لا تعني أرقام الاحصاء العام للسكان والسكنى سنة 2004 والتي كشفت أن عدد سكان البلاد ضمن الفئات ما بين 15 و 34 سنة يبلغ حوالي 11 مليون شخص إلا أن المغرب يتوفر على ثروة طائلة وحقيقية تفوق في حجمها ومداها وأهميتها الاستراتيجية الثروات الأخرى مجتمعة. ولن تزيد قاعدة هذا الهرم السكاني العريضة الا اتساعا في الأعوام القادمة لا سيما أن عدد السكان في الفئات الأقل من نظيرتها المذكورة يبلغ أزيد من 9 ملايين وربع المليون فرد (أزيد من 9 ملايين و 260 ألف)، أي أن هذه الثروة لن تكون عرضة للنضوب في الأمدين المتوسط والبعيد على غرار ما يحصل في بعض دول العالم التي تعصف الشيخوخة وتناقص عدد السكان بمجتمعاتها واقتصادياتها. ولا تعني هذه النسب العالية جدا للشباب بين السكان في المغرب إلا أن المملكة تتوفر، علاوة على مقدراتها الطبيعية، على ثروة من طبيعة مغايرة تماما هي الثروة البشرية التي من شأنها رفد معركة التنمية التي يخوضها المغرب بقيادة صاحب الجلالة بخط إمداد آمن ومفتوح سيساعد البلاد في اضطلاعها بالمهام التاريخية الكبرى الملقاة على عاتقها وكسب هذه المعركة. ومن المؤكد ، والشعب المغربي يحتفي بالذكرى الخمسين لميلاد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أن القرارات والمبادرات والمشاريع والمخططات التي يتم إطلاقها على يد صاحب الجلالة، بشكل منتظم ومنهجي ومتواصل وشامل، تشرع أبواب المستقبل أمام هذه الشريحة من المجتمع لا سيما في مجال تشييد البنيات التحتية والمؤسسات التعليمية والجامعات ودور الطالب والملاعب الرياضية والمؤسسات الثقافية والدينية وغيرها، وهو ما يعني أن فرص الفعل والتأثير والتغيير مفتوحة أمام الشباب الذي عادة ما يكون مشحونا بطاقات خلاقة تتطلع الى المستقبل. ويشكل القرار الملكي القاضي بتخفيض سن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية إلى ثمانية عشرة عاما فقط خطوة كبيرة جدا تكتسي أهمية قصوى حيث تجلب هذه الفئة المجتمعية العريضة الى قلب دائرة صنع القرار السياسي والمشاركة فيه والانخراط في الحياة السياسية وإدماجها بشكل كامل في المجتمع وتدبير شؤونه وصناعة المستقبل وترسيخ روح المواطنة. في المجال السياسي دائما، أعطت المقاعد ال 30 بمجلس النواب المخصصة للشباب الذكور الذين لا تزيد سنهم عن أربعين سنة برسم الدائرة الانتخابية الوطنية زخما جديدا وقوة دفع كبيرة جدا للسلطة التشريعية وممارسة الرقابة على العمل الحكومي. وتكرس خطوات من هذا القبيل مشاركة الشباب في الحياة السياسية وبناء المستقبل. وجاء دستور 2011 ليكرس هذه الحركية المتنامية والتطور المطرد والمتزايد الذي تعرفه مكانة الشباب في المجتمع والحياة العامة، فبموجب الفصل 33 من الدستور، يتعين على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد، ومساعدتهم على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، وتقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني، وتيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا، والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات، فضلا عن إحداث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي، من أجل تحقيق هذه الأهداف. ومن المؤمل أن تأتي هذه السياسات العامة التي تعنى بالشباب أكلها وتستجيب لتوقعات الشباب وطموحاتهم وانشغالاتهم وتساعد الأجيال الصاعدة على مواجهة التحديات التي تعترضها وتحد من هجرة الكفاءات التي يكلف تكوينها ميزانية الدولة نفقات طائلة ولا تستفيد من طاقتها البلاد. وفضلا عن الرياضة الذي تعد تقليديا مجالا تحتكره فئة الشباب، فإنه من الملاحظ أن عوالم المال والاعمال والثقافة والمجتمع المدني والعلوم باتت مسرحا تتفتق فيه قدرات الشباب وأحلامهم وطموحاتهم بحيث لم تعد حكرا على فئات بعينها كما كان الحال سابقا. وفي نفس السياق، يدعو معنيون بشؤون الشباب إلى "بناء مناهج ومناخات دراسية تعزز الهوية (...) المدنية والثقافة التنويرية النقدية" و"صياغة برنامج وتصورات وطنية ديمقراطية تعزز الاستقلال وفرص العمل المنتج وتوفير مناخات للتواصل ومشاركة الشباب في المحافل العربية والعالمية" والزيادة في الميزانيات المخصصة للثقافة والابداع في المؤسسات ووسائل الإعلام.
وكانت اليونيسكو قد سجلت في 2012 أن "الشباب دون سن الخامسة والعشرين يمثلون نصف سكان العالم، ،وأن هذه الفئة منبع للأفكار الابتكارية، بل إنهم مفكرو اليوم والأشخاص القادرون على حل المشاكل وحفز السلام. وكثيرا ما يكون الشباب أشد المتحمسين في العالم للدفاع عن العدالة والكرامة. إلا أنهم يحتاجون إلى وظائف لائقة وتعليم جيد وفرص تتيح الانتفاع بالثقافة للجميع. وينبغي الاستماع إلى آرائهم والعمل على إدماجهم في المجتمع". إنها محاور عمل حقق فيها المغرب خطوات هامة بفضل العناية الملكية السامية لشريحة تحمل لواء صنع المستقبل.