إن فكرة تزويد أسد في حديقة الحيوان بميزانية لحوم مهولة،على الرغم من أنه لا يقدم أية خدمة باستثناء تقديم الفرجة للزوار تبدو منطقية. لأنه يبقى في الأخير أن هناك سياق استحقاقي لما يقام بصرفه عليه.و فكرةإطعام حمار طوال الشتاء مع وجود الثلوج، حتى ولو كان هذا الحمار خارج إطاره الوظيفي،بحيث أنه لا يشتغل بل يكتفي باستهلاك البرسيم والعلف، تبدو فكرة مقبولة في البادية. لأن المراهنة على دوره يؤجل إلى الربيع والصيف مثلا.لكن الإنسان لن تقدم له لقمة واحدة دون أن يستحقها ويبرهن عن جدارة أخذها،فيبرهن على ديمومة اشتغاله ليبقى على قيد الحياة والقيام بواجباته ليعيش بكرامة غير مهان.وحينما تتدخل حالة الإشفاق عليه بالصدقة والتعويض على بطالته،فإن ذلك يبقى مجرد حل مؤقت لإنقاذه من الحرج،للنهوض من كبوته للاشتغال من جديد وليس لتعليمه كيفية التسول والعيش على حساب مجهود الآخرين.والقطع مع كل أساليب الاتكالية والتقاعس السلبي .وبالتالي ليس هناك ما سيزين موقف متخاذل يظن فيها لإنسان أنه فوق القانون و يمكن له أخذ شيء من الممتلكات العامة ولا يستحقه البتة.لأنه بذلك الموقف الأناني يناقض ناموس سياق الروح الاجتماعية للذات السوية المتوازنة والشخصية السليمة. إن هذه الروح الاجتماعية هي التي تتقن عملية تنشئة الفرد وصياغة مساره المتناغم مع المجتمع وتتحكم في مجموعة من اليقينيات المكتسبة التي تمنح الحق أحيانا لبوس الباطل فيصبح ذلك الحق ،في نظر الدماغ المغسول في تلك التنشئة الفاسدة مجرد هراء تافه. بينما يتم إلباس الباطل التافه رداء الحق بدهاء تغليطي وترسانة إعلامية ماكرة،فيصبح ذلك الباطل بطلا تاريخيا للصواب فيصفق عليه المخدوعون الأغبياء. إن المهرولين من عشاق الهمزة السهلة الجاهزة بالمجان ومدمني الريع الحزبي غالبا، انطلاقا من مرجعيتهم التربوية الفاسدة التي تلقوها في مرجعيتهم المرجعية والتي صاغت لهم نسقا من التمثلات المغلوطة على طبق من ذهب ليصبحوا من المحظوظين المدللين معتقدين أنهم ولدوا و في أفواههم ملاعق من ذهب قرب خم الدجاج الذي يبيض بيض الامتيازات الذهبية. وبالتالي فإنهم يتخيلون أن العالم قد خلق لأجل تحقيق كل أمنياتهم و بان لهم حق المساواة مع أنفسهم آكثر من غيرهم . بالتالي فإن لهم حق أخذ حقوق الناس بدون استحقاق و لا وجه حق. لإنهم أصحاب الحق الأقحاح الممتلكين لخيرات الجميع بالقانون الذي تم تفصيله على مقاس أحلامهم الجشعة. و في مقام تحدثنا عن فئة مجتمعية شاذة في طريقة تفكيرها وأسلوب تعاملها مع الآخرين و نوعية سلوكاتها الاستثنائية، يستحسن الإشارة إلى ان الباحث هايمان hyman هو الذي نحت مفهوم الجماعة المرجعية" reference - group" " من داخل سياق سيكولوجيا"المكانة الاجتماعية "-" social- status psychology " وكأننا- في مثل هكذا مقاربة- بصدد التعامل مع الحوت الكبير الذي يستقطب الحيتان الصغيرة ليلتهمها. فيختزل وجود مفهوم اسمه"الحوت"ويكون هو قائد الجماعة المرجعية/أو مصاص الدماء الكبير الذي يريد تحويل كل الكائنات إلى نسخة طبق الأصل منه. ما يقال عادة أن الإنسان "ابن بيئته" ولا يمكن أبدا أن يخرج عن القاعدة العامة لهذه البيئة إلا في الحالات الاستثنائية التمردية النادرة.