يخلد الشعب المغربي هذه السنة، بكل فخر واعتزاز ، حدثين مشرقين في تاريخ المملكة العريق يستلهم من خلالهما روح الوفاء والعطاء المستمر والتلاحم الوثيق بين العرش العلوي المجيد والشعب. إنهما بلا شك الذكرى ال61 لملحمة الملك والشعب (20 غشت)، التي جسدت أروع صور التلاحم في مسيرة الكفاح الوطني الذي خاضه الشعب المغربي الأبي بقيادة العرش العلوي المجيد، وعيد الشباب (21 غشت)، الذي يعبر عن حرص جلالة الملك محمد السادس الدائم على تأهيل هذه الفئة التي تجسد طموح الشعب حتى تضطلع بدورها كاملا في بناء مستقبل الوطن.
فقد شكلت ثورة الملك والشعب محطة تاريخية بارزة وحاسمة في مسيرة النضال الذي خاضه المغاربة عبر عقود وأجيال لدحر قوات الاحتلال، فقدموا نماذج رائعة وفريدة في تاريخ تحرير الشعوب من براثن الاستعمار. كما أعطى المغاربة عبر هذه المحطة المثال على قوة الترابط بين مكونات الشعب المغربي وتوحده قمة وقاعدة، واسترخاصهم لكل غال ونفيس دفاعا عن مقدساتهم الدينية وثوابتهم الوطنية وهويتهم المغربية.
وتكتسي هذه الملحمة في قلب كل مغربي مكانة سامية لما ترمز إليه من قيم حب الوطن والاعتزاز بالانتماء الوطني والتضحية والالتزام والوفاء بالعهد وانتصار إرادة العرش والشعب.
وقد اندلعت هذه الملحمة التاريخية يوم 20 غشت 1953 حينما امتدت أيادي الاستعمار الغاشم إلى بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس، لنفيه وأسرته الملكية الشريفة وإبعاده عن عرشه ووطنه، ليقف الشعب المغربي صامدا في وجه هذا المخطط الشنيع، مضحيا بكل وأعز ما لديه في سبيل عزة وكرامة الوطن والحفاظ على سيادة المغرب ومقوماته وعودة الشرعية والمشروعية بعودة رمز وحدة الأمة المغربية مظفرا منتصرا حاملا لواء الحرية والاستقلال.
وكان جلالة الملك محمد السادس قد أكد في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة الذكرى الستين لثورة الملك والشعب أنه "إذا كانت فئات واسعة من شعبنا الوفي ، لم تعاصر هذه الثورة ضد الاستعمار، فإنها ولله الحمد، تعيش ثورة جديدة بقيادتنا، في مجالات التنمية البشرية، والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، والمواطنة الكريمة، بنفس روح الوطنية الصادقة، والتلاحم الوثيق بين العرش والشعب". ولا يزيد الاحتفاء بعيد الشباب هذه الروح الوطنية الصادقة وهذا التلاحم بين العرش والشعب إلا قوة ورسوخا. فقد أكد جلالة الملك محمد السادس، في غير ما مرة، أن الأوراش الكبرى التي انخرطت فيها المملكة لبناء مجتمع متضامن متشبث بهويته، لا يمكن أن تحقق أهدافها إلا بسواعد الشباب المغربي وإبداعاته، واستثمار كامل لطاقاته الخلاقة.
وقد بذل المغرب مجهودات جبارة لترقية أوضاع الشباب وتمكينهم من مختلف الخدمات، التي يحق لهم الحصول عليها، والتي تساعدهم على تطوير كفاءاتهم، والاعتماد على مؤهلاتهم، والمشاركة بفعالية في الجهد التنموي.
وقد تجسد هذا الجهد في إطلاق عدد هائل من المبادرات والبرامج التي استهدفت تأهيل الشباب و تكوينه، و مساعدته على تحقيق ذاته، وتحمل المسؤولية، عبر خلق آفاق أوسع لفرص الشغل.
وبالنظر لدور الشباب في البناء والنماء، فقد حرص جلالة الملك محمد السادس على تأهيل هذه الفئة لتصير قوة ديناميكية وأداة مؤثرة في الوسط الاجتماعي والاقتصادي، إضافة إلى استثمار مؤهلاته في رسم مسار الترقية الاجتماعية وفق تدبير كفء متين ومفعم بروح المواطنة والمسؤولية. ويتجلى الاهتمام الملكي بالشباب من خلال ما استجد في دستور المملكة لسنة 2011 الذي حث السلطات العمومية على اتخاذ التدابير الملائمة لتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد، ومساعدتهم على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، وتقديم المساعدة للذين تعترضهم صعوبات في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني، وتيسير ولوج الشباب عالم الثقافة والعلم والتكنولوجيا والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات (الفصل 33).
ولتحقيق هذه الأهداف، نص الدستور على إحداث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي كهيئة استشارية في ميادين حماية الشباب والنهوض بتطوير الحياة الجمعوية، مكلف بدراسة وتتبع المسائل التي تهم هذه الميادين، وتقديم اقتراحات عن كل موضوع اقتصادي واجتماعي وثقافي، يهم مباشرة النهوض بأوضاع الشباب والعمل الجمعوي، وتنمية طاقاتهم الإبداعية، وتحفيزهم على الانخراط في الحياة الوطنية، بروح المواطنة المسؤولة (الفصل 170).
ومنذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين، حرص جلالة الملك محمد السادس على تمكين الشباب المغربي من كل الفرص التي تتيح له إبراز كفاءاته وتوظيف مهاراته، وذلك من خلال مجموعة من المشاريع والبرامج التي توفر لهذا الشباب كافة سبل النجاح، سواء تعلق الأمر بالتكوين والتأطير أو بالإدماج والانخراط.