يحتفل الشعب المغربي اليوم، وفي 20 غشت من كل سنة، بذكرى ثورة الملك والشعب الخالدة، التي اندلعت شرارتها سنة 1953م، باعتبارها ملحمة عظيمة في مسلسل الكفاح الوطني الذي خاض غماره الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد من أجل حرية الوطن وتحقيق الاستقلال. لقد شكلت ثورة الملك والشعب حدثا تاريخيا عظيما، توج بالنصر الكفاح الذي انطلق غداة توقيع معاهدة الحماية سنة 1912م وخلد أروع صور الوطنية الصادقة وأغلى التضحيات في سبيل الوطن.
وقد تعددت محطات الكفاح الوطني، في ظل الاستعمارين الفرنسي والاسباني، بدءا بالمعارك التي خاضها المجاهدون في مختلف ربوع المملكة في مواجهة الاحتلال، أو بالنضال السياسي الذي اعتمدته الحركة الوطنية منذ بداية الثلاثينيات من القرن العشرين وخاضته بقيادة بطل التحرير ورمز المقاومة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، أو الانتفاضات الشعبية العارمة بعد سنة 1953م وانطلاق المقاومة الفدائية وأعمال جيش التحرير.
إن سجل الكفاح الوطني المرير حافل بالأمجاد والبطولات، مليء بالمفاخر والملاحم، وإن الذاكرة الوطنية لتحتفظ بما صنعه الآباء والأجداد من أعمال وطنية دفاعا عن المقدسات الدينية والوطنية من هذه البطولات معارك «الهري» «وأنوال» «وبوغافر» وغيرها من المعارك التي لقن فيها المجاهدون لقوات الاحتلال دروسا في الصمود والمقاومة والتضحية.
ومن أشكال الكفاح الوطني ما قامت به الحركة الوطنية من نضال سياسي ترتكز فيه بالأساس على نشر الوعي الوطني في صفوف الشباب وداخل أوساط المجتمع المغربي بمختلف طبقاته كما عملت على التعريف بالقضية المغربية في المحافل الدولية مما كان له كبير الأثر على الوجود الاستعماري الذي كان يواجه النضال السياسي الوطني بإجراءات تعسفية ومخططات مناوئة للفكر التحرري الذي تبنته الحركة الوطنية بقيادة أب الأمة المغربية المغفور له محمد الخامس قدس الله روحه.
ومن أبرز المخططات الاستعمارية تلك التي حاولت التفريق بين أبناء الشعب المغربي وتفكيك وحدتهم وطمس هويتهم الدينية والوطنية بإصدار ما سمي بالظهير البربري يوم 16 ماي 1930 لكن المخطط سرعان ما باء بالفشل حيث أظهر رجال الحركة الوطنية للكيان الاستعماري تشبث المغاربة قاطبة بهويتهم ووحدتهم وتعلقهم بالعرش العلوي المجيد.
ومن مظاهر الصراع الذي كان قائما بين سلطات الحماية إقدام رجال الحركة الوطنية على تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال إلى سلطات الحماية يوم 11 يناير 1944م بتنسيق مع بطل التحرير المغفور له محمد الخامس أكرم الله مثواه، وما عقب ذلك من ردود فعل استعمارية وحشية حيث تم اعتقال بعض رموز الحركة الوطنية. والتنكيل بالمغاربة الذين أظهروا حماسا وطنيا منقطع النظير عبروا من خلاله عن مساندتهم لمضمون الوثيقة التاريخية.
ومن أبرز هذه المحطات التاريخية التي ميزت مسار الكفاح الوطني الزيارة التاريخية التي قام بها بطل التحرير إلى طنجة يوم 9 أبريل 1947م تأكيدا على تشبت المغرب، ملكا وشعب، بحرية الوطن ووحدته الترابية وتمسكه بمقوماته وهويته.