أي أن الفرد ينسجم مع سياق تنشئته الاجتماعية ولا يمكن له من الانحراف عن خطها العام. و إلا فإنه إذا حدث وانحرف عن الخط ،فإنه سيعتبر بذلك إما أحمقا لا يعي ما يفعله أو عبقريا تحررت إرادته و نضج وعيه. فاستطاع التخلص من التبعية للجماعة المرجعية واتخذ قرار الاستقلال عنها بشكل حاسم. و الأمثلة في الواقع والتاريخ كثيرة يضيق المجال لذكرها.في كتاب:"سوسيولوجيا المدرسة " لمؤلفه "عبد الكريم غريب"-منشورات عالم التربية- الطبعة الأولى-1430-2009 ص:173 قرأت ما يلي:( ....في سياق حديثنا عن مسألة تحقيق المطالب،عادة ما يصنف الباحثون في علم النفس الاجتماعي الآباء من زاوية التحقيق المتبادل للمطالب مع أبنائهم ،إلى اربع فئات سنعرضها كما يلي: آباء يذعنون لمطالب أبنائهم، من دون أن يفرضوا عليهم مطالبهم بالمقابل. وهو سلوك غالبا ما ينجم عنه شدة التعلق ونزوع نحو الأنانية والجشع وحب النفس واحتكار الفردي لكل شيء آباء يمتثلون لمطالب أبنائهم ،و يفرضون عليهم مطالبهم. وهو سلوك يؤدي في أغلب الأحيان إلى تربية اجتماعية سوية تنبني على احترام مبدأ المطالبة بالحقوق مقابل القيام بالواجبات آباء لا يحققون مطالب الأبناء ، ولا يفرضون عليهم مطالبهم بالمقابل ،وهو السلوك الذي غالبا ما يخلق علاقات تتسم ببرود في الشعور واللامبالاة آباء لا يحققون مطالب أبنائهم لكنهم يفرضون عليهم مطالبهم ،وهذا السلوك ينتج لنا الخنوع ................) لو علقنا على هذا التصنيف، سنجد أن سبب مرض عشاق الهمزة ومدمني الريع الحزبي هو انهم مدللون انانيون أكثر من اللازم. وبالتالي فحسب التصنيف الأول،يظنون أن العالم كله بقضه وقضيضه قد خلق لأجل خدمتهم و تحقيق مطالبهم دونما مطالبتهم بأي شيء بالمقابل. وهي بالمناسبة التربية السيئة التي خربت وتخرب العالم. مثلما يفعل الأسد بسوريا: عناد طفولي سكن في جثة أحمق يدمر منزله بيده. لا بد و أن دلاله الأناني هو الذي دفعه ليعتقد أن سوريا كانت مجرد مزرعة ورثها عن أبيه.أما مواطنوها فهم مجرد مشاتل للتجريب والاستغلال وبهائم للاستحمار. إن هذا النموذج البشري عانى الدلال في طفولته و فسدت تربيته فأصبح يكره روح التضامن الجماعي وتكرست في داخله ميولات الجشع والاحتكار والاستبداد وحب النفس. وعندما كبر وتقلد المسؤولية،أصبح لعنة على البشرية جمعاء. بينما الصنف الثاني وهو ثمرة تربية سوية سليمة أساسها التوازن بين مطالب الطرفين و احترام قيم العدل والمساواة بين قيم الأخذ والعطاء في انتزاع الحقوق و القيام بالواجبات كجوهر قيمي أصيل تدعو له كل الشرائع السماوية. أما الصنف الثالث فإنه ينتج لنا ذلك الصنف العدمي السلبي اليائس الذي يعتقد انه كل شيء وهو لا شيء/ سبهلل لا دنيا له و لا آخرة كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه. لانه كائن عالة على المجتمع .