في خضم النقاشات السقيمة العقيمة الهامشية التي تغلي بها فضاءات التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة حول قضايا اقل ما يقال عنها إنها تافهة تنظاف لسفاهة الساسة في قبة البرلمان ,لكم تأسفت غاية الأسف و منتهى الأسف على الصمت الرهيب الذي مرت فيه ذكرى رحيل واحد من رجالات المغرب الشرفاء المبدأين المثقفين عضويا الحاملين لهم هذا الوطن بعد إن كان كل همهم هذا الوطن ; الذين ماتوا حرقة بجمرة القضايا الحقيقة الكبرى و العميقة : التغير و الانعتاق و التحرر و بناء دولة العدالة و الكرامة المساواة الانتصار للعلم و التشبث بالثقافة و الدين و الهوية و التاريخ و استشراف المستقبل لكن قدره و خطأه انه كان مغربيا قدر له العيش بين أبناء جلدتنا الماهرين في طمس رموزهم و الماهرين في دفن نوابغهم دفنين لا دفنا واحدا ; دفن الشرع و دفن الإبادة المعنوية …. اغتيل نبوغه برصاص المنع و المصادرة في وطنه حين كان حيا و هو الذي لم يترك منبرا علميا أو إعلاميا أو جامعيا عالميا من أمريكا إلى اليابان إلا و صدع فيه ببنات أفكاره المتينة... فهل تراه هذا الوطن يتسع صدره للجميع بما فيه رقاصات أمريكا العارية سيقانهن و لا يضيق إلا على أبناءه الإبرار ?! من يوسف ابن تاشفين و قبله رموز كثر مرورا بقامات و هامات بارتفاع جبال الأطلس الكبير ; لكنها للأسف لا تجد في إعلامنا حيزا معتبرا, و بالتالي لا تنعكس في وعينا و حسنا بما يليق بالحد الاذنى من الذي يليق بقيمتهم العلمية و النضالية و ادوارهم التاريخية , أم انه ربما أصبحنا في زمن أصبح فيه شرط الاستئثار بالاهتمام الإعلامي و الشعبي هو الرقص بالملابس الداخلية او اثقان لغة السفاهة و الكذب على جحافل الأمين من الكادحين !!! … ونشهد للأسف الشديد اغتيالا ثانيا له وقد أفضى إلى ما قدم ; هده المرة برصاص النسيان و الطمس و المسح من الذاكرة و من أرشيف نوابغ هذا البلد الذي لا يتسع إلا لسفهاء القوم و رقاصيهم! الأكيد أن الرجل دفع الثمن غاليا حيا و لازال الحساب مفتوحا حتى بعد موته ; ثمن مواقفه الشجاعة التي صدع بها في أحلك الظروف و أشدها قتامة حيث لم يكن هناك متسع لا للحديث عن الديمقراطية و الانفتاح و حقوق الإنسان كما هو الحال ألان ولو نسبيا . كيف لا وهو المفكر الذي ابتكر مفاهيم فكرية جديدة مثل ‘الاستعمار الجديد' و' الميغا-امبريالية' وسخر كتاباته لفضح جشع النيولبرالية-الامبريالية الجديدة المتوحشة والدفاع عن حق دول العالم الثالث في التنمية و الاستقلالية وكتب عن نظام دولي منشود يقوم على العدالة والإنصاف والكرامة لكل الشعوب والمجتمعات. . الرجل هو من رفض أن يكون الإعلام وسيلة للتحكم في قيم المغاربة و تضليلهم حين كان مسؤلا عن الإذاعة و التلفزة و هو من كانت له الجرأة ليستقيل من كل تلك المناصب و نرى رأي العين أن الهم الأوحد لثلة كبرى من المسؤولين في أيامنا هذه هو الحفاظ على ذاك الكرسي الدوار المريح و البقاء جاثمين على أنوف المغاربة بعد أن رفض أن يكون جزءا من منظومة إعلامية تحكمية مظللة تكرس الجهل و تتلاعب بالقيم المشتركة التي تربى عليها المغاربة , الرجل هو من استقال من نظام الأممالمتحدة بعد أن وصل إلى اعلي المراتب فيه في منظمة unisco عندما تأكد بما لم يدع لديه مجال للشك إن نظام الأمم المتحد لا يكرس إلا هيمنة صهيوامريكية تهيمن على العالم و تزيد الهوة بين دول الشمال و دول العالم الثالث و الرجل هو من رفض منصب نائب رئيس صندوق النقد الدولي مبررا ذالك بقوله في محاضرته المشهورة في مكناس 1993 بأنها مسألة مبدأ و أخلاق لا يمكنه أن يتقلد منصبا في مؤسسة ينتقدها صباح مساء بشدة و يعتبرها سبب أزمات دول العالم الثالث بالقروض المشروطة التي تفقر الشعوب و تكرس ثقافة الاتكالية و التبعية الاقتصادية عوض بناء اقتصاد وطني مستقل و تنافسي. فسلام لك أيها المهدي في الخالدين و سلام على مواقفك المبدئية القوية في زمن انتكاسة المثقفين وركونهم للمناصب و الامتيازات . فلترقد روحك بسلام أيها المهدي حقا كنت المثال الحي للمثقف العضوي المستشرف للمستقبل الناصر للشعوب المغلوبة على أمرها الرافض للتسلط و التحكم لان منعوك حيا و طمسوا ذكراك حيا فستبقى عند الأحرار ذاك المهدي الذي يمثل القدوة و المثال في بلدان أصبح فيها الرقاصون و أراذل القوم القدوة و لا يسع المرء إلى أن يقول للمتلاعبين بالقيم الطامسين للرموز الهادمين للثقافة و الإبداع الحالبين للخيرات