سوسن الحياة خلال مناقشاتي الدردشية مع قرائي على النيت موضوع العلاقات العاطفية بين الشباب المحرمة شرعا، يكثر الجدال وتبادل الاتهامات بين الفتاة والشاب حول المتسبب في تكاثر الفسوق والفجور في مجتمعاتنا العربية المسلمة، فالأولى ترمي اللائمة كلها على الشاب الذي يغري الفتاة بكلامه المعسول ليوقعها في شباكه ويخطف عفتها المتمثلة في غشاء رقيق يحفظ بكارتها، ثم يتركها لينتقل إلى أخرى غير عابئ بمصير مستقبلها، أما الشاب فينفي عنه التهمة بكون الفتاة هي من أغرته بجمالها وعطرها الأخاذ ومشيتها المتبخترة ولباسها الذي يكشف عن مفاتنها، فلنترك هذان الشابين يتبادلان الاتهامات فيما بينهما ولنرجع إلى الواقع المعاش.
حينما أقارن ما بين ما تحكيه عجائز قريتي عن عفاف الماضي وبين ما نعيشه حاليا، أتعجب لهذا التدهور السلبي الذي يعيشه مجتمعنا حاليا، وأضحك ملئ شدقاي على تبادل الاتهامات بين الفتى والفتاة، فالقضية أكثر من ذلك بكثير، وعناصر هذا الانحطاط عديدة ولا تخص الشباب من الجنسين وحدهم، فالأم التي تنشغل بأمور الدنيا وتهتم بأزيائها وعطورها و(شهيوات شوميشة) ولا تهتم بتلقين دروس الحياة الفسيولوجية لابنتها فهي متهمة، والأب الذي يدلل ابنته ويوافق على تصرفاتها باسم الحداثة فهو متهم، والأخ الذي يعاكس الفتيات ويتناسى أن هناك من يعاكس أخته فهو متهم، والمجتمع الذي يتشبه بالمجتمعات الغربية الكافرة متهم أيضا، وهنا أفتح قوسين عريضين وأقول للأم والأب والأخ، زوروا أبواب الثانويات والجامعات، وقاعات السينما التي ترتادها ابنتكم وأختكم مع زملاءها الطلاب، لتتعرفوا على الواقع المر لما يحدث في هذه المواقع المنسية، واستقصوا عن مدى صحة ادعاء ابنتكم بقضاء ليلتها مع صديقتها التي ربما لا تعرفون شيئا عنها، أو لربما غير موجودة على أرض الواقع، فكم من فتاة ضيعت شبابها وفضحت أهلها أو اغتالت مستقبلها بنفسها بسبب نزوة طائشة من نزوات سن المراهقة.
ولكي أدلو بدلوي في الموضوع، دعوني أجيب على الشاب الذي ألصق التهمة كلها بالفتاة، وجعل منها مذنبة وهو الضحية، نعم، أنا مذنبة إن لم ألتزم بما قاله الله ونبيه، وجعلتُ من ما نسميه الحداثة نبراسا ينير طريقي وهو يدفعني لغياهب الظلام، أنا مذنبة إن تمايلت في مشيتي وأنا أحرك أردافي يمينا ويسارا أمام أعينك لاستمالتك، وأرسل لك عبر الهواء عينات من عطور سان لوران وضعتها لاجتذاب شهواتك من خلال حاسة الشم، وقد قال رسولنا الكريم: (أيما امرأة استعطرت ثم مرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية) أنا مذنبة إن لم أستر مفاتن جسدي أمام أعينك الشديدة التأثر بكل ما يستفز غريزتك، وأخيرا وليس آخراً، أنا مذنبة في حقي وحق مجتمعي إن استسلمت لغرائزك استجابة لنزواتي العابرة، لكنني لست مذنبة إن أحببتك حبا طاهرا شريفا، مهما كان رد فعلك؛ وبالمقابل؛ فإنك مذنب حينما تتحرش بي بكلماتك النابية وأنا في طريقي للجامعة أو وقت خروجي منها، ومذنب إن ادعيت أنك تحبني حبا طاهرا عفيفا، بينما هدفك النيل مني ومن شرفي، في الوقت الذي تستعمل نفس الأسلوب مع صديقاتي وزميلاتي، وذنبك أعظم حينما تستغل حبي الأعمى لك لتهجرني بعد أن سلبت مني أغلى ما وهبه الله لي وأنا جنينا في رحم والدتي.
هناك العديد من الفتيات فتنت عيونهن بالنظرات، وغرّتهن الهمسات، فامتلأت حقائبهن بالرسائل الغرامية المعسولة وصور الحبيب العاشق، وعاشقات وقعن في شراك العشق فجأة بسبب نظرة عابرة، أو مكالمة طائشة من شاب لا ينبض قلبه بحب طاهر بقدر ما ينبض بطمع غرائزي محض، فهناك شباب شغلوا نهارهم بملاحقة الفتيات في الأسواق وعند أبواب المدارس والكليات، وشغلوا ليلهم بالمحادثات الهاتفية وعبر الإنترنيت قصد استمالة أكبر عدد ممكن من الفتيات البريئات لضمهن للوائح تجزية أوقاتهم الفارغة وما أكثرها في زمن البطالة والعطالة، أين نحن من ما جاء به ديننا الحنيف، وحديث نبينا الكريم حينما قال: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)، أين لنا من ماضي آبائنا وأجدادنا وتراثنا المحافظ السمح، فكيف الحال اليوم مع شبابنا.. وفتياتنا.. وقد اختلوا وجعلوا من الشيطان ثالثهم وشريكا لهم في معاصيهم وآثامهم، فكم من أعين دمعت.. وأسرا شردت.. وأجنة في الخلاء أهملت.. وأنفس زهقت جراء لحظة طيش من طرف شابة لشهواتها استسلمت وللذائد الدنيا انساقت..
قال عز وجل: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"، صدق الله العظيم، والسلام عليكم ورحمة الله.