لم تقتصر تداعيات قضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي على عالم السياسة، بل امتدت لتطال قطاع السينما الوليدة في المملكة السعودية. وفي وقت أعلن فيه بعض المستثمرين الأمريكيين في القطاع السينمائي التأني في ضخ استثماراتهم في هذه المملكة المحافظة، لا يزال المنتجون السعوديون ذوي أياد طويلة داخل هوليوود. أثار مقال في صحيفة "الغارديان" البريطانية الانتباه، عبر تصريحات للنجمة الأمريكية سكارليت جوهانسن، إلى الجدل الدائر داخل هوليوود على خلفية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي. فقد أعربت جوهانسن في المقال الذي نشر بتاريخ 24 أكتوبر الماضي عن رفضها المشاركة في الفيلم الجديد للمخرج والمنتج ريدلي سكوت في حال شارك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تمويله.
النجمة الأمريكية أكدت كذلك أنه "لا مجال أبدا" ليرتبط اسمها بتصرفات السعودية التي "تقود حربا في اليمن وتزج بالنساء في السجون"، على حد تعبيرها.
وكان من المفترض أن تجسد النجمة الأمريكية في هذا الفيلم شخصية الصحافية لينسي أداريو التي غطت العديد من النزاعات حول العالم، ولا سيما في ليبيا.
ولي العهد السعودي ينسحب من تمويل الفيلم في أعقاب مقال الغارديان، أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان انسحابه من تمويل الفيلم. وإن الشكوك التي تحوم حول علاقة بن سلمان المفترضة بمقتل جمال خاشقجي ليست بعيدة عن هذا القرار.
ثم جاء انسحاب آخر، هذه المرة من الممثل الهوليودي جيرارد بوتلر الذي أعلن في حديث لقناة "سي إن إن" إلغاء الدعاية التي كانت مقررة لفيلمه الأخير Hunter Killer"" في السعودية. واعتبر بوتلر أن "التوقيت لا يمكن أن يكون أسوأ من ذلك" للقيام بدعاية في المملكة. وأضاف "علمنا باختفاء خاشقجي عشية اليوم الذي كان مقررا لذهابنا إلى السعودية (…) واعتبرنا أنه ليس من الذكاء الذهاب في هذا التوقيت".
المزيد من الانسحابات في مجال الاستثمار السينمائي والترفيهي ولم تكن المواقف المعلنة لنجمي هوليوود جوهانسن وبوتلر الوحيدة التي جاءت لتعكر أجواء النشاط السينمائي في المملكة، لكن الأمر أخذ أبعادا أخرى مع إعلان العديد من كبار المستثمرين في القطاع الترفيهي عن سحب أو تأجيل استثماراتهم في المملكة، في وقت يسعى فيه ولي العهد لإحياء القطاع السينمائي في المملكة بعد قراره فتح أول دور سينما في البلاد منذ أكثر من 35 عاما في أبريل الماضي.
فضلا عن ذلك، أعرب أري إيمانويل، صاحب وكالة "WME" المعروفة في الولاياتالمتحدة في قطاع الترفيه والرياضة، أثناء كلمته أمام مؤتمر "Mipcom"، المعني بالسوق الدولية للبرامج التلفزيونية والترفيهية في 16 أكتوبر الماضي، عن تأثره الشديد باختفاء جمال خاشقجي.
وكان إيمانويل قد التقى بولي العهد السعودي خلال جولته في الولاياتالمتحدة في نيسان الماضي والتي استغرقت ثلاثة أسابيع، ونظم له لقاءات مع عمدة لوس أنجليس، الديموقراطي إريك غارسيتي، وكذلك مع عدد من القائمين على قطاع السينما الأمريكية مثل رئيس مجلس إدارة ديزني بوب إيغر، بالإضافة إلى مسؤولين في شركة الإنتاج "20th century Fox"، و"Warner Bros" وأيضا "Universal".
وكان آنذاك صاحب "WME"، وهو كذلك شقيق عمدة شيكاغو رام إيمانيويل، متحمسا للغاية بالإصلاحات الطموحة التي أعلن عنها ولي العهد السعودي، في وقت كان يستعد فيه هذا الأخير للسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة.
إلغاء عقود بمبالغ 400 مليون دولار ووفقا لمجلة "هوليوود ريبورتر" وصحيفة "واشنطن بوست" فإن وكالة "WME" تعتزم إلغاء عقود كانت قد أبرمتها مع المملكة تقدر بنحو 400 مليون دولار.
وكانت الهيئة العامة السعودية للاستثمار قد فاوضت خلال شهر مارس الماضي لشراء حصة تبلغ ما بين 7 و10 بالمئة من الوكالة. لكن تلك الأخيرة خشيت تأثير مجريات الأحداث في السعودية على صورتها، وهي التي تتولى إدارة أعمال العديد من الرياضيين ونجوم هوليوود وموسيقيين معروفين مثل الممثلين بين آفليك ومات ديمون ولاعبة التنس سيرينا وليامز.