لا يلعب فيه أي دور باستثناء الاستهلاك والنميمة. حياته كموته. ليس له صدى في المجتمع. اما الصنف الأخير من التربية الفاسدة فإنه ينتج لنا النماذج البشرية المستسلمة المنهزمة فطريا من الداخل(العبيد) الذين فقدوا مقومات وجودهم لأنهم مسلوبي الارادة الحرة. وفقدوا أيضا ملامح شخصيتهم الانسانية السليمة في التصرف بطبيعة حرة تتخذ قرارها وتحسم مصيرها. وسوف لن تتم معالجة اللعنة المشؤومة للهرولة العشوائية لهؤلاء الجشعين الأنانيين إلا بالقضاء على الأساس الذي تشكلت وفقه عقدتهم حينما تلقوا تربية مدللة فاسدة في الصبا أو عاشوا حرمانا عاطفيا .و حدوث عكس ذلك لهم كان سيساهم على الأقل في تنمية روحهم الجماعية التضامنية مع الآخرين .والعلاج الناجع لهم هو التطوير الفكري وتنمية ذواتهم . إذا أرادوا فعلا أن يتخلصوا من شرنقة لعنتهم التي حولت عالمهم إلى جحيم دون أن يدروا. إن التنشئة الاجتماعية الحقيقية عملية تتضافر فيها عدة عوامل تؤدي إلى تنمية الروح الاجتماعية لاكساب الفرد القدرة على التوافق المجتمعي في إطار المصلحة العامة التي تخدم المصلحة الشخصية بشكل آلي وبطريقة مشروعة. إن التنشئة تزود ه أيضا بعناصر الاندماج في قيم محيطه لبناء شخصية سوية بشكل واع مقصود أو تلقائي لاواعي. إن كل الوسائل المتاحة للتنشئة من أسرة و روض و مدرسة ونوادي و إعلام تتفق في الغاية الكبرى لتوجيه وضبط عملية التربية لأجل الإصلاح وليس للإفساد/ لصقل الفطرة البشرية كي تخرج عن طابعها الحيواني الخام نحو التخلق الحضاري وليس لتلويثها في روث البهائم. مع تأصيل ثوابت الهوية بشكل مسؤول و ترسيخ الموروث الصافي من كل الشوائب المشبوهة. والتأسيس لمناعة وجدانية تستطيع التفاعل الايجابي مع العناصر الوافدة الجديدة و مقاومة الذوبان فيها بشكل غبي. وإذا حدث خلل في عملية انسجام الفرد مع المصلحة العام للمجتمع وقيمه. فأصبح حالة شاذة استثنائية جدا تزعج التناغم العام،فإن الطرد يصبح إلى حدما الحل الناجع لجعل الحركة تسير وفق البرنامج المراد له التحقق. أو فصل هذا العنصر الغريب الذي تعرض لعدوى الاغتراب والاستلاب لأنه انحرف عن الأصل وعق الهوية والذاكرة الجماعيتين. وشرعت البوادر المرضية لهجومه العدواني بالظهور حينما أخذ يهاجم رموز الأغلبية المحترمة.وتصرف بوقاحة السلوك السلبي المناوئ للمصلحة العامة.وبالتالي فإن بصمة الفطرة البشرية قدانكمشت لدية وتقلصت درجة النمو الاجتماعي ليصبح متخلفا عن قاطرة الاندماج الفعلي مع السلوك السليم التي تساعده للتعامل بإيجابية مع بني جنسه وفي إطار علاقات اجتماعية سوية منبنية على قيم العدل والصلاح والاستحقاق والتعاون والمنافسة الشريفة هدفها الأساسي تحقيق مشروع مجتمعي صالح يناصر أبناؤه الحق بتجلياته ويقف في وجه الظلم.