كتبت صحيفة "لوموند" في عددها الصادر اليوم الجمعة، أن تراجع أسعار البترول من 125 إلى 50 دولارا للبرميل حد بشكل ملحوظ من مداخيل الجزائر، التي تشكل مداخيل المحروقات 60 في المئة من ميزانيتها وحوالي 98 في المئة من عائدات الصادرات. وأشارت الصحيفة في مقال بعنوان "نهاية البترول الباهض تهز الجزائر"، إلى أن السلطات الجزائرية، واقتناعا منها بأن انخفاض سعر برميل البترول لن يستمر إلا لفترة قصيرة، لجأت إلى الاحتياطيات الوطنية، خاصة احتياطيات الصرف وصندوق ضبط الموارد التي نفذت بشكل سريع.
وبالنظر إلى أهمية المقال فقد ارتاينا نشره معربا بالكامل:
لا يظهر إلا في مناسبات نادرة على شاشات التلفزيون وغالبًا خلال زيارات الزعماء الأجانب، ولا تنشر له صورًا إلا لرجل ضعيف يتحدّث بصعوبة، وأشاد زوّاره على غرار وزير الشؤون الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ب “فطنة” الرجل، ولكنّهم لم ينجحوا في طمأنة هذا البلد الّذي لا يعرف من يحكمه وإلى أين يذهب.
وبعد مرور عام على إعادة انتخاب عبد العزيز بوتفليقة إلى الرئاسة، تبدو الجزائر قلقة على نحو متزايد إذ صرّح أحد قادة المعارضة والمرشّح الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة علي بن فليس: “لقد أمضينا سنة بيضاء للدولة والمجتمع الجزائري؛ ولئن أجريت انتخابات لحلّ المشاكل فإنّ ما من أزمة قد حلّت في حين أنّ البلاد تمرّ بمأزق سياسي واقتصادي واجتماعي”.
خلال العام، عقدت فقط 5 مجالس وزراية، والنشاط التشريعي منخفض ف “في عام 2014، تمّت إحالة 27 مشروع قانون فقط من قبل الحكومة إلى المجلس الّذي لا يكتفي بعدم لعب دوره في خلق قوّة مضادّة للتوازن، بل يبدو “غير نشط” حسب الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز الرحبي الّذي استنكر “المؤسسات المشلولة والرئيس المعزول الّذي لا واجهة له إلّا أخيه [سعيد بوتفليقة]”.
خطر أزمة اقتصادية كبرى
تسعى السلطات إلى خداع الناس بالتغيير، إذ تمّ الإعلان عن تعديل وزاري يوم 14 مايو وبعد 10 أيّام بثّ التلفزيون صورًا لعبد العزيز بوتفليقة عند ترأسه لاجتماع مجلس الوزراء وهو الأول منذ ديسمبر 2014 ولكنها فشلت في الإقناع إذ “سعت لخلق حد لتعطي انطباعًا بأنّ للرئيس حياة سياسية في حين أنه لا يمتلك في واقع الأمر أي أجندات داخلية”، حسب الرحبي.
زاد التعديل من الارتباك في حين أنّه موجه لضمان سير الدولة إذ ورث الوزير المكلّف بالشؤون الأفريقية والمغاربية عبد القادر مساهل التعاون الدولي، ووضعه هذا القرار في منافسة مع وزير الشؤون الخارجية رمضان العمامرة وبعد أربعة أيام صدر مرسوم رئاسي يعيد وضع التسلسل الهرمي من خلال تكليف العمامرة بالتعاون الدولي وترقيته إلى وزير دولة.
ورأى الكثيرون في هذا القرار تجليًّا للحرب بين الفرق المتنافسة في هرم الدولة، ورأى فيه آخرون مشاجرة جديدة في مراكز صنع القرار وقد كتب الصحافي في صحيفة الوطن الجزائري حسن والي: “اليوم، نواجه السياسة غير الرسمية”.
والشعور بالفراغ ليس جديدًا ولكنه بات أمرًا طارئًا في مواجهة خطر الأزمة السياسية الكبرى، إذ أدّى تراجع أسعار النفط من 125 دولارًا إلى 50 دولارًا خلال عام وصعوده الحالي إلى 60 دولارًا إلى تجفيف عائدات البلاد بشكل كبير باعتبارها تستمدّ من النفط والغاز 60 % من ميزانيتها ونحو 98 % من عائدات صادراتها.
الشلل
اقتناعًا منها بأنّ انخفاض أسعار النفط سيكون قصير الأجل، استخدمت السلطات في الاقتصاد الوطني احتياطاتها من النقط الأجنبي وصندوق استقرار الأسعار، ولكنّها ذابت كالثلج تحت أشعّة الشمس ولن تسمح لها بتدارك عجزها لأكثر من ثلاث أو أربع سنوات، وللمرّة الأولى اعترف الوزير الأوّل عبد المالك سلال يوم الاثنين 25 مايو بخطورة الأزمة.
