سطع اسم ناصر الزفزافي ضمن سياق الأحداث التي شهدتها ولا تزال مدينة الحسيمة منذ حوالي سبعة أشهر كأحد قادة الاحتجاجات التي اندلعت على إثر الوفاة المأساوية للشهيد محسن فكري الذي مات مطحونا مع أسماكه المحجوزة في شاحنة أزبال بالقرب من مخفر شرطة وسط المدينة نفسها، في واقعة أثارت استنكار جزء عريض من الشعب المغربي، وهي الواقعة التي أرخها محمد الجعماطي في رسم كاريكاتيري. صورة ناصر الزفزافي في كاريكاتير محمد الجعماطي تبدو كشخصية بطولية بغير منازع، وهي بالفعل كذلك، وهو ما يتضح من خلال جعلها في طليعة الجماهير المحتشدة وراءه. ومن ثم فموقف الرسام من هذه الناحية لا يخلو من التعاطف والمشاركة الوجدانية، خصوصا وأن ثمة ما يشبه الإجماع على مشروعية مطالب الساكنة، غير أنها، في الوقت نفسه، شخصية لا تسلم من النقد : فالأدوار التي تنطع لها جعلت شخصيته تتضخم، وتزايدت لديه روح المغامرة، خصوصا في ظل أجواء الحماس العفوي وتصلب اللاشعور الجمعي، فإحساسه بالقوة مستمد من السند الشعبي من جهة، فالأمواج البشرية تصطف وراءه، بصفته القائد الثوري، ومن “الأداة الثورية”، بالمقارنة مع الأدوات التقليدية للعمل السياسي المتمثلة في الأحزاب، وهي التواصل الاجتماعي، عبر الفضاء الأزرق للفيسبوك. وقد حرص الجعماطي على المبالغة في تركيز مرساله سيميولوجيا من خلال صورة الهاتف المحمول النقال، وسيمانطيقيا عبر ملفوظين : الأعلى بالفرنسية وهو كلمة facebook، والثاني بالعربية في الأسفل، وقد يؤخذ بوصفه كذلك كعنوان لهذا الرسم،وهو العبارة الآتية : “ظاهرة صوتية”، دون أن يقصد الرسام بذلك ما ذهب إليه عبد الله قصيمي في تصوره النقدي حول العرب عندما استعمل هذه العبارة في حقهم. هذا النقد ليس نقدا هداما يسعى إلى إحباط الهمم، وتثبيط العزائم، وإنما نقد بناء، يتطلع إلى شحذ وعي الطلائع التقدمية للجماهير الشعبية، وأنا واجد هنا نوعا من الانتماء إلى الواقعية الشعبية في عمل محمد الجعماطي على غرار ما كانت عليه أعمال فرانسيسكو غويا حول الحشود الجماهيرية. ذلك أن الفنان غويا وإن لم يكن ثوريا حقا ورغم أنه خصص جزءا من أعماله للأثرياء، فإن جزءا آخر منها كان منافحا عن حقوق الفقراء، وصيحة ضد ظلم القوانين. وتجدر الاشارة في هذا الإطار إلى أن هذا الرسم أنجز قبيل احتجاج الزفزافي على خطبة الجمعة لأحد أئمة المساجد، مستنكرا وصفه “للحراك بالفتنة”، وما تلى ذلك من اعتقاله وعقابه داخل السجن بعزله عن رفاقه وحبسه في زنزانة انفرادية. الحشد ككتلة متراصة يظهر كلما كنا أمام كثرة من الأفراد يسعون إلى القيام بمهمة ما أو سلوك معين. ويحتاج الانضباط إلى تدبير الحشود الجماهيرية، أي القضاء عليها كحشود. ولدفع الأفراد إلى العمل، ينبغي أولا تدمير الحشد، لكي لا يبقى سوى أفراد معزولين، وهذا هو أساس المقاربة الأمنية التي أدى تطبيقها في الحالة الريفية إلى اعتقال ناصر الزفزافي وكل الفاعلين الديناميكيين الذين أفرزتهم الاحتجاجات الشعبية القوية على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. فالحشد يسمح بتواصل أفقي يتعين اختراقه. فلماذا من الضروري تدبير الحشود؟ إن قمع الحشود ممكن من خلال التخلص الخالص والبسيط من الأفراد بواسطة الاغتيال والمجازر من طبيعة الحال، وذلك على نحو ما فعل الملك هنري الثامن الذي كان حاكما على إنجلترا وايرلندا في أوائل القرن السادس عشر، إذ أعدم شنقا حوالي 72000 فردا، غير أن هذا الحل مكلف وفيه مجازفة، وكما قال ماركس في “الإيديولوجيا الألمانية”، فهو يحتاج إلى جيش عرمرم ينبغي الحفاظ عليه، وفي الوقت نفسه، لا شيء يضمن بأنه سيقبل إطلاق النار على الجمهور المحتشد، وتصفية الأفراد واحدا واحدا. وبعد هذا كله سيكون ذلك بمثابة فوضى عارمة، إذ من الأنسب استغلال الحشد بجعله يعمل. تدبير الحشد هو ضمان فريضة التعددية البشرية، وهذا هو المشكل الذي يطرح نفسه على الدولة الحديثة، في حين تظهر الدولة العتيقة نفسها عاجزة كليا أمامه. إن الحشود المنظمة كانت دائما تلعب دورا هاما في تاريخ الشعوب، غير أن هذا الدور لم يكن أبدا مهما على نحو ما هو عليه اليوم. فما أصبح يشكل أحد الصفات الرئيسة لهذا العصر هو الفعل اللاشعوري للجماهير الذي حل في محل النشاط الواعي للأفراد. وسواء كان الحشد الجماهيري عفويا أم منظما، فهو يبتلع الفرد، إن على مستوى العقلية أو على مستوى السلوك، إذ يجرده من شخصيته، ينومه ويغرس فيه نزعة وحشية، وفضلا عن ذلك فهو يؤدي إلى العنف والفوضى وفي آخر المطاف إلى بطولة لاواعية. وفلسفة العصيان ليست في نهاية التحليل سوى دفاع متبجح عن وصولية خطاب النعمة…كل عاص يتصرف بصورة أنانية يواجه وضعا معينا خاصا يسعى إلى الارتفاع فوقه دونما أي اعتبار للشروط العامة.إنه يسعى كي يتخلص من النظام القائم بقدر ما يمثل هذا النظام غلا يقيده، وفيما عدا ذلك يتطلع، عكس ذلك، إلى الاندماج فيه. ويقتصر العاصي “الناجح” على حث الآخرين على أن يصبحوا وصوليين مثله. وهذا التصور يفرق بعناية بين الثورة بصفتها عملا والعصيان باعتباره غير كذلك.