الأستاذ : عمر أمزاوري يقول سي عبد الرحيم بوعبيد : ” قوة المغرب تكمن في مدى مصداقية الديمقراطية في البلاد”. لنقل العبارة التالية دون خجل ولا خوف : إن الوضع الاقتصادي للبلد بائس وهذه حقيقة، ومستوى السياسة نزل تحت الصفر بفعل غياب النبل في السياسة.. ولم تعد الديمقراطية التمثيلية ذات مصداقية، أولا لأن مقاطعة الانتخابات عمل شرير وخطير أدى إلى هذه النتيجة، لكن الأكثر شرا كان تنفير الناس من الانتخابات والسياسة من خلال ممارسات شراء الذمم بالمال والكولسة والبلطجة.. ولأن البلاد التي تعرف مستويات عالية من الفساد السياسي والاقتصادي، لا يمكن في الحقيقة أن تعرف أي تقدم إلى الأمام مادامت الأجهزة المنتخبة لا تقوم بدورها، بل صارت تعمل فقط على رمي الكرة في الملاعب هنا وهناك وتتهرب من المسؤولية وتهرج علينا، حيث صار الميدان السياسي عبارة عن سيرك وطني للقرود التي تفسد الزرع إذا تصارعت وتأكل المحصول إذا اتفقت والعهدة على جورج أورويل. وهكذا صار الملايين في هذه البلاد يعانون يوميا من غموض المستقبل الإقتصادي، وفي مختلف الوظائف والمهن. وهكذا تستمر الطبقة السياسية في جهلها المركب أو المتعمد اللامحدود الممزوج بإرادة الكولسة في عملية الرقص على الحبال، ولما فقدت المبادرة وارتهنت إلى الألاعيب التكتيكية ثم انتهى بها الأمر إلى الانتهازية والمتاجرة واللعب على آمال جراح المعذبين في الأرض، دخلنا عصر سيطرة البزناسة والحلاسة والانتهازيين ثم انتهى بنا الأمر اليوم إلى صعود عصر الحرافيش وبوادر الأسوأ.. يلتزم المثقفون والوطنيون ورموز الطبقة الوسطى والمجتمع المدني المستقل والحقيقي الصمت أمام هذا الوضع، أولا لأنهم لا يمكن أن يشعرنوا لواقع الفساد السياسي والمغذي للفساد في الإدارة والتجارة وباقي القطاعات، وثانيا لأن شروط المشاركة السياسية حاليا غير متوفرة وتحتاج أولا إلى حملة أيادي نظيفة ضد الفساد، وإعادة تأكيد الالتزام اللامحدود بالخيار الديمقراطي وبناء دولة القانون وحقوق الإنسان بمفهومها الكوني في تناغم مع القيم المغربية التاريخية. لكن يجب أن لا نفقد الأمل في المغرب، في مشروع الحركة الوطنية الذي اغتالته المطامع والصراعات، فنحن شعب قديم وموجود في أرضه وقد تحدى الصعاب من المجاعات والقحوط والغزوات والحروب والفتن.. قد يكون هذا العصر يعرف صعود الفاسدين والغوغاء، لكن هذا لا يعني نهايتنا كشعب، يجب أن نكافح أولا من أجل إعادة بعث الإنسان المغربي، تعليمه، وإخراجه من حالة القصور الذاتي والاعتمادية المطلقة.. نعم لقد طالت حالة الانتظار، وإن الانتظار قاتل في السياسة حيث صار المسؤول السياسي مهرجا، أو هكذا ينظر المواطنون له، وصار الانتماء إلى الطبقة السياسية يعبر عن الانتهازية وإرادة الفساد والإفساد.. وطالت حالة الصبر على الوضع الاقتصادي وغدت غير قابلة للتحمل دون حلول عقلانية، وصارت الطبقات الشعبية تنظر بالحقد وعين عدم الرضى على الثروة والغنى. نعم إن الوضع الحقوقي والسياسي في المغرب ليس مثاليا، وهذا يتطلب أولا الوعي بمراكز القوة والصراع واللعب بأوراق التفاوض للخروج من عنق الزجاجة المرحلية.. إن الكلمات الكبيرة والجمل الرنانة لن تحل مشاكل الشعب المغربي، وإن ما يحتاجه المغاربة هو القدرة والمشروع.. أنا واثق أن الله سيدفع المثقفين والوطنيين الحقيقيين في النهاية إلى قيادة هذا الشعب نحو استعادة مجده المفقود ولو من بعد حين.. سيعرف الشعب من خلال هذه التجربة التاريخية أن الذين يدعون المنافحة عن الهويات القاتلة سواء المحلية أو الدينية أو الطبقية هم أعدائه الحقيقيون.. سيأتي جيل جديد بعد هذا الجيل وسيدرك أن القيم القديمة هي عوامل بناء وليست عوامل هدم.. وأن الولاء لله (الإسلام الصوفي السني الأشعري والتسامح) والوطنية المورية (تمغربيت والمواطنة وحكم القانون والحرية) والدولة الوطنية (قيم الملكية والوحدة والعائلة والتنظيم) تحتاج فقط إلى قراءة جديدة. وفي ذكرى المسيرة الخضراء نتذكر بنات وأبناء الشعب المغربي الذين لبوا نداء الوطن وحرروا أرضهم والتضحيات التي قدمها كل بيت مغربي من قوته ودمه. يجب أن يعلم من يهمه الأمر أن التحام إرادة العرش بإرادة الشعب يحقق المعجزات.. وأن الحكمة وإدراك الأمور وتوسيع المدارك أقوى من الاندفاعية، وأن كلا من الانفرادية والهياج الناتج عن الذهان الجماعي أو الفردي لن ينتج سوى المآسي أمام تيار التاريخ. ملحوظة: عطلة سعيدة.. وحفظ الله المغرب موحدا من البوغاز إلى الصحراء؛ وكل التحية للقوات المسلحة الملكية المرابطة جنوبا.