وعودا على بدء،تعتبر الأسرة بالنسبة للطفل جماعته المرجعية الأولى. ولربما أن المرجعية التي تلعب دورا أساسيا في تشكيل شخصية الفرد بالإضافة إلى الأسرة هم أصدقاء المراهقة الذين يبصمون تنشئة الفرد بشتى أنواع البصمات التي ستحدد نوعية الشخصية الصاعدة و التي ستفاجئنا بالملامح الأكيدة لمستقبله والخطوط العريضة لمصير قدره. وكما يقول المثل الأمازيغي الريفي قديما: (إيزمار نغاي°كن إيكاري إيتبان زيضمزي// الخروف الذي سينتج لنا كبشا تبدو ملامح فحولته منذ الصبا). أو كما يقول المثل السائر: (قل لي من تعاشر أقول لك من أنت) بعبارة أخرى . قل لي من تصادق وسأخبرك عن هويتك وما ستكون عليه في المستقبل. ولهذا تتحدد نوعية البشر وقدره من خلال جيناته التي ورثها وفصيلة دمه.بالمناسبة هناك دراسات طبية تؤكد أن فصيلة 0 نوع مثالي و جيد في تشكيل شخصية الفرد كون هذا النوع يعطي و لايأخذ مثل أصحابه الذين يتأثرون بمنهاج فصيلتهم الدموية التي تعطي دون أن تأخذ أي أنها صبورة وتتقن معنى التضحية لأجل الآخر. وهناك من فصائل الدم من تأخذ وتعطي :أصحابها أسوياء لا بأس بهم. مسألة طبيعية ومتوازنة في نفسية الإنسان الأخذ مقابل العطاء. أما أصحاب فصيلة الدم التي تأخذ دون أن تعطي فعلينا الحذر منهم إن لم يتربوا تربية حسنة لأننا بصدد التعامل مع ماكينات منحرفة الفطرة حبلى بشتى عناصر الجشع الأناني و المكر والخداع و الاستغلال والتقاط الهمزات واغتنام الفرص لاحتكار كل مظاهر الريع والفساد. بالإضافة إلى نوعية تربيته الأسرية و المدرسية والتربية التي تلقاها في حيه والمدينة أو البادية التي يقطنها.إذن فهناك عوامل ذاتية داخلية وعوامل موضوعية خارجية كلها تتضافر تحت راية التنشئة الاجتماعية ونوعية النموذج البشري الذي: إما سيحمل هم المشروع الاصلاحي والوقوف إلى جانب الحق و إما ذلك النموذج المهرول وراء ثقافة الهمزة الارتزاقية وإدمان غنائم الريع الحزبي الفاسد.وعلى أساس هذين النموذجين البشريين يقوم الصراع الملحمي بين الحق والباطل/ الإصلاح أو الفساد. إن الإنخراط في صراعات مرحلة المراهقة لتحديد مسار الخيار المناسب للفرد يلعب دورا مهما في تشكيل شخصيته,قد تكون هذه المرحلة حاسمة عند البعض فتراهم يكبرون ويشيخون ومازالوا متمسكين بما كانوا عليه في المراهقة فيبقون دائما مراهقين حتى ولو شاخوا. أما إذا كانت لدى البعض مجرد مرحلة تجريبية تتخللها مراجعات ذاتية ونقد، فلابد لهم من المرور إلى مرحلة النضج سريعا. فيصبح بذلك انتمائهم لجماعة معينة ليس عن عاطفة فقط بل عن قناعة منطقية خاضعة للعقل والبرهان. إذن فإن تناغم الذوق الفطري مع الاختيارات المبدئية والقناعات الفكرية ، لا يصير أمرا قارا مستقرا إلا بعد رسو سفينة المراهقة على شاطئ الرشد والنضج الفكري والتخلص من كل التناقضات النفسية التافهة والصراعات العقلية الهامشية وتصفية الحسابات الشخصية. لتتضح شاشة الرؤية أمام الغاية الكبرى من هذا الوجود: المساهمة الفردية مع الجماعة لإصلاح العالم وتكريس مبدأ الحق داخله مع محاربة الفساد في شخص زبانية الباطل والظلم. من هذا المنطلق تبقى درجة الانتماء راجعة لنوعية التنشئة التي نتلقاها منذ نعومة أظفارنا ورهينة لمؤشر الذوق العام للإختيار الذي قد يكون منصبا على ما هو وجداني فكري قح أو ماهو مادي مصلحي صرف. كل حسب نوعية التربية التي تلقاها في صغره. علما أن الأسرة لها تأثير كبير جدا كجماع مرجعية أولية preliminary-reference group .