لا يمكن ذكر سجن الصومالبتطوان، كما يسميه أهل المنطقة، إلا وتتبادر إلى الذهن مختلف الصور النمطيه عن هذه البناية المهيبة المطلة على المدخل الجنوبي للحمامة البيضاء.. بناية ارتبطت في المخيال الشعبي بإعادة إنتاج الجنح والمجرمين وتوزيع مختلف أنواع المخدرات، يقول عنها العارفون بها “لا يمكن لداخل إليها إلا أن يخرج منها مدربا على الاجرام مدمنا للمخدرات…”. بداية جديدة بالسجن المحلي بتطوان يقول نزيل غادر المؤسسة السجنية مؤخرا، أن السنوات الماضية كانت بمثابة بداية بزوغ فجر غير مسبوق في تاريخ الصومال.. فجر تأكد بعد تعيين السيد “فؤاد الماكي” مديرا جديدا للمؤسسة السجنية بتطوان، بعدما عمل في مناصب ومسؤوليات مختلفة داخلها منذ 2016. لم يكن الأمر هينا في البداية أمام المدير الشاب الذي وجد نفسه أمام تحدي تجفيف مؤسسة سيشرف على إعادة إدماج نزلائها، من مختلف أنواع المخدرات التي كانت منتشرة بها بشكل فضائحي. ولأن “الماكي” كان يقف عكس القاعدة الشهيرة القائلة “من لا موقع له لا قوة له”، استغل بتباث موقعه كمسؤول أول بالصومال ووجود موظفين أكفاء إلى جانبه، لإعادة ترميم النظام والانسان بها بقوة وإصرار، فلم يمضي على بدأ عمله أقل من سنة حتى حولها إلى مؤسسة نموذجية لا يمكن لزائريها والمارين بها إلا الإشادة بمستوى النظام والمساواة وغياب المخدرات بها. معركة تجفيف المخدرات من جغرافيا الصومال كانت معركة تجفيف انتشار ترويج وتعاطي المخدرات بمختلف أنواعها بين سجناء حبس الصومال، المعادلة الأصعب في خارطة الطريق التي وضعها “الماكي” لبناء مؤسسة حقيقية لإعادة ادماج وتهذيب النزلاء وضمان أمن وسلامة الجميع تحت إدارته، حيث استطاع خلال فترة قصيرة منع تداول وتسريب كل أنواع المخدرات كالحشيش والهيروين والاقراص التي كانت متداولة بشكل خطير بين النزلاء طيلة السنوات الماضية. صرامة التصدي للمخدرات داخل المؤسسة السجنية توازى مع بروتوكول واضح في معاقبة كل المخالفين دون تمييز، بالاعتماد على موظفي المؤسسة الذين يتحلون بدورهم بكفاءة عالية في المهنية وروح مسؤولية جعلتهم شريكا محوريا في كل ما تحقق من نجاح وتطور داخل السجن المحلي بتطوان. ولم يقف “الماكي” في حدود المنع والتجفيف للقضاء على هذه ال0فة بين نزلاء مؤسسته، بل عمل على إيجاد بدائل للنزلاء المتعاطين، عبر إستراتيجية علاجية نموذجية لم يفصل عنها تنويع الأنشطة والفعاليات لإدماج المتعاطين وباقي النزلاء، وتحويل السجن إلى فضاء حقيقي للتربية والتهذيب. الماكي يفتح أبواب السجن المدني نحو الحرية الحرية فطرة إنسانية وهدف تسعى مخلوقات الله إليها، وبطبعه وعقله يطمح الانسان لها، معادلة أحسن “الماكي” صقلها لجعل جدران مؤسسته السجنية فضاءا للحرية من أجل تقوية القدرات الإبداعية للسجناء، عبر إشراك المجتمع المدني في تدبير الشؤون الثقافية والفنية إلى جانبه. على امتداد فصول السنة، تتناوب جمعيات وهيآت المجتمع المدني على تنظيم أنشطة مختلفة ثقافية وفنية ورياضية وانسانية بهدف اشراك نزلاء ونزيلات السجن المحلي بتطوان في مختلف القضايا الادبية والفنية، حيث استطاع مدير سجن تطوان “الماكي” اقناع عدد من التنظيمات المدنية باستراتيجيته الادماجية، حيث تمكن من إبراز مواهب وطاقات نيرة من بين نزيلات ونزلاء مؤسسته في عدد من المجالات والورشات التأهيلية في مجالات المسرح، الموسيقى والرسم والتصوير الفوتوغرافي والكتابة الأدبية، كما تمكن بشراكة مع المجتمع المدني في ادماج أغلب النزلاء والنزيلات في الحياة الثقافية والرياضية، محولا جدران السجن الباردة إلى فضاءات للابداع والتكوين والاحساس بدور الفرد في مجتمعه وتأهيل المعتقلين لإعادة الإدماج. الماكي ينجح في تنفيذ استراتيجية المندوبية العامة بخطا واثقة وهدوء وسلاسة في التنظيم والتدبير، عمل “الماكي” على تحديث إدارة السجن المحلي بتطوان وتمكن من تعزيز إجراءات الحكامة الجيدة بها في انسجام تام مع الأوراش التي تم تسطيرها وبلورتها من طرف المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج في إطار سياستها، حيث تمكن من تطوير وتثمين دور العنصر البشري واستثماره وعقلنة تدبيره بشراكة مع المجتمع المدني لتهيئ السجناء للإدماج، عبر خارطة طريق جعل من التكوين والتعليم والتأهيل والانفتاح على القطاعات والهيئات الفاعلة في هذا المجال مدخلها الاساسي. فترة فارقة في تاريخ الصومال، سيسجل التاريخ أن عنوانها كان بارزا مكتوب فيه “فؤاد الماكي” الذي نجح فيما فشل فيه آخرون، وتمكن من تحويل صومال سيء الذكر في مخيال التطوانيين، إلى مؤسسة سجنية تحترم داخل جدرانها كرامة النزيلات والنزلاء، وتصان فيها مفاهيم الأنسنة والكرامة بالوسط السجني.