منذ عدة أيام، قررت إحدى أكبر دور السينما في العالم وهي " Vue International" أن تجمد استثماراتها في السعودية. وكانت تلك الشركة وقعت في فبراير/ شباط الماضي مذكرة اتفاق مع مجموعة عبد المحسن الحكير لإنشاء نحو 30 دور عرض سينمائي في المملكة.
وقال تيم ريتشاردز رئيس مجلس إدارة الشركة التي لم تحضر منتدى" دافوس الصحراء" الذي نظمته الرياض في أكتوبر الماضي: "نحن لم نقرر الانسحاب من الاتفاق، ولكننا قررنا تأجيل تطبيقه في الوقت الراهن. مثلنا مثل الكثير من الشركات الكبرى حول العالم، نحن منشغلون بالأحداث الأخيرة التي تشهدها السعودية وننتظر لنرى التطورات خلال الأسابيع القادمة".
600 شاشة عرض سينمائي خلال العام 2019 لكن تظل غالبية دور السينما التي تعاقدت مع المملكة السعودية ملتزمة الصمت إزاء اغتيال جمال خاشقجي. فتلك المؤسسات تواجه عقبات قانونية في حال قررت فسخ تعاقداتها، ولا يوجد في الوقت الراهن ما يشير إلى التراجع عن التزاماتها في هذا الشأن.
ويقول "كولين براون" وهو شريك في مؤسسة "Mad solution" التي تعمل في مجال التوزيع السينمائي وتتخذ من القاهرة مقرا لها في تصريحات لفرانس24: "باستثناء Vue وWME، لم تغير أي من دور العرض السينمائي الأخرى مشاريعها"، مشيرا إلى "أن قضية خاشقجي يجب ألا تؤثر في السوق السعودية على المدى البعيد"
منذ أواخر دجنبر 2017 ، حصلت أربع مؤسسات على تراخيص لاستغلال دور العرض في المملكة السعودية. رئيس إحدى هذه المؤسسات هي شركة “فوكس سينما” التابعة لشركة ماجد الفطيم الإماراتية القابضة أعلن في أكتوبر الماضي عن استثمارات بقيمة 100 مليون دولار خلال عام 2019 ، تشمل إنشاء 600 شاشة عرض.
وبالنسبة للوكالات السينمائية، تمثل السعودية التي يبلغ تعداد سكانها 32 مليون نسمة ثروة كبيرة. وتشير دراسة حديثة لشركة مراجعة الحسابات "بي PwC" إلى أن القطاع السينمائي في المملكة يمكن أن يجني 950 مليون دولار سنويا بحلول العام 2030، وذلك من خلال إنشاء ما بين 300 و370 دور سينما وألف فرصة عمل مباشرة بحلول العام 2020.
وكان آدم أرون رئيس مجلس إدارة دور العرض السينمائي "AMC" وهي الأكبر في العالم، صرح في غشت الماضي: "نعتزم إنشاء ما بين 30 إلى 40 دار سينما خلال الثلاث إلى الخمس سنوات القادمة و100 دار عرض بحلول عام 2030، وهو ما يتوافق مع خطة ولي العهد السعودي "رؤية 2030".
السوق السعودية..مجال مربح لصناع السينما الأمريكية ويأتي التوجه السعودي باستثمار مبالغ طائلة في مجال الترفيه، إذ تعتزم إنفاق 20 مليار دولار خلال السنوات ال15 القادمة، ليشكل ذلك صفقة مربحة لصناع السينما الأمريكية وطوق نجاة في وقت تشهد فيه دور العرض السينمائي داخل الولاياتالمتحدة تراجعا بلغ 15,1 بالمئة خلال 2017، نتيجة المنافسة الشرسة التي تقوم بها شركتي نتفليكس وأمازون لدى الجمهور.
ويؤكد براون أن "السوق السعودية ستصبح من بين أكبر عشر أسواق على المستوى العالمي، بنحو 2600 شاشة عرض بحلول عام 2030".
تصريحات براون جاءت خلال مشاركته في منتدى دبي السينمائي الأول الذي استضافته الإمارة أواخر أكتوبر الماضي وحضره ما لا يقل عن 500 ممثل عن شركات صناعة السينما عبر العالم، واحتلت السوق السعودية حيزا كبيرا من مناقشات هذا المنتدى.
ويضيف براون أن "المناقشات لم تلتفت كثيرا إلى قضية خاشقجي أو السياسة السعودية، وتركزت بالأساس حول مجال الأعمال".
وبالرغم من الطموحات الكبيرة المتعلقة بالمجال السينمائي في المملكة السعودية، فقد حذر براون في الوقت ذاته من أنه "في حال استمرت صورة المملكة في التراجع خلال الأشهر القادمة، فإن استوديوهات هوليوود يمكن أن تراجع استثماراتها وتتردد في عرض أفلامها على شاشات العرض السعودية".