سمعنا وقرأنا كثيرا عن قرية أنفكو بإقليم اخنيفرة والمعاناة التي طالت سكانها لسنين في صمت. ولولا المرض الغريب الذي أودى بحياة ما يناهز الثلاثين من أطفال أنفكو لما أثيرت قضية سكان هذا الربع الخالي من خريطة المغرب. أنفكو كانت ضحية الطبيعة الوعرة والمناخ القاسي وضحية لامسؤولية المسؤولين من رؤساء جماعات، قواد وعمال. وكم يكون التهميش قاسيا حينما تتحالف الطبيعة مع فساد المسؤولين. تتشابه قرى أنفكو في كثير من تفاصيلها وحيثياتها مع قرى ابن اكزين وباب امسيلة التابعتان لقيادة طهر سوق بتاونات. تبعد هاتان القريتان عن مركز تاونات بحوالي 40 كلم. الطبيعة هنا جبلية وقاسية جداً شتاءً وصيفاً وتزداد قساوةً مع انعدام شروط العيش الكريم من سكن لائق، طرق ومواصلات، ماء صالح للشرب إلخ. كل المنازل مبنية بطرق بدائية من طين وخشب وحجر يتحول السكن فيها في فصل الشتاء إلى مغامرة ومقامرة بالحياة. الطريق الوحيدة التي تربط السكان بأقرب مركز(مركز جماعة بني وليد) تمتد على طول 15 كلم وهي في حالة يرثى لها. يتكدس السكان رجالاً ونساءً وأطفالا كل صباح ثلاثاء (وهو يوم السوق الأسبوعي ببني وليد) في سيارات الميرسيديس من نوع207 . تحمل هذه السيارة ما يناهز الستون راكبا بأمتعتهم ومن لا يجد مقعدا داخل السيارة يصعد إلى السطح ومن لم يجد يتشبث أو" يتعلق" بلغة السائق واسمع يا غلاب صاحب مدونة السير ملأ أذنيك. الغريب في الأمر أنه لا أحد يتدخل قبل أن تقع الكارثة وهذا ممكن جدا بالنظر إلى الحمولة الخيالية وحالة الطريق الجبلية الوعرة والمزرية. وللإشارة فهذه الطريق السكان هم من بناها بفِؤوسهم وسواعدهم ليفكوا عزلتهم. قدر سكان هذه القرى أن يتحملوا كدحهم وفقرهم في صمت لأنهم فعلا وببراءة يعتبرون ذالك قدرا من عند الله ولا يحملون المسؤولية لأحد. جل آبائهم جاهدوا ببسالة ضد الاستعمار الفرنسي في المنطقة والقصص التي يرويها لنا كبار السن تشهد على بطولاتهم ومع ذالك فهم لا يريدون جزاءً ولا شكورا. العالم يتغير من حولهم وقراهم تزداد فقرا وعوزا. أطفالهم ينقطعون عن الدراسة (هذا إن بدأوها أصلا) مباشرة بعد المرحلة الابتدائية لأنهم غير قادرين البتة على تحمل مصاريف المرحلة الإعدادية وأيضا لبعد المدرسة. وجوههم الشاحبة وتضاريس أجسامهم أكبر دليل على معاناتهم. يحبون ملكهم حبا شديدا وعند آخر زيارة له للإقليم تركوا أعمالهم وحرثهم وخرجوا لملاقاته مهللين مكبرين هاتفين بحياة الملك، وفي المساء عادوا وكل منهم يحمل صورة للملك وعلما صغيرا. وطنيون حقا ويحبون هذا الوطن رغم أنهم لم يأخذوا منه شيء. لا يفهمون السياسة ولا يعرفون حقوقهم ولا واجباتهم، لا يعرفون محاسبة المسؤولين ولا أن هناك ميزانية للجماعة ولا مبادرة وطنية للتنمية البشرية التي لم يصلهم منها شيء. لازال المقدم أو الشيخ يثير الرعب فيهم فما بالك بالقايد أو الدركي. يتصفون بالكرم وكلما زارهم مسؤول يبتزهم ثم يثقلوه بلوزهم وتينهم وزيتهم ربما خوفا وربما كرما. إذا احتاجوا لوثيقة إدارية يُبتزون في مكاتب الجماعة ولدى الدرك بسهولة لأنهم أميون وبسطاء والبتالي فشهادة السكنى مثلا مقابلها مائة درهم. إلى متى سنضل ساكتين على منطق الإقصاء وروح الفساد؟ من سيفكر في مصلحة هؤلاء؟ من سيعيد لهم الأمل في حياة كريمة هناك بعيدا خلف الجبال؟..إذا كان خطاب الملك الأخير يؤسس لعهد جديد يكون فيه كل المغاربة سواسية في الحقوق والواجبات فإن صوت هؤلاء يجب أن يسمع.