تلق النظام الجزائري صفعة قوية، ومعه الأبواق التي تحاول تجميل وجهه وإخفاء قبحه، وذلك عقب تقرير دولي بوأ الجزائر على مرتبة متدنية جدا في مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2018. ويأتي هذا التقرير بعد عشرات التقارير الذي كشفت عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، وكشفت بالملموس كذب مسؤوليها، وعلى رأسهم وزير الخارجية مساهل، الذي قال أن اقتصاد بلاده هو الأهم في إفريقيا، وكذا الامين العام لحزب بوتفليقة الذي ادعى ان بلاده احسن من الدول الاسكندنافية!
وجاء تقرير معهد هيرتاج الأمريكي، ليكشف الحقيقة التي لطالما حاول نظام العسكر التغاضي عنها وتوهيم الشعب الجزائري بعكس ما يجري في الواقع، حيث احتلت الجزائر المرتبة 172 عالميا في مؤشر الحرية الاقتصادية الذي يصدره المعهد لسنة 2018، وهي نفس المرتبة المتأخرة جدا التي كانت عليها السنة الماضية. وحصلت الجزائر على نقاط متدنية في مختلف المؤشرات الاقتصادية والسياسية التي ينبني عليها تقييم 186 دولة تضمنها التقرير.
وأعطى تقرير معهد "هيرتاج" لسنة 2018، الجزائر مجموع نقاط 44.7 من 100 في مؤشر الحرية الاقتصادية، لتحتل بذلك المرتبة 172 عالميا من أصل 186 دولة شملها التقرير، والمرتبة 14 الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وعلى الرغم من احتفاظ الجزائر بنفس مرتبة السنة الماضية، إلا أن معدلها انخفض ب 1.8 نقطة، بسبب تراجعها حسب التقرير في حقوق الملكية وحرية الاستثمار في مقابل ارتفاع طفيف جدا في حرية الأعمال والفعالية القضائية والحرية النقدية.
وأشار التقرير إلى أن الدولة في الجزائر تبقى مهيمنة على الاقتصاد، وهو نظام موروث عن نموذج النمو للدول الاشتراكية في فترة ما بعد الاستقلال. ولفت أيضا إلى أن الحكومة حاولت تحسين المناخ الاقتصادي والتحكم في الميزانية بشكل محتشم خلال السنوات الأخيرة وقامت في نفس الوقت بوضع حد لمسار خصخصة الشركات العمومية وقلصت بشكل حاد من الواردات وتدخل الأجانب في اقتصادها.
وبحسب التقرير فإن هذه السياسات التي تتزامن مع ظرف سياسي خاص، هي المتسببة في رهن آفاق تطور الاقتصاد بشكل دائم على المدى الطويل. وتناول التقرير سريعا الوضع السياسي مشيرا إلى أن "الاستقرار مهدد، وثمة غموض في استمرار الرئيس بوتفليقة في الحكم بسبب ظروفه الصحية، حيث لا يظهر إلى العلن إلا نادرا".
ويعتمد مؤشر الحرية الاقتصادية العالمي على أربع مؤشرات رئيسية تتفرع إلى عدد من المؤشرات الفرعية، وهي سيادة القانون (الحق في الملكية، نزاهة الحكومة، الفعالية القضائية)، وحجم الحكومة (الإنفاق الحكومي، الثقل الضريبي، السلامة الجبائية)، وفعالية الإجراءات التنظيمية (حرية الأعمال، حرية العمل ، الحرية النقدية)، وانفتاح السوق (حرية التجارة، حرية الاستثمار، الحرية المالية).
وبخصوص سيادة القانون، سجّل التقرير بأن الملكية في الجزائر يضمنها القانون وهي متاحة، إلا أن معظم العقارات والأملاك هي في يد الحكومة. ويذكر كذلك أن النظام القضائي ضعيف وبطيء وغامض، بينما القطاعات التجارية والعمومية ينخرها الفساد، خاصة في قطاع الطاقة. وقدّر بأن نصف المعاملات الاقتصادية تتم في القطاعات الموازية.
وفي المؤشر الخاص ب"حجم الحكومة"، ذكر التقرير أن نسبة الاقتطاع الضريبي الأكبر في الجزائر تصل إلى 35 بالمائة، في حين تبلغ الضريبة على أرباح المؤسسات 23 بالمائة. كما يوجد في الجزائر عدة ضرائب أخرى معتبرة على القيمة المضافة. وأشار إلى أن الإنفاق العام شكل 42.5 بالمائة من الناتج المحلي الخام بينما كان العجز في الموازنة في حدود 11.4 بالمائة من الناتج المحلي الخام والدين العمومي في حدود 20.4 بالمائة من الناتج المحلي الخام، وذلك خلال السنوات الثلاثة الأخيرة.
وبشأن مؤشر فعالية الإجراءات التنظيمية، فقد رصد التقرير بعض التحسينات في مناخ الأعمال، إلا أنها لا تكاد تذكر أمام العراقيل البيروقرطية الهائلة بالنسبة للعمل المقاولاتي. وأبرز أيضا أن سوق العمل يبقى غير مرن ويفتقد على الدوام إلى اليد العاملة المؤهلة.
أما عن مؤشر انفتاح السوق، فيوضح مؤشر الحرية الاقتصادية، أن التجارة الخارجية تمثل جزءا هاما من الاقتصاد الجزائري، إذ أن القيمة المشتركة للصادرات والواردات تعادل 58 بالمائة من الناتج المحلي الخام. وأفاد التقرير في هذه النقطة بأن الحواجز غير الجمركية تعرقل بشكل قوي التجارة. كما أبرز بأن السياسات الحكومية خاصة فيما يتعلق بحرية تملك الأجانب، تحد بوضوح من الاستثمارات الخارجية. أما الحصول على القروض فيمتاز بصعوبة كبيرة، ناهيك عن بدائية عمل سوق الأسهم (البورصة) والتي لا تتعدى الرساميل بها 3 بالمائة من الناتج المحلي الخام.
يذكر أن معهد هيرتاج الذي تأسس سنة 1973 من طرف الملياردير "جوزيف كورز"، هو من أهم مراكز البحث في الولاياتالمتحدة، ويقوم بإصدار تقرير عن الحرية الاقتصادية في العالم بالتعاون مع صحيفة "وول ستريت جورنال" منذ 1995.