كان لهذه الزيارة الميمونة الأثر العميق على علاقة الإقامة العامة بالقصر الملكي حيث اشتد الصراع، خاصة وأن المغفور له محمد الخامس لم يخضع لضغوط سلطات الحماية المتمثلة أساسا في مناهضة الحركة الوطنية والوقوف ضد مصلحة الوطن. فكانت مواقفة الرافضة لكل مساومة سببا في تأزم الوضع وإقدام سلطات الحماية بمحاصرة القصر الملكي بواسطة القوات الاستعمارية يوم 20 غشت 1953م طالبة من المغفور له محمد الخامس أكرم الله مثواه التنازل عن العرش ففضل طيب الله ثراه النفي على أن يرضخ لإرادة الاحتلال مصرحا بكل ما لديه من إيمان بالله وعدالة القضية المغربية بأنه الملك الشرعي للأمة وأنه لن يخون الأمانة التي ألقاها شعبه الوفي على عاتقه والمتمثلة في كونه سلطان الأمة الشرعي ورمز سيادتها.
وأمام هذه المواقف الوطنية السامية التي أبرزها بطل التحرير بكل عزم وإقدام وبكل شجاعة وإباء، أقدمت سلطات الاحتلال على تنفيذ جريمتها النكراء بنفيه ورفيقه في الكفاح فقيد العروبة والإسلام، المغفور له الحسن الثاني رحمة الله عليه والأسرة الملكية الشريفة يوم 20 غشت 1953م إلى جزيرة كورسيكا ومنها إلى مدغشقر.
وما إن عم الخبر في ربوع المملكة وشاع في كل أرجائها حتى انتفض الشعب المغربي انتفاضة عارمة وتفجر غضبه في وجه الاحتلال الأجنبي وبدأت بوادر الجهاد تنظم وتشكلت خلايا المقاومة الفدائية والتنظيمات السرية وانطلقت العمليات البطولية لضرب غلاة الاستعمار ومصالحه وأهدافه. وتجلى واضحا من ذلك عزم المغاربة وإصرارهم على النضال المستميت من أجل عودة الشرعية وإعلان الاستقلال، فمن العلم البطولي للشهيد علال بن عبد الله يوم 11 شتنبر 1953 الذي استهدف صنيعة الاستعمار، إلى عمليات شهيرة للشهيد محمد الزرقطوني ورفاقه في خلايا المقاومة بالدار البيضاء وعمليات مقاومين ومجاهدين بمختلف مدن وقرى المغرب لتتصاعد وتيرة الجهاد بالمظاهرات العارمة والانتفاضات المتوالية وتتكلل بانطلاق جيش التحرير بشمال المملكة في أكتوبر 1955م.
إن اندلاع ثورة الملك والشعب محطة تاريخية حاسمة وفاصلة بين فترة الحماية وعهد الاستقلال، استهدفت تحقيق حلم الأمة المتمثل في رجوع بطل التحرير ورمز المقاومة المغفور له محمد الخامس طيب لله ثراه حاملا معه لواء الحرية والاستقلال معلنا عن الانتقال من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر من أجل بناء المغرب الجديد.
وسيرا على نهج والده المنعم، خاض الملك الموحد المغفور له الحسن الثاني رضوان الله عليه معركة استكمال الوحدة الترابية، فتم في عهده استرجاع "سيدي إيفني سنة 1969م" كما تم في عهده استرجاع أقاليمنا الجنوبية سنة 1975م بفضل المسيرة الخضراء المظفرة التي تعتبر حدثا وطنيا عظيما وارتفع العلم الوطني في سماء العيون يوم 28 فبراير 1976م وفي غشت من سنة 1979م تم تعزيز استكمال الوحدة الترابية باسترجاع إقليم "وادي الذهب".
ويعيش الشعب المغربي اليوم عهدا جديدا بقيادة جلالة الملك محمد السادس الذي يسير نحو مدارج التقدم والازدهار مواصلا مسيرة الجهاد الأكبر وبإعمال الدلالات الجديدة والملهمة لمفهوم السلطة وتوطيد دعائم الديمقراطية وتفعيل آليات صيانة حقوق الإنسان وتحقيق نهضة كبرى على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، ترسم للمغرب معالم مستقبلية واعدة في وطن يتمتع بحريته وبوحدته الترابية التي تحققت بعد كفاح وطني مرير بفضل التحام إرادة العرش العلوي المجيد وإرادة الشعب المغربي الأبي.