لكن تأثيرها يتقلص لاحقا بسبب اندماج الولد في جماعات مرجعية أخرى مثل جماعة الأقران peers أو جماعة المدرسة classmates أو جماعة النشاط الرياضي / الجمعوي / الحزبي والتي يتأثر بحركيتها في صياغة مواقفه الخاصة و إضفاء طابع متميز على سلوكه الاجتماعي المتجاوز لمرحلة الحياء والذي لا يخجل من إتيانه حتى ولو كان مقززا مستفزا لكل عقل ومنطق.ولا يهمه إن سميته بالسمسار ،المرتزق، العميل ،الخائن، المهرول، عاشق الهمزة،مدمن الريع، كائن فاسد مادام أنه يستمتع بانتماءه هذا ويجلب غنائما مادية علاوة عليه. وقد يؤدي به انخراطه في هكذا جماعة مرجعية بالذوبان كعنصر مشارك مساهم أو كعضو عامل فاعل حيث تنسجم روحه مع أرواح أعضائها بكل تلقائية و أريحية. إن درجة الديناميكية داخل الجماعة هي التي تؤدي ببلوغ الريادة والزعامة داخل المنظمات الجماعية الديموقراطية النزيهة بينما يظل مستوى الارتقاء الاجتماعي وكمية الثروة هو المحدد الرئيسي للجماعات التي يكثر فيها المنحرفون أصحاب فصيلة الدم التي تأخذ وتحتكر دونما ان تعطي فيغلب عليها طابع المصلحة الشخصية و التهافت على فتات الريع والتعامل الفاسد مع شتى القضايا المجتمعية. كلما كان أفراد جماعة مرجعية متقاربين في الأذواق والهوايات والميولات، كلما انزاح كابوس التوتر والقلق في تشكيل جماعة مرجعية منسجمة كنقطة انطلاق لترجمة مجموعة من السلوكات السلبية أو الإيجابية، فترتفع درجة الارتباط والتعلق حد العمى. كل ما يصدر عن أفراد الجماعة من سلوكات حتى ولو كانت عدوانية سلبية مضرة بالمجتمع، فإن المنتمي المصاب بعمى الألوان الانتمائية يعتبره إيجابيا صائبا و كائنا في لب الحقيقة. ولهذا لا نتعجب إذا وجدنا تصفيقا و إستحسانا للمثيقفين على زعيم لهم يعرفون أصوله الصعلوكية ولا يساوي في نظر المنطق الرياضي حتى صفة القيمة المجهولة. إن قبولهم لهكذا موقف حرج ناتج أصلا لاستعدادهم الداخلي لتقبل الفضائح واللامعنى اللامعقول في دائرة العبث التي يحاولون إقناع الآخرين أنها قواعد لعبة لا بد منها للجلوس على كرسي الانتصار حتى ولو كان ذلك على جماجم الأبرياء.إن التعلق النفسي الأعمى بالباطل شيء خطير يغسل الأدمغة من كل مفاهيم أخلاقية تعارفنا عليها من خلال التجربة الحياتية أو من خلال القواميس الموجودة في عالم المعنى. هؤلاء المهرولين داخل جماعتهم المرجعية فتحوا هوائياتهم ليستقبلوا برمجة مفاهيمية عجيبة تتعارض كليا مع المبادئ الكونية للحق والخير التي يتعلمها الناس فطريا أو عبر الاعلام والمدرسة والأسرة والدين وبالتالي أصبحوا ضحية المغالطات حينما ارتموا في أحضان الإدمان على الريع الحزبي والتي يعود أصلها إلى ثقافة المراهقين التي ينظر إليها الراشدون على أنها لا تمت بصلة لقيم الواجب والعمل والانتاج والاستحقاق العادل , و إنما ترتبط أساسا بالمتعة والاستهلاك والذي يراه الكبار الناضجون ،يتهددان القيم التي يؤمنون بها ويتشبثون بالحفاظ عليها.