إن بلادنا و كما لا يخفى على أحد، و الحمد لله، كان يضرب بها المثل، و لا يزال، في التعايش السلمي بين ساكنيها رغم اختلاف أصولهم و دياناتهم و أعراقهم. فالمغرب يعتبر من الدول التي قطنها اليهود و مايزالون، كما احتضنت العرب و المسلمين في عز تواجد يهودي سابق و لاحق. و الأقدم من ذلك كله أن هذه الأرض كانت مهد الشعب الأمازيغي و الذي قبل و استقبل كل تلك الروافد بما فيها الوافدون من الأندلس بعد سقوطها و طرد المسلمين و اليهود من شبه الجزيرة الإيبيرية. إنه إذن مغربنا الحبيب بجميع روافده المختلفة، غاية في الإندماج بين ثقافاته المتعددة. إنه، و بكل اختصار، مغرب الثقافات. الغريب في أمر المغرب أن صدر أهله رحب، على الدوام، يتسع للقريب و الغريب. و كرم المغرب و المغاربة معروف للقاصي و الداني، للعدو قبل الصديق. فكم من سلالة حكمتنا و كم من حضارة مرت من هنا و كم من أمة نهلت من خيراتنا.. و تأبى الخيرات إلا أن تتدفق في تحد أبدي للناهبين و المتنعمين. هذا مغرب الثقافات الذي عاش فيه أجدادنا و نعيش فيه اليوم و سنورثه لأولادنا. أرض غنية و خيرة بأهلها و حب أهلها لها، ذات تاريخ رحيم و حاضر مريح.. المستقبل؟ أمره قد يكون محيرا، لكن إن تفائلنا بالخير نجده، و المتشائم لا يصنع التاريخ فكيف سيصنع المستقبل؟ و نستغرب اليوم و نحن في المغرب أن يكون بيننا من لا يريد الخير لهذه البلاد و يستبلد العباد و يستبد و يسعى بيننا بالفساد برا و بحرا و جوا. فما بال أقوام بيننا يجعلون للفساد منابر و محافل، و يسخرون له أبواقا و حناجر، و يرعونه و يقيمون له أندية تكرم فيها رموزه و يبجلون، تقام لهم الدنيا و لا تقعد، أجورهم بألف مليون و مليون، يمتهنون السفور و المجون، ظاهرهم العري و باطنهم الجنون؟ كيف يكون لهؤلاء في بلادنا موطىء قدم و لماذا يؤول إليهم من مالنا نصيب؟ هل صارت الحرمات أرخص من الباغيات في بلاد الشرفاء و الشريفات؟ هل أصبحت المدنسات تقدس على أعتاب الشرفاء و أضحت المقدسات تدنس تحت أقدام السفهاء؟ كيف تصبح عاصمة الموحدين و العلويين مرتعا لهؤلاء الشياطين؟ كيف تمسي رباط الفتح محفلا لأمثال أولئك الفاسدين المفسدين؟ أليس مصابا جللا أن يسود فينا الخبث و يحكم، و يعربد و يستبد، و يعتقل و يسجن من قال اللهم إن هذا منكر؟ الأدهى و الأمر أن من يجمع كل أولئك و يرعاهم و يعبد لهم الطريق و بالورود يفرشها.. من غيرها؟ جمعية مغرب الثقافات.. الآن هل رأيتم العلاقة أو لنقل المفارقة؟ جمعية كمثل هذه و بموارد مالية كتلك و بإسم كهذا كان الأجدر بها أن تسوق صورة مغرب العفة و الطهر و الشرف.. مغرب الثقافة و الحضارة و التاريخ.. و ليس أن تهدم بالفساد أخلاق العباد و تشوه سمعة البلاد تحت مسمى مغرب الثقافات.. شخصيا لا أرى أي ثقافات يقصدون؛ أما المغرب فمنهم و ممن يوالون براء. و يقولون أن الهدف تسويق دولي لسمعة المغرب؛ و أي سمعة بالخلاعة و الخنا سيبلغون؟ على ذكر الخلاعة و العري.. ماذا كان ذلكم الذي شهدته إحدى منصات مهرجانهم حين صعدتها "جي سي زمر" -كما تقول الكاتبة مايسة الناجي- أ لم يكن في ذلكم ضرب سافر لمنظومة مغرب القيم؟ أ وليست تلكم دعوة ماجنة للتعري؟ أ هذا ما يدعون إليه في مغرب الثقافات؟ لا أيها الناس.. مغرب الثقافات ليس ذلكم. بل هم يريدون مغرب الخمارات، مغرب الحانات و مغرب الملاهي التي لا تنتهي، يريدون مغربا يجعلونه معبدا لشياطين الغرب و الشرق يحج إليه كل فاجر، هم يريدون مغربا يسكنون قصوره و ينهبون أمواله و يستعبدون أبنائه، فهؤلاء نكفر بهم و نقول لهم: لكم مغربكم و لنا مغرب. في سياق العري دائما، تحدث الناس كثيرا عن جديد هذا العام في مهرجان موازين، ألا و هو تبان تلك الساقطة "جي سي زمر" و ما أحدثه من ضجة و سمعة - عفوا أقصد - "شوهة" للمغرب.. تحدثوا عنه حتى صار شعارا و رمزا لموازين هذا العام. هنا أود فقط أن أتسائل، في علاقة مع عنوان المقال، أ ليس لدينا في المغرب أمثلة عديدة و متعددة عن ذلك التبان الرمزي الذي يكون شعارا لفساد ينخر في جسد هذه الأمة؟ الآن سوف نبين كيف ذلك: طبعا ثقافة المهرجانات هي ثقافة حديثة بالمغرب، مغرب الثقافات، لكننا قبل أن نعرف المهرجانات عرفنا المواسم خصوصا الدينية منها و هي ثقافة عريقة و متجدرة ببلادنا. و لازلنا نحتفل بها في مدننا و بوادينا، و هناك مدن مغربية مشهورة بمواسم معينة، منها على سبيل المثال لا الحصر، مدينة مراكش التي تشتهر بموسم مولاي براهيم و السبعة رجال. رغم أن هذه المواسم كانت في أصلها دينية إلا أنها مع مرور الزمن بدأت تشوبها الكثير من الممارسات التي لا تمت للدين بصلة. و تطور الأمر فصار الموسم الديني شيطانيا بامتياز، تكثر فيه البدع و الموبقات بشتى أنواعها فترى الشواذ تروج سوقهم و البغايا يعرضن خدماتهن و يكثر الطلب على المشعوذين و النفاثات في العقد. و يحكى أن في مراكش أماكن تقصدها العوانس من النساء من أجل "تقعيد الميمون" كما يقال، و يشاع أن العانس حين تيأس من الزواج تزور مولاي براهيم و السبعة رجال و قبل مغادرة المكان تعلق تبانها على شجرة بالقرب من المزار. و مع تزايد العوانس تزداد أعداد التبانات المعلقة حتى صارت الأشجار و كأنها لا تثمر إلا هي. ألا يحق لنا إذن أن نستغرب كيف انتقلنا من تبان مواسم الدجل و الشعوذة إلى تبان موازين الفساد و الخنا؟ خلاصة القول: ما دمت في المغرب فلا تستغرب.