الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وبعد: روي في كتب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم بينما كان يعظ أصحابه كعادته في جلائل الأعمال التي تدخل الجنة وتباعد عن النار ..اخذ بلسانه قائلا :كف عنك هذا، حينئذ انبرى الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه في ذهول فقال :(وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟فقال ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم او قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم.). رواه الترمذي. لا يجادل عاقل في أن اللسان هو اشد الجوارح خطرا على صاحبه وأكثره جلبا للآثام والسيئات،وما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من اللسان ، وأن أسهل فعل يمكن أن يقوم به الإنسان هو الكلام الذي لا يتصور عاقبته، وفي الحديث :(ان العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها في النار سبعين خريفا) رواه الترمذي .والمقصود بالحصائد المذكورة في الحديث، العقوبات المترتبة عن الكلام المحرم الصادر عن اللسان. قال ابن رجب الحنبلي في شرح الحديث(:فان الإنسان يزرع بقوله وعمله السيئات والحسنات ثم يحصد يوم القيامة ما زرع،فمن زرع خيرا من قول أو عمل حصد الكرامة ، ومن زرع شرا من قول أو عمل حصد غدا الندامة.) جامع العلوم والحكم ص:283. ومعصية النطق تشمل ألوانا من الأعمال القولية التي ترتكب باللسان منها :الغيبة والنميمة والكذب و والكفر والاستهزاء والتحقير وشهادة الزور والسحر والقذف والكلام الفاحش وإطلاق اللسان فيما لا يليق وغيرها . وكلها أعمال محرمة تقود صاحبها إلى النار.وفي الحديث أيضا :( أكثر ما يدخل الناس النار الأجوفان الفم والفرج). وكان ابن عباس يأخذ بلسانه ويقول :(ويحك قل خيرا تغنم أو اسكت عن سوء تسلم،وإلا فاعلم انك ستندم). إن شان اللسان ليس كشأن سائر الجوارح، فان ابن آدم( إذا أصبح فان أعضاءه كلها تكفر اللسان تقول: اتق الله فإنما نحن بك فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا) أخرجه الترمذي. وان كان الكلام ضروريا فانه يكون في طاعة الله وفي ذكره ، ففي الحديث : (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فان كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب ،وان ابعد الناس عن الله القلب القاسي).قال محمد بن عجلان: إنما الكلام أربعة :أن تذكر الله أو تقرا القرءان ، وتسال عن علم فتخبر به، او تكلم فيما يعنيك من أمر دنياك) جامع العلوم والحكم ص:134. إن مشكلتنا اليوم أننا لانتصور حجم ما سندفعه جراء امتلاء صحائفنا بحصائد السنتنا ،والعجيب اننا نحتاط بحزم لتقليل مكالماتنا على الهاتف حذرا من ارتفاع تكلفة فواتيره الشهرية، لكننا لا نفعل الشئء نفسه إذا تعلق الأمر بالكلام السيء الذي يملا صحائف أعمالنا كل يوم .،و المسلم الحصيف اللبيب هو من يخشى ألا تكون له قدرة على سداد فواتير (حصائد) لسانه يوم الحساب ،فيسمع أكثر مما يتكلم ، ويمسك لسانه إلا من الخير، وفي الحديث:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراأو ليصمت.) البخاري ومسلم .فالصمت المطلوب منا هو الإمساك عن ذنوب اللسان والكف عن آفاته. اخي الصائم،( ان فاتورة الحساب الأخروي على حصيلة كلامك وحصائد لسانك بالغة التركيب والتعقيد ،ومخرجك الوحيد للتخفيف من ثقلها هو العمل بوصية نبيك صلى الله عليه وسلم عندما قال :(امسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك)روح الصيام ص:87. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.