ويجب على البلاد أن تجد بديلًا للموارد المتناقصة في حين أنّها لم تستثمر قطّ في تطوير قطاعات اقتصادية أخرى كالصناعة الّتي تساهم في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 5 %، ويأسف الجزائريون إلى أنّ البلاد تستورد كلّ شيء (تقريبًا) بما في ذلك البرتقال، وفي عام 2014 ارتفعت فاتورة الواردات إلى نحو 60 مليار دولار ممّا اضطر السلطات إلى اتّخاذ إجراءات للحدّ من الواردات وأوقفت مشاريع البنى التحتية الكبرى وشجّعت على الاستهلاك المحلي ولكنها حتى الآن لم تفكّر في النظر في التحويلات الاجتماعية –دعم المواد الغذائية والبنزين وغيرها– وهي سياسة مكلفة (حوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي) ولكنّ تضمن للسلطات السلم الاجتماعي.
الاحتجاجات
في مواجهة هذا الشلل، سعت المعارضة ليكون لها صوت إذ أطلق علي بنفليس حزبه “طلائع الحريّات”، وسيعقد يومي 13 و14 يونيو مؤتمره التأسيسي، ومن المتوقّع أن تجتمع التنسيقية الوطنية للحريات والانتقال الديمقراطي يوم 6 يونيو، وهي ائتلاف ظهر في عام 2014 لمقاطعة الانتخابات الرئاسية، ونجح في الجمع لأوّل مرّة بين الإسلاميين والعلمانيين. ويصرّح سفيان الجلالي رئيس حزب “جيل جديد” والعضو في التنسيقية: “هدفنا في السعي على التأثير حتّى نشهد انتقالًا متفاوضًا عليه” معتبرًا أنّ “المعارضة بصدد كسب متعاطفين” معترفًا بأنّ “الجزائريين يخافون من سوء التفاوض على التغيير على الرغم من رغبتهم في حصول تغيير جذري“.
إذ إنّ الجزائريين اللّذين عاشوا العقد الأسود في السنوات ال 1990 وشهدوا على الفوضى الليبية والسورية والمتمتّعين بالعائدات النفطية عبر الدعم والمساعدات الاجتماعية يفضّلون الاستقرار المميت أحيانًا على خطر الفوضى، ويشير عالم الاجتماعي ناصر جابي إلى أنّ “المعارضة باتت أكثر تواجدًا في الأشهر الأخيرة ولكنها لم تتمكّن من تحريك الشارع، فالسياسة الاجتماعية للتوزيع الّتي تقودها الدولة أدّت إلى وضع لم يعد يقدّم الشعب فيه أي مطالبات على المستوى السياسي“.
ولكن الاحتجاجات قائمة ففي السنة الماضية شهدت البلاد حراكًا غير مسبوق، إذ تظاهر مئات العناصر الأمنية في سبتمبر 2014 حتّى أمام مقرّ الرئاسة للتنديد بظروف العمل، ومنذ نحو شهر بدأ الحرس البلدي مواجهة مع السلطات للحصول على اعتراف بحقوقهم. أمّا الحدث الأبرز فيتمثّل في الاحتجاج ضدّ استغلال الغاز الصخري في عين صالح في الشمال، والذّي حرّك المنطقة المعروفة بهدوئها لعدّة أشهر. و”لكن لا تمتلك هذه الحركات أي تجذّر سياسي”، حسب جابي.
العائدات النفطية ستجفّ على المدى المتوسط
إلى متى يمكن أن يستمرّ هذا الوضع؟ يريد الكثير من المعارضين التصديق بأنّه قد يستمر إلى الأبد في حين أنّ الثروة النفطية الّتي سمحت حتّى الآن بضمان السلم الاجتماعي ستجفّ على المدى المتوسّط، وقد قال عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم المعارضة (إخوان مسلمون): “خلال الحملة الانتخابية في عام 2014 قالوا لنا أنّ الولاية الرابعة ستكون حقبة جديدة بالنسبة للجزائر وسقط كلّ شيء في الماء في غضون عام واحد. السراب قد تبدّد والجميع يدرك الآن خطورة الوضع الّتي حذّرت منها المعارضة منذ سنوات“.
لا تزال مسألة الخلافة دون حلّ فهل أن المناورات وراء الكواليس والفرق –فرقة الرئيس وهيئة الأركان العامّة للجيش والمخابرات وشبكات الأعمال- ستتسارع؟ يغذّي غموض النظام جميع أشكال الإشاعات والتفسيرات، وهكذا اعتبرت استقالة رئيس التجمع الوطني الديمقراطي –الحزب الثاني في المجلس بعد جبهة التحرير الوطنية– وفقًا للصحافة الجزائرية بابًا مفتوحًا لعودة أحمد أويحيى، رئيس الحكومة السابق الّذي ينظر إليه كخليفة محتمل. وقد صرّح أكاديمي جزائري: “نحن معلّقين على حسب حالة الرئيس وسعر النفط“.
وفي الجزائر العاصمة، تختلط المرارة بنوع من العزوف، إذ يشير أحد سكان العاصمة ناظرًا إلى المسجد الكبير في الجزائر الّذي أوكل إلى شركة صينية والّذي قدّرت تكلفته بنحو 1.5 مليار دولار: "لم يهتم أي شخص لهذا التعديل الوزاري ولقد أجري فقط لإيهام الشعب بأنّهم يعملون. يريدون كسب الوقت والاستمرار في أعمالهم قبل الرحيل".