في هذا العمود الأول من عمر هذه التجربة الإعلامية الجديدة، اخترنا أن لا نكتفي بالهمس في أذن مسؤول واحد، وارتأينا أن تصل ذات الهمسة إلى آذان عديدة، منها آذان المنتخبين وبالأخص رئيسهم، المفروض فيهم الدفاع عن مصالح الساكنة، ومنها آذان رؤساء عدد من المصالح الخارجية، وكذا آذان عدد من مسؤولي السلطات العمومية، هذا إن كانت آذانهم صاغية، وغير ثقيلة السمع أو صماء. مناسبة القول، أن أمير قطر الجديد الشيخ تميم بن حمد، اقتنى، مؤخرا، قصر وزير الدفاع السعودي الراحل، الأمير سلطان بن عبد العزيز، بمبلغ يصل إلى عشرات الملايير من السنتيمات، (مصادر تتحدث عن مبلغ يفوق 100 مليار سنتيم). العملية برمتها تمت تحت إشراق موثق مغربي معروف (بن…)، وعملية تسجيل عقد البيع تمت أيضا داخل مصالح إدارة التسجيل والتمبر التابعة لمديرية الضرائب المغربية.. إلى هنا تبدو الأمور عادية وسليمة. لكن، عندما تسأل القائمين على تسيير هذه المرافق داخل الدولة عما ربحته خزينة المملكة من هذه العملية التجارية العقارية، يصبح الأمر كأنه سر من أسرار الدولة. مع العلم، أن القانون حدد النسبة الواجب أداؤها في كل عملية عقارية. وتتفاوت هذه النسبة حسب نوعية كل عقار وطبيعة المجال، حضري أم قروي. وهذا يطرح أكثر من علامة استفهام. هل تم اعفاء الجهات المعنية من أداء الرسوم الضريبية؟ ومن له الحق في إصدار هذا الإعفاء الضريبي، إن وقع فعلا إعفاء؟ على أي، في حالتنا هذه، الكل يعلم أن عملية البيع لتصبح قانونية، تستلزم عدة مساطر إدارية وعدد من الرسوم الضريبية، وهي ليست ما تعدمه الإدارة المغربية. أول هذه الرسوم، أتعاب الموثق، التي جرى العرف على اعتبارها 1% من قيمة البيع، وهو ما يعني مليار سنتيم (اللهم لا حسد) وهي أتعاب أيضا، ملزم صاحبها، بأداء ضرائب عنها، في مقدمتها ضريبة الدخل، أي حوالي 300 مليون سنتيم. بعد ذلك تأتي رسوم التسجيل، والتي تصل إلى 3% من قيمة العقار، أي حوالي 3 مليار سنتيم (الخير والبركة). فهل استخلصت إدارة التسجيل هذا المبلغ من أمير قطر، أم أن هناك “تخريجة” معينة لإعفائه؟ (القانون المغربي تحدث عن نسب التسجيل بالنسبة للشقق والمنازل والأراضي العارية والمحلات التجارية، ونسي القصور، اللهم إلا إذا كان القصر يدخل في خانة المنازل، وهذه صعب فهمها لدى المواطن البسيط). هذه الرسوم تليها رسوم محلية مرتبطة بتدبير وتسيير القصر. في مقدمها ضريبة السكن وتصل إلى 30 بالمائة في حالتنا هذه، أي (زبالة د لفلوس سنويا). ثم ضريبة الخدمات الجماعية (ضريبة النظافة سابقا) التي حددها القانون في 10 بالمائة، أي (عرام آخر من الفلوس). وهنا يجب على المشرع أن يدرج بعض الاستثناءات في القانون. إذ أن نسبة 10 بالمائة يدفعها الكادحون دون أن يستفيدوا من هذه الخدمات الجماعية، باستثناء بعض الحالات القليلة جدا. في حين هناك فئة تستفيد منها بالشكل الأمثل. لذا يجب اعتماد طريقة أخرى في احتسابها، تكون مبنية على التنقيط (مثلا، 0 بالمائة بالنسبة للمحرومين منها، و2 بالمائة للذين تزورهم شاحنات البلدية بين الفينة والأخرى، و5 بالمائة للمستفيدين من الزيارات اليومية للشاحنات، خاصة عندما تخلف هذه الأخيرة وراءها أكواما من الأزبال، و10 بالمائة للأحياء الراقية، و20 بالمائة أو أكثر لذوي المعاملة الخاصة. لكن، دعونا نرجع إلى قصر أمير قطر. فمصادر من داخل الجماعة الحضرية لأكادير، التي يقع القصر تحت دائرة نفوذها، تؤكد أنه ليس في علم أي أحد في الجماعة إن كانت هذه الرسوم تستخلص من مالكه السابق الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز. أي أن ملايير من السنتيمات ضاعت على مالية وصندوق الجماعة. فهل ستسير الأمور على نفس المنوال مع أمير قطر أم أن الأمور ستتغير مع المالك الجديد؟ وهل ستطالب البلدية بحقها المعلوم من ضرائب على هذا القصر؟ أسئلة تنتظر أن يجيب عنها الملقب من طرف الصحافة ب “أسد سوس”. وللاستئناس فقط، نورد مثال قصر “لندن هاوس”، الذي عرضه أمير قطر الجديد للبيع بمبلغ يصل إلى 200 مليار سنتيم، بسبب تكاليف تسيره المرتفعة. لنلق نظرة على ما يدفعه صندوق السيادة القطري من رسوم لبلدية لندن. 26 مليون سنتيم شهريا كضريبة للسكن.. و65 مليون سنتيم شهريا مقابل فواتير الماء والكهرباء.. في حين تصل أجور الموظفين والمكلفين بالحراسة إلى أزيد من 91 مليون سنتيم شهريا. وبعملية حسابية بسيطة نجد أن التكلفة السنوية لقصر لندن هي 2 مليار و184 مليون سنتيم فقط. وهنا يطرح تساؤل كبير حول السر في رغبة الأمير القطري في اقتناء قصر الأمير السعودي الراحل بأكادير، وهل هذه التكاليف منخفظة بالمقارنة مع مثيلاتها في لندن، أم أن هناك استثناءات تحرم صندوق الجماعة الحضرية لأكادير من مداخيل مالية مهمة. لا أجد ما أختم به سوى بالقولة التي يرددها على مسامعي صديق عزيز علي “فالمغرب، فهم تسطا” وإلى اللقاء في همسة أخرى. ينشر بالإتفاق مع اكادير اكسبريس