قبل أربعة عشرا قرنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما اجتمعت أمتي على ضلالة"، وهو قول لا يفيد التنميط كما يريد أبناء الحركة استعماله حينما يريدون، ولكن يفيد أن اجتماع الناس والفئات والتجمعات حول شيء أو هروبهم منه معيار لمعرفة مدى ميله نحو الصواب أو ميله نحو الزيغ المتبوع بالهلاك، وما عرف شيء في المغرب حالة فرار أكثر من فرارهم من اللجنة الوطنية للحوار حول المجتمع المدني التي أسسها الحبيب الشوباني، وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع، ورغم ذلك يصر الرجل على رأيه كأنه لا يسمع قوله تعالى "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك". ولا يوجد شيء في الوجود للتعبير عن الفظاظة أكثر من الإقصاء والاستئثار بالرأي. لغة واحدة ميزت تشكيل اللجنة المذكورة، لغة تعود إلى عهد قديم تجاوزه المغاربة وأصبح من ماضيهم، لغة الانفراد بالقرار وفرض الرأي الواحد ولغة الهيمنة على المجتمع المدني وتشكيل الجمعيات على المقاس وهي تعود إلى زمن كانت كل خيوط المجتمع المدني بيد وزير الداخلية الراحل إدريس البصري. والمغاربة دولة وشعبا لا يستحيون من ذكر ماضيهم والتصالح معه والتأسيس لعصر جديد.
فهل الشوباني ينصت إلى نبض الدستور وهو يتحدث بقوة عن المجتمع المدني وفي فصوله مقدما على الحكومة بعشرات الفصول، ولن يكون المشرع عابثا عندما يضع هذا الترتيب، حيث ينص الدستور على أن "تُؤسس جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وتمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون. ولا يمكن حل هذه الجمعيات والمنظمات أو توقيفها من لدن السلطات العمومية، إلا بمقتضى مقرر قضائي. وتُساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها.
وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون. ويجب أن يكون تنظيم الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وتسييرها مطابقا للمبادئ الديمقراطية. وتعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها".
وشدد الدستور منذ البداية على روح المقاربة التشاركية لكن حزب العدالة والتنمية ومنذ اليوم فهم الرتبة الأولى في الانتخابات بمنطق الغلبة وليس بمنطق الحزب الذي له الحق في قيادة الحكومة وتنسيق عمل مجموعة من المؤسسات بالشراكة مع كافة الفاعلين بمن فيهم المعارضة التي بوأها الدستور مكانة مرموقة وموقعا مهما ودعا إلى منحها كافة الوسائل للاشتغال بل منحها رئاسة أهم لجنة في مجلس النواب ألا وهي لجنة العدل والتشريع.
ونحن أمام هذا الواقع وهذه الفظاظة ليس مستغربا أن ينتفض مناضلون من كافة أطياف المشهد السياسي لعبروا عن رفضهم لهذه اللجنة لكن في إصرار على أن المجتمع المدني عصي على الاستئصال أو الخضوع، وإذا لم يتم القضاء عليه في عهد البصري، الذي شهد وبارك ميلاد العدالة والتنمية على يد الخطيب، فإنه لن يتم عن طريق من خلفهم البصري من وزراء العدالة والتنمية.
واستغرب عبد اللطيف وهبي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب أن يشغل عبد العالي حامي الدين، المشتبه في مشاركته في قتل الطالب اليساري أيت الجيد، مقررا عاما لللجنة ويقاطعها أمر يثير الاستغراب، وهذا يعني أن حزب العدالة والتنمية يضع رجلا مع المجتمع المدني ورجلا أخرى مع الحكومة. وكان منتدى الكرامة لحقوق الإنسان قد وقع بيانا مع الهيئات المشكلة للإئتلاف المغربي لحقوق الإنسان احتجاجا على غياب الديمقراطية في تشكيل هذه اللجنة.
وأضاف وهبي "انفرد بتصوره حول المجتمع المدني وعمل على استدعاء أسماء بصفتها الشخصية وليس كمؤسسات، قبل أن يقدم على تعيين رئيسها من حزب سياسي ولا يمثل أي جمعية في المقابل مقررها يقاطعها وهذا يثير الاستغراب".
وهذه اللعبة معروفة لدى الحزب الإسلامي، جربها حتى في الحراك الشعبي، رجل مع 20 فبراير ورجل خارجها، والهدف هو أن يكون الحزب مع الجهة الرابحة. فإذا نجحت اللجنة في عملها يكون الفوز من نصيب حامي الدين وإذا فشلت يقول منتدى الكرامة "ها اللي قلنا ليكم".
عنجهية العدالة والتنمية دفعت حزبا خبر خبر جيدا العمل داخل المجتمع المدني إلى الانتفاضة ضد الشوباني ووزراء العدالة والتنمية و قرر الخروج من كل اللجن المحدثة من طرف الحكومة، والتي لم تعد ذات جدوى، و"تكرس العمل بمنطق أنه اذا اردت لقضية ان تقبر فأحدث لها لجنة من قبل لجن الحكومة الحالية، المتميزة بالانفراد في القرارات والتصورات المنتصرة لمنطق الفكر الواحد."
وبالجملة ما اجتمع المغاربة على ضلالة ولكن الإصرار على الانفراد بالقرار ودس عناصر سلفية متطرفة في اللجنة وإقصاء الآخرين هو الذي حكم بالفرار الجماعي من لجنة الشوباني التي عين مقررا لها رجل تحوم حوله شبهة القتل.