1- كلما طلع علينا بدر الحكومة والوزير الناطق الرسمي باسمها خالد الناصري في القنوات الفضائية لا يكلُّ ولا يملُّ بمناسبة أو دونها من الحديث عن "النموذج الديمقراطي المغربي"، والترويج لبضاعة انتهت صلاحيتها بعد الروح السياسية الجديدة التي انبعثت مع دينامية حركة 20 فبراير وخروج الشعب للمطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد. وهذا يعني أن الوزير لا يزال يؤمن بنظرية الاستثناء المغربي التي تهاوت أسسها ومبادئها منذ الخروج الكبير عن "المنهجية الديمقراطية" وتوابع "الردة" السياسية والحقوقية والإعلامية، ما يجعل كلامه يصيب المتلقي بالإحباط واليأس. فلا يكاد (المتلقي) يتمثل حقائق طروحاته التي لا علاقة لها بواقعنا السياسي وصيرورته (وتطلعاتنا وآمالنا)، الأمر الذي يحوِّل موظفي الدولة إلى شعراء القبيلة ولسان حالهم يقول وما نحن إلا من غزية. 2- إن كلام الوزير عن النموذج الديمقراطي المغربي يؤكد أن موظفي الدولة معزولون عن محيطهم الاجتماعي والسياسي، ويعيشون خارج سياق التحولات العميقة التي يشهدها الواقع السياسي المغربي، وكذلك خارج الزمن الثوري الذي يعصف بالأنظمة غير الديمقراطية في العالم العربي. ولا يُشْبِهُونَ مواطنيهم الذين تجاوزوا طروحاتهم الدعائية وفرضوا قواعد جديدة في التغيير والإصلاح السياسي، فتحوَّلوا إلى قوة لا يمكن أن لا يُسْمَعَ لصدى أصواتهم في الشوارع والساحات والفضاءات العمومية وهم يطالبون بإسقاط الفساد والاستبداد، وإرساء نظام سياسي ديمقراطي من أجل الحرية والكرامة وحقوق الإنسان رافعين صور المفسدين المسؤولين عن الإفساد السياسي والاقتصادي والإعلامي.. 3- هذا الحراك الاجتماعي والسياسي وحده الذي يسمح بقياس صلاحية خطاب الوزير ومصداقيته، ويُحَاجِجُ مضمونه إن كان يوائم واقع المؤسسات السياسية والدستورية وفضاء العمل السياسي في البلاد. ويوضح، أي الحراك، السخط الذي يُواجهه هذا الخطاب في المسيرات والمظاهرات بالمدن والقرى والمداشر، ويؤكد أن الطبقة السياسية لا علاقة لها بنبض المجتمع، بل تفصلها سنوات ضوئية عن الحركة الشبابية والمجتمعية التي تحلم بديمقراطية ناجزة دون تشويه أو عيوبٍ خَلْقِيةٍ. ويكفي أن يتذكَّر السيد خالد الناصري، وهو العالم ببواطن الأمور، لائحة ليلة القدر التي نزلت من السماء! وأن الموظف الأول في الحكومة كلما تحدث عن الوزارة إلا وقرنها ب"حكومة صاحب الجلالة"، والرجل يَتَقَصَّدُ ما يقول. 4 محمد الراجي - خطاب الوزير الحداثي شكلاً والدعائي سياسياً وإعلامياً (وكذلك خطاب الطبقة السياسية المشاركة في السلطة) هو المسؤول سياسياً ومعنوياً عن السنوات السبع العجاف التي عاشها المغرب، وعن التمديد لأعوام القحط والجدب السياسي. فلم يتحقق الانتقال الديمقراطي الذي أَجهض أحلامنا في الديمقراطية! ولم يكتمل المسلسل المغربي (المكسيكي المدبلج) للديمقراطية! ولم يُنْجَزْ مشروع المجتمع الحداثي الديمقراطي!. ورغم ذلك استطاب الجميع الكراسي وتنافس المتنافسون في الترويج لموت المخزن، بل ظل هؤلاء الساسة يُراقبون ويتفرَّجون على المشهد الذي يُصنع أمام أعينهم بعد ولادة الحزب السلطوي واستلهام نموذج البنعلية الذي كان سيدير دفة البلاد نحو المجهول ويجلب الخراب والدمار للبلاد. لكن لا يمكن أن ننكر توسُّل البعض للتغيير بالمذكرات لبناء دولة القانون والمؤسسات، والتي كانت تُحفظ في الثلاجة حتى تتجمَّد!. وهنا نسأل، هل نصدِّق خطاب السيد الوزير عن النموذج الديمقراطي المغربي أم خطاب رئيس حزبه الذي يطالب بالملكية البرلمانية؟ ويدعو إلى "استبدال" بعض مسؤولي وزارة الداخلية، لأنهم تعاملوا مع جهة سياسية (ويقصد الحزب السلطوي)؟ ثم هل نصدِّق كلام الوزير عن النموذج الديمقراطي أم خطاب المذكرات الذي يحلم بنظام سياسي ديمقراطي؟!. اعتقد أن "الديك لا يبيض"!. 