطيرا فبدأت انقلابها على كل الحقوق فكممت الأفواهَ مبكرا و رحّلت المعارضة إلى السجون الانفرادية و قامت باستعمال القتل البشع للمتظاهرين في الاعتصامين الشهيرين عبر الحرق و إخفاء معالم الجريمة و قامت بعسكرة الميادين بقوة الجيوش و خنافسة الأمن المركزي و أطلقت الذخائر الحية بشكل مباشر على المعارضين في المساجد و الشوارع و منعت كل حركة و إشارة و زُجَّ بالأطفال إلى المخافر و أعادت جهاز الشرطة البوليسية للجامعات و كل شيء فعلوه . صارَ الوضع الآن واضحا و بدأ الجميع يتحدث عن النخبة اللائكية الليبرالية الخائنة لمبادئها دون أن يدركوا أصول الاغتراب الثقافي الذي يحرك الأطماع و يبرر المجازر الآدمية بلا هوادة ، و لا يمكن بأي حال من الأحوال فهم خلفيات هذا الهَوس اللائكي تجاه قمع المعارضة الإسلامية و حرمانها من حق التظاهر السلمي إلا باستحضار بُعدين:

الأول مرتبط بمحدودية القاعدة الشعبية للقوى اللائكية الانقلابية إذ لو أمكن لها فسح المجال للمعارضة للنزول للميادين لكان ذلك تعبيرا واضحا عن انكشاف أقلية أطراف القوى المسماة زورا بالمدنية و لأصبحَ الانقلاب العسكري مفضوحا أمام الحشود الغفيرة التي ستملأ الميادين بالملايين ، الشيء الذي يجعل العسكر و حذاءه اللائكي حريصا على منع المتظاهرين للوصول إلى ساحة التحرير و رابعة العدوية . و مع ذلك ينبهر كل يوم هذا العقل بحجم الحشود في المسيرات اليومية و يضطر معها باستخدام أساليب الاستخفاف و الدجل الإعلامي المفضوح من طرف الإعلام الحر ( شبكة رصد، الجزيرة، الحوار...)

الثاني مرتبط بطبيعة العقلية اللائكية نفسها التي شبّت على مخاصمة الإسلام (و ليس الإسلاميين) و ناصبت لأهلها العداء بكل الشناعات، فهاته العقلية العروبية صارت عندها منطق التناد الحاد هدفا أساسيا في معركتها المركزية مع الإسلاميين إذ هي دائما على استعداد تام لتبرير كل الممارسات و الأشكال التعسفية في حق الخصوم ما دام شعارها الميكيافلي يسمح لها بذلك ، و هذا ما يفسر قلة الكوادر اللائكية التي نددت بالانقلاب الدموي و رفضت الظلم في حق المعارضة و التحجيم على حرياتهم السياسية و الاجتماعية.

إن القاعدة المحورية التي تتحكم في العديد من تلك القوى للأسف تتمثل أساسا في احتكار حق التظاهر عندما يكون ذلك في صالح الايدولوجيا و تجريمه و عسكرته عندما يصبح في يد الآخرين و كأن النزعة الانتهازية و المصلحية المقيتة لا زالت تقود هذا الفكر المريض و تحدد صفته الحقيقية في التعامل مع المخالفين. و تتكرر الصور و المشاهد في هذا الشأن حيث لاحظنا النظام اللائكي التونسي المتشدد في عقد بورقيبة و بن علي يمارس أشد الأنواع همجية في التعامل مع المتظاهرين المعارضين و عندما حكمت الصناديق بصعود النهضة بأغلبية لم تتحرك لقمع المعارضة و لا لملاحقة كوادرها بل كان لهم من الحرية في التظاهر ما صار بارزا لكل ذي عينين رغم فساد الأطروحات الداعية لحل الحكومة و المجلس التأسيسي و غلبة الأسلوب الاستعجالي المدفوع بأموال البترودولار و عقلية التناد مع القوى الإسلامية ..

مأزق حق المرأة :
من السهل جدا التسويق لحقوق المرأة و الحديث عن معاناتها في المجتمع، لكن من الصعب أن يقبل اللائكي حقوق المرأة عندما يتعلق الأمر بالمرأة الإسلامية الملتزمة، فبحكم تكوينه الاغترابي المفصول عن أصوله يرسل الكلام عن حقوق المرأة و في مخياله صورة المرأة المتحررة من وصايا الدين و من كل مروءة أخلاقية إذ تشدّ عقله شدا و تجعل صورة المرأة المحتجبة العفيفة في مخياله كابوسا لا يوحي إلا بالرعب و التخلف ، و هكذا فعندما تناضل المرأة الملتزمة بقيم دينها فتمارس حق الدفع والإنكار لاسترجاع صوتها المسلوب بالمدفع و الدبابة أو لاختيار من تراه جديرا بالحكم تصبح هنا قيمة عددية تفضي إلى ديمقراطية "عددية" صورية لا تمت بصلة بروح الفلسفة الديمقراطية و ثقافتها المدنية عند "العقلانيين"، أما عندما تنتخب المرأة المنحلة من تراه حاكما أو نائبا برلمانيا تتحول هنا العملية إلى قيمة "تنويرية" جديرة بالاحترام وجبَ الخضوع لنتائجها إلزاما . و عندما تُهان امرأة غير ملتزمة على يد قوات الأمن مثلا كما فُعِلَ بإحداهن إبان حكم الرئيس مرسي بتجريدها من ثيابها قامت كل القوى "المدنية" تستنفر النكير حول حقوق المرأة تُطالب الاقتصاص من سوء التصرف ( و هو أمر مطلوب بلا شك )الذي لحق كرامة المرأة جراء الإهانة وإهدار الشرف الآدمي ، لكن عندما تُقتل النساء المنقبات في المنصورة على يد بلطجي شهير و تُعتقلُ المتظاهرات المنددة بالانقلاب الهمجي يبتلع العقل اللائكي ريقه سريعا و يبدأ في سرد محفوظات تحميل المسؤولية لهذا التنظيم أو ذاك ، حقوق المرأة هنا مشروعة و هناك مرفوضة !

إن كثرة التغريدات حول حقوق المرأة لا يقوم دليلا على التزام أصحابها لها لأن النفاق كما يكون في ازدواجية الموقف حول حق التظاهر يكون أيضا حول حقوق الإنسان عموما، و الوقائع على الأرض هي التي تحدد الفئة الصادقة في طرحها المبدئي من الفئة الباغية المنتهزة و المستغلة لكرامة المرأة و أنوثتها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.