في الحقيبة مؤونة تكفي ليوم او يومين ، في الجيب دراهم معدودة لا تزيد ولا تنقص ، في القلب حرقة وشوق لملامسة تراب وطن النصارى ، في البال حيرة والاف الأسئلة التي لا جواب عليها ، وكومة أحلام قد يأكلها الحوت الغادر ، وقد تتحقق مع سيدة أوربية شقراء … ، سأخون الوطن الذي لم يرد يوما أن أحبه ، ساترك لكم مقعدي في المدرسة التي بناها الاستعمار ، وسأترك لكم حلمي معلقا على الشجرة التي انتحر فيها ابن عمي ، سأترك لكم أيضا حقي في الثروة لتنعموا بها ، سأترك لكم بطاقتي الوطنية فلن تكون مفيدة في بلاد التقدم والتكنولوجيا ، ساتركم لكم الامي في ممرات مستشفياتكم البئيسة ، سأترك لكم اسمي في ورقة الازدياد الخضراء لتمسحوا بها زجاج سياراتكم الفارهة ، ساترك لكم هذا الوطن لتكذبوا باسمه الشريف … لا زلت أتذكر عندما كنت صغيرا سألني معلم كانت تبدو عليه ملامح اليأس: ما حلمك ؟ أجبته بكل مشاعر الفرح والسرور بمنتهى البراءة : اريد ان أكون طبيب أطفال ، أداوي الفقراء من أبناء وطني مجانا . لم تكن نظرات المعلم مشجعة ولا محمسة ، زادت ملامح اليأس على "كمارته" . لا زلت أتذكر أيضا عندما وعدني "السي فريد" مرشح حزب "الزورق السريع" في الحملة الانتخابية عندما قال لي : " كون هاني ، الخدمة على حسابي ، ما عليك غي تصوت بوضع علامة على رمز الحزب ديالنا .." ، السي فريد نجح في الانتخابات واختفى يقال أنه يعيش خارج البلاد هو واسرته ولا يأتي الا في المناسبات الوطنية لتقديم برقيات الولاء والطاعة لجلالة الملك . من بين ما أتذكره أيضا عندما مرض والدي –رحمه الله – بالسرطان او كما يحب تسميته المغاربة "المرض الخبيث" وطلب منا الطبيب إجراء عملية جراحية ب 15 مليون سنتيم او الذهاب لمركب مولاي عبد الله للانكولوجيا ، عملنا بنصيحة الطبيب وقصدنا "مستشفى مولاي عبد الله " وهناك حصلنا على موعد بعد 6 أشهر لإجراء الفحوصات الأولية ، لن اكمل القصة فما بقي لا يهم . الان تذكرت كل شيء ، ونسيت كل شيء ، تركت كل شيء ، وأخذت كل شيء ، وأنتظر قدوم " الزورق السريع" لا .. لا أقصد حزب "السي فريد" إنكم تعرفون ما اقصد … أتمنى أن اصل الى هناك ، سالما، حيا، لأحكي لكم كيف مرت الرحلة … يتبع