5- أتفهم حديث الوزير عن النموذج الديمقراطي المغربي إذا كان المقصود الديمقراطية المشبعة بِالمَخْزَنِة، أما الكلام عن حالة الاستثناء الديمقراطي ودولة القانون والمؤسسات فهو بضاعة خطابية إنشائية قد يشتريها أناس لا يشبهوننا. ولا يمكن أن يقدم الوزير شيئاً آخر غير هذا الخطاب الذي يدخل السرور على قلب من يريد سماعه، ويفتح شهية التحكم والضبط لمن يريد حياكة الجلباب على المقاس. ولعل الشواهد كثيرة في المسيرة النضالية الاجتهادية للوزير في السلطة، والتي تكشف حقيقة النموذج الديمقراطي الذي يُروِّج له. سَيَذْكُرُ التاريخ، ولن يستطيع الوزير أن يمحو من صفحاته، أن السيد خالد الناصري كشف تفاصيل البحث التمهيدي في قضية المعتقلين السياسيين الستة الذين تمتعوا بعفو ملكي، ووزَّع الإدانات وقرَّع المشككين في الرواية الرسمية!!. وهنا نسأل، هل النظام الديمقراطي يسمح لسعادة الوزير بالتأثير على القضاء وسير المحاكمة ومحاولة تكييف الرأي العام؟! بينما لم يتمكن حينها دفاع المتهمين من الاطلاع على محاضر الشرطة القضائية لموكليهم!. 6- سيذكر التاريخ، ولن يستطيع الوزير أن يمحو من صفحاته، أن عهد السيد خالد الناصري كان حافلاً وعامراً بالتراجع في مجال الحريات الإعلامية، بل صفحة سوداء في تاريخ الصحافة بالمغرب. ويمكن للوزير أن يرجع إلى تقارير المنظمات الدولية المعنية بحرية الصحافة والتعبير فيطلع على تصنيف مرتبة المغرب، وكان آخرها تقرير مؤسسة "فريدم هاوس". طبعاً سيرد الوزير أن هذه المنظمات الدولية تعتمد مؤشرات غير موضوعية وتتجاهل جهودنا في توسيع حرية التعبير وحرية الصحافة قياساً مع المراحل السابقة أو دول الجوار!. وسيذكر التاريخ، ولن يستطيع الوزير أن يمحو من صفحاته، أن عهد السيد خالد الناصري كان ثقيلاً بالمحاكمات التي جُرْجِرَ فيها الصحافيون وزُجَّ بهم في السجون، وآخرهم مدير نشر صحفية "المساء" رشيد نيني، ولا تعدم الجهات المعنية الأدلة في تكييف "الجنح"!. فهذا نشر خبراً زائفاً بسوء نية، وذاك مَسَّ بأمن وسلامة الوطن والمواطنين. وهنا نسأل السيد الوزير، هل دولة الحق والقانون أو لنقل النموذج الديمقراطي (أفضل) يلجأ لمقتضيات القانون الجنائي في قضايا النشر لمتابعة الصحافيين؟ وما الجدوى من قانون الصحافة؟! (هل ينتظر هو الآخر دورته الحداثية؟!). وقبل ذلك نسأل السيد الوزير، أَلاَ يمس الإعلام الحكومي بأمن وسلامة المواطنين؟ لأن الجمهور أصبح يدرك أن الوظيفة الإخبارية للتلفزيون الرسمي تخضع ل"الهيمنة الناعمة"، إذ يُتحكم في مدخلاتها ومخرجاتها، ما يجعل الخطاب الإعلامي مُفَرَّغاً من الوظيفة التنويرية والتثقيفية فيصبح التعدد والاختلاف شكلياً، وفي المقابل ينشغل بالوظيفة الترفيهية المحددة لأجندته الإخبارية. ولا شك أن الوزير سمع بالشعار المُبْدِع الذي صدحت به حناجر المتظاهرين خلال مسيراتهم "الجزيرة تفضح ودوزيم تشطح". لا أدعو الوزير خالد الناصري لأن يقلِّد الجزيرة أو يُحاكي نهجها الإخباري وأسلوبها في التغطية الإخبارية، ولكن ليتأمل الجزء الثاني من الشعار (دوزيم تشطح) عساه يستمع لنبض المجتمع وأحلامه في إعلام مواطن. فهل يَسُرُّه هذا اشْطِيحْ؟. 7- سيذكر التاريخ، ويستطيع الوزير أن يفعل ذلك ليحفظه في صفحات نضاله المجيدة والخالدة، أن السيد خالد الناصري قرَّر الاستقالة من منصبه بعد فشله في أداء مهامه. وسيُجرِّب اليوم أن يكون ناطقاً رسمياً باسم الحركة المجتمعية المطالبة بإصلاح قطاع الإعلام، ولِمَ لاَ بإسقاط الاستبداد والفساد والمفسدين النهَّابين للمال العام (هؤلاء الذين يمسون بالفعل والقوة بسلامة الوطن والمواطنين!). وكذلك سيجرِّب أن يكون ناطقاً باسم الحركة المجتمعية لإرساء نظام سياسي ديمقراطي عنوانه الملكية البرلمانية. هل يستطيع أن يفعل؟. لا اعتقد.