بالأمس خرجت تطوان، كباقي المدن المغربية، للتضامن والاحتجاج، للتضامن مع حراك الريف، حراك الكرامة، الذي تحول بفعل التضامن الشعبي إلى حراك شعبي مغربي. حراك سلمي حضاري مغربي بامتياز. وللاحتحاج على كل الأوضاع المزرية التي تعيشها البلاد للاحتجاج على تعنت الدولة وغطرستها وعنجهيتها وعلى غبائها أيضا.. للاحتجاج على المقاربة الأمنية الغريبة والغبية في آن. لقد خرجت تطوان بشبابها وشاباتها، بكبارها وصغارها. خرج المواطنون والمواطنات بشكل سلمي حضاري للتعبير عن غضبهم، لكن الطريقة التي تعاملت بها قوات الأمن والسلطة مع الوقفة تنم إما عن جهل أو عن رغبة لجر البلاد إلى ما لا تحمد عقباه. إن توظيف اللصوص وقطاع الطرق وأصحاب السوابق لتفريق مظاهرة سلمية، هو عين الغباء وأنفه… قد نفهم أن توظف السلطة قواتها العمومية لتفريق تظاهرة أو احتجاج.. أقول نفهم ولا نتفهم ولا نقبل، لأن حق الاحتجاج والتظاهر السلمي تضمنه القوانين الداخلية وتحميه التشريعات الدولية والمواثيق التي صادق عليها المغرب. لكن ما لا يمكن فهمه ولا تفهمه ولا قبوله والسكوت عنه، هو أن توظف السلطة قطاع الطرق واللصوص لتفريق تظاهره سلمية، وأن تعمل على تهييجهم للهجوم على المواطنات والمواطنين، مستعملين الأسلحة البيضاء، وتحرضهم على سرقة هواتف المتظاهرين لمنعهم من التصوير. ما لا يمكن فهمه، كيف لمسؤول عن حماية الأمن أن يتحالف مع من يهدد الأمن؟؟ هل وصل الذكاء الأمني لمهندسي وزارة الداخلية إلى هذا الحضيض؟؟ أم أن الامر مقصود، ويريدون جر البلاد إلى المجهول. لأنه في اللحظة التي يصبح فيها اللصوص وقطاع الطرق وأصحاب السوابق يشعرون بانهم يخدمون الدولة، وتصبح الدولة توفر الغطاء لهم.. ففي هذه اللحظة على الوطن السلام؟؟ إن ما حدث أمس بتطوان وبباقي المدن المغربية الحسيمة، مكناس، الرباط، البيضاء، أكادير، مراكش يستوجب الإدانة والتنديد بأشد العبارات، ويتطلب وقفة للتأمل والتفكير بجدية وهدوء. قد نتفهم صعوبة محاربة الفساد، والحاجة لطول النفس لإسقاط الاستبداد. لكن ما لا يمكن تفهمه هو الغباء في التعامل مع احتجاجات سلمية حضارية. إن مسؤولية الدولة لحماية المواطنات والمواطنين (أفرادا وهيئات، أرواحا وممتلكات) قائمة، ومسؤوليتها لتوفير شروط العيش الكريم للجميع لاشك فيها.. ومسؤوليتها في الدفاع عن نفسها أيضا قائمة.. لكن من الأخطار الحقيقية، وليس من مواطناتها ومواطنيها. إن الدولة مسؤولة عن حماية نفسها من نفسها، وليس من أي شيء آخر. إن اطلاق دينامية تنموية حقيقية بجدولة زمنية واضحة ورفع العسكرة عن منطقة الريف والتعاطي بإيجاببة مع كل المطالب الشعبية وإطلاق سراح المعتقلين، مداخل أساسية لإنهاء هذا الوضع، ونزع فتيل التوتر من كل أرجاء البلاد. كل ذلك رهين بفتح حوار داخلي. إن الوضع الآن مازال قابلا للتحكم فيه إذا تم تغليب العقل وصوت الحكمة وفتح الباب لمبادرات معقولة غايتها إيجاد حل للازمة، وليس الدفع في اتجاه تأزيم الوضع. إن مسؤولية الأحزاب (على علاتها) قائمة، واللحظة تاريخية تحتاج إلى رجال يصنعون التاريخ، وليس إلى كراكيز تحركهم الدولة متى شاءت وحيثما شاءت. نعم للاحتجاج والتظاهر.. ونعم أيضا للتفكير من أجل إيجاد حل يجنب البلاد الدخول في نفق المجهول.