وفي إطار إعادة صياغة الوعي السياسي لابد من المرور بعملية تربوية تعمل على تنقيح شوائب الوقاحة السادرة في ضلال الريع الذي يريد من وراءه أصحابه احتكار كل شيء والدفع بالأخرين نحو جحيم الحرمان للاستفراد بالمتعة والسعادة لوحدهم. وهدف هذه العملية هو إعادة المياه المبعثرة في خلاء اللاجدوى إلى ينبوع الشخصية البشرية الأصيلة. ومن ثم إعادة المعنى للدور الجوهري الطلائعي الذي تلعبه الجماعة المرجعية المستقيمة لإعادة فطرة الناس المدمنين للباطل كي يعودوا إلى رشدهم في التشبث بالحق و الرجوع إلى الينبوع الاجتماعي الأصيل resocialisation تجنبا للسقوط في الزيغ والأنانية إن لم يكن بطريقة تحسيسية عفوية،قد يكون ذلك بواسطة العلاج النفسي psychotherapy وذلك لوضع الأصبع على الداء والتخلص من الخلل الوظيفي الذي انبثق داخلهم فجأة كعائق ذاتي/موضوعي يحول دون ممارسة المهارات الاجتماعية السوية التي يجب أن تكون في إطار الرغبة في الاصلاح والتصحيح لتشكيل مشروع مجتمعي مثالي وفي مستوى مواجهة التحديات العالمية. وإلا فإن الانحراف عن الصواب هو المصير. إن إعادة التربية للكبار داخل بعض الجماعات المرجعية الزائغة عن الحق تعتمد على التواصل التعبوي وتغيير نوعية الجماعة المرجعية، ليبقى الفرد المريض بهرولة عشق الهمزة وإدمان الريع في حالة نقاهة بعيدا عن أجواء التلوث وعدوى المكر التي دوخت البوصلة الأخلاقية ومسخت ملامح القيم الطبيعية ومعايير الفضيلة و أنماط السلوك الاجتماعي القويم. إن المدمن على الريع الحزبي وعشق ثقافة الهمزة رغم غناه الفاحش بطرق غير شرعية إلا أنه يبقى مسكينا وضحية و لا بد و أنه قد مر بظروف عصيبة وغير طبيعية عايشها في طفولته الشقية المعنفة، داخل أسرته وخارجها.فأصبح الآن يعاني تبعات تلك الحالة الحرمانية السلبية وتسببت له في عدة عقد نقص. عليه الآن القيام بتعويضها بكل مظاهر الفخفخة والتضخيم وتدمير سعادة الآخرين وتلويث مفهوم النقاء الأخلاقي وإفقاد المجتمع توازنه السليم كي يستفيد هو من هذا اللاتوازن والتلوث المتعمدزمع النفخ في الذات لتصبح بالونا ليس كالبالونات وذلك عبراستعراض العضلات الكلامية و ملأ كل فجوات الهمزات المتاحة و تتبع عورات الريع لسترها عبر صفقات تتحالف مع الشيطان لتحقيق المستحيل على حساب معاناة المحرومين الذين يعكسون حالته التي عقدته و يرى فيهم صورة ماضيه التعيس. والذي يجب القضاء عليه من خلالهم وعبر إبادتهم و إبادة كل أحلامهم وتسفيه كل مشاريعهم المستقبلية في إعادة توزيع الثروة وترسيخ العدالة وسيادة القانون والحق. ويبقى الأحرار الأسوياء هم المواطنون الأصلاء الذين يصنعون المجد بينما يظل المصرون على الهرولة وراء عشق ثقافة الهمزة ومدمني الريع بشتى أنواعه هم الذين سيتخبطون في فيافي مزبلة التاريخ والتي سيبصق الناس عليهم بسبب قلة ذوقهم وقلة تربيتهم وعدم وعيهم بخطورة السير في هكذا طريق شيطاني يعاند إرادة الله في الاصلاح.