يخلد المجتمع الدولي غدا الخميس الذكرى ال67 لليوم العالمي لحقوق الإنسان في سياق خاص يطبعه أساسا تعاظم خطر الإرهاب وتفاقم مآسي اللاجئين الفارين نحو أوروبا من ويلات الحروب والنزاعات المسلحة، خاصة بسورية والعراق. وتمثل الهجمات الإرهابية الدموية التي استهدفت، مؤخرا، عددا من البلدان كفرنسا وتونس ولبنان، أبرز تحدي للمجتمع الدولي الذي لا يزال منقسما بشأن التعاطي مع بؤر التوتر وخاصة بسورية، في ظل تباين استراتيجيات القوى الدولية والإقليمية بشأن إنهاء الأزمة السورية والقضاء على تنظيم "داعش" الذي يسيطر على مناطق شاسعة بسوريا والعراق ويتوفر على إمكانات هائلة وقدرة على الاستقطاب عابرة للحدود تمكنه من الضرب في أماكن متعددة.
ويثير تزايد خطر الإرهاب الذي يستهدف المدنيين الأبرياء في الأماكن العامة قلقا كبيرا لدى الأممالمتحدة، وكذا الحكومات والحقوقيين لما يشكله ذلك من انتهاك وهدر لحقوق الإنسان وفي مقدمتها الحق في الحياة.
وفي هذا الصدد، أكدت رسالة الأممالمتحدة الصادرة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان 2015، أن "الإرهابيين قد اختطفوا الدين في جميع أنحاء العالم، وخانوا روحه الأصيلة بقتلهم الأبرياء باسمه. بينما يقوم آخرون باستهداف الأقليات الدينية ويستغلون مخاوف الناس لتحقيق مكاسب سياسية".
وتؤكد استراتيجية الأممالمتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب التي اعتمدتها الدول الأعضاء بالجمعية العامة في شتنبر 2006 أن الأعمال والأساليب والممارسات الإرهابية بجميع أشكالها ومظاهرها أنشطة تهدف إلى تقويض حقوق الإنسان والحريات الأساسية والديمقراطية، وتهدد السلامة الإقليمية للدول وأمنها، داعية المجتمع الدولي إلى تعزيز التعاون من أجل منع الإرهاب ومكافحته.
وفي هذا السياق، يشكل المغرب نموذجا متميزا في مجال التنسيق وتعزيز التعاون الدولي من أجل محاربة الإرهاب، وقد برز ذلك بشكل جلي في الأحداث الإرهابية الأخيرة التي هزت باريس حيث اضطلع المغرب بدور فعال للوصول إلى منفذي الأحداث وبالتالي منع حدوث هجمات أخرى تخلف مزيدا من الضحايا.
وقد حرص الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، عقب هذه الهجمات، على استقبال جلالة الملك محمد السادس بقصر الاليزيه في 20 نونبر الماضي للتعبير عن شكره للمساعدة الفعالة التي قدمها المغرب على إثر تلك الاعتداءات.
كما أشاد كبار المسؤولين البلجيكيين والأوربيين بدور المغرب وتعاونه الوثيق، وكذا فاعليته في مجال محاربة الإرهاب وتبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية.
وتحظى التجربة المغربية في مجال مكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب بإشادة دولية واسعة، خاصة أن المغرب اعتمد مقاربة متعددة الأبعاد في هذا المجال شملت إصلاح الحقل الديني وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال للتصدي للأسباب الفكرية المغذية للتطرف والإرهاب، مع إرساء مقاربة تنموية اقتصادية واجتماعية مندمجة وشاملة، ضمن مناخ من الانفتاح السياسي، لكن مع الحفاظ على اليقظة الأمنية ونهج تدابير استباقية مكنت من كشف وتفكيك العديد من الخلايا الإرهابية.
ومن أجل قطع الطريق على دعوات إلصاق الإرهاب بدين أو جنسية ما، شددت استراتيجية الأممالمتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب على أنه لا يجوز ولا ينبغي ربط الإرهاب بأي دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة عرقية، وهو ما يؤكد عليه المغرب باستمرار في مختلف المحافل الدولية والإقليمية.
وإلى جانب تحديات الإرهاب، تتصدر قضايا الهجرة واللجوء جدول أعمال المجتمع الدولي وبالأخص بلدان الاتحاد الأوروبي في ظل تفاقم مأساة اللاجئين الفارين من النزاعات المسلحة والحروب نحو أوروبا وما رافق ذلك من انتهاكات واسعة لحقوقهم الأساسية.
وفي هذا الصدد، لفتت رسالة الأممالمتحدة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان أن العالم لم يشهد منذ الحرب العالمية الثانية هذا العدد الضخم من الناس الذين أجبروا على الفرار من منازلهم.
وقالت الرسالة "وهم إذ يفرون فإنما يفرون من الحرب والعنف والظلم عبر القارات والمحيطات، وكثيرا ما يخاطرون بحياتهم".
وقد لجأت العديد من البلدان الأوربية لوقف تدفق المهاجرين إلى اتخاذ إجراءات صارمة على الحدود "حرمت اللاجئين من الحصول على اللجوء وعرضت اللاجئين والمهاجرين لسوء المعاملة ودفعت الناس إلى القيام برحلات بحرية تهدد حياتهم" بحسب تقارير منظمات دولية.
وردا على ذلك، ترى الأممالمتحدة أنه "يتعين علينا أن نفتح أبوابنا لهم لا أن نغلقها في وجوههم وأن نضمن لهم جميعا الحق في طلب اللجوء دون أي تمييز. وينبغي أيضا أن يتمتع المهاجرون الذين يسعون إلى الخروج من ربقة الفقر واليأس بحقوق الإنسان الأساسية".
وفي هذا السياق، كان المغرب سباقا إلى تبني سياسة إرادية جديدة وطموحة في مجال الهجرة واللجوء، مكنت من تسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين المقيمين فوق التراب المغربي. وقد حظيت هذه السياسة بإشادة دولية وإقليمية واسعة النطاق لما تتضمنه من أبعاد إنسانية وحقوقية واجتماعية متكاملة.
وعلاوة على تحديات الإرهاب والهجرة واللجوء، تشكل الذكرى ال67 لليوم العالمي لحقوق الإنسان مناسبة أيضا للوقوف على وضع حقوق الإنسان وإبراز جوانب التقدم في مجال تكريس احترام حرية الرأي والتعبير ومختلف الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واللغوية، وتسليط الضوء بالمقابل على انتهاكات حقوق الإنسان وسبل التصدي لها.
وينضاف إلى تميز جهود المملكة في مجال الهجرة واللجوء ومحاربة الإرهاب وتعزيز التعاون الدولي في هذه المجالات، التقدم الذي سجله المغرب على مستوى تعزيز الديمقراطية من خلال تنظيم انتخابات حرة وديمقراطية مكنت من إرساء مؤسسات تمثيلية منتخبة وطنيا وجهويا ومحليا، فضلا عن مواصلة الجهد لتكريس احترام حقوق الإنسان وإقرار المساواة والمناصفة بين الجنسين والانضمام الى المعاهدات والصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الانسان وآخرها البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبات القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة.