أرخت نازلة تسريب التسجيل الصوتي لمكالمة هاتفية جمعت القاضية" ع ن" عضوة سابقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية ، والقاضي " م غ" بغرفة الجنايات بالدارالبيضاء ، بظلالها على الشارع المغربي عموما ، والجسم القضائي ومساعديه بصفة خاصة ، تزامنا مع أجواء عيد الأضحى ، نظرا لمحتوى المكالمة التي إستغرقت زهاء تسعة وعشرين دقيقة ، إحتكرت خلالها القاضية " ع ن " الحصة الكبرى في الحديث عن ملف جاري أمام إستئنافية الدارالبيضاء ، منددة تارة بأسباب التأخير المتكرر ، ومشيدة تارة أخرى بأخلاق الطرفين المعتقلين ، فيما إنحصرت ردود القاضي المستشار في شرح الإجراءات ومحاولاته إقناع القاضية كونه سيعمل اللازم لإنهاء الأمر بالشكل الذي سيرضي القاضية ، هذه الأخيرة لم تتوانى في بعض ردودها أنها لاتستجدي ولاتهدف التدخل في الملف ، لكنها فقط خوفا على كرامة ونزاهة القضاة . غير أن تسعين بالمائة من محامي المغرب _ حسب المكالمة _ ، نعتوا بأسوء النعوت ، مما جعل هذه النسبة الكبيرة تنتفض عن بكرة أبيها للرد عن الإهانة المتعلقة بالنصب والإحتيال ، بالبلاغات ، والوقفات ، والإحتجاجات ، ولازالت التحضيرات جارية لمواجهة مضامين الإساءة المفاجئة التي حملها التسريب، سيتم تنفيذها فور إنتهاء عطلة عيد الأضحى ، وابتداءا من يومه التلاثاء . القاضية المعنية رئيسة غرفة بمحكمة النقض ، هي من أبرز المؤثرات في المشهد الحقوقي القضائي ، كونها تترأس الجمعية المغربية للنساء القاضيات ، وعضوة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان ، جعلت من قضية المرأة قضيتها الأولى لرفع التمييز عنها في سلك العدالة، كما شاركت ضمن الحركة الحقوقية النسائية على ملف مراجعة قانون الأحوال الشخصية . ومما جعل للمكالمة صدى مدويا ، زلزل كيان بعض مكونات المؤسسات الدستورية الوصية على قطاع العدالة من جهة ، ونقابات هيئات المحامين الذين نالهم الحظ الأوفر من السب والقذف بأقدح النعوت التي مست كرامتهم ومهنتهم ، هو تعميم محتواها عبر تسريبها وتداولها عبر الوسائط الإجتماعية بشكل جد كبير ، إنتشر كالنار في الهشيم ، فأرق مضجع القضاة ، فكانت مباركة العيد بينهم ممزوجة بمرارة النازلة غير المنتظرة ، زاد من حدتها هول ما ستتخذ من قراررات أفقية يعلم الله مدى تداعياتها على بعض الكراسي المسؤولة سيما بعدما وصل الأمر إلى رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي لم يضمر غضبه العارم من الموضوع ومواضيع أخرى مست الأوضاع لإجتماعية للمغاربة . ومن بين أبرز ردود الفعل الأولية ، تلكم التدوينة التي ضمنها الأستاذ عزيز رويبح محامي بهيئة الرباط ، تذمره واستيائه الكبير قائلا : " المحاماة أكبر مما يحاك ضدها ، الأوديو يعري عن جزء من ثقافة قضائية سائدة من ماض مايزال عصيا على أن يطوى,,, شيئ مقزز ما قيل فينا دون ذنب إرتكبناه سوى أن السيدة تعاطفت مع حدثين معتقلين وأنها تسعى لإطلاق سراحهما خارج القانون ,,,,,, وختم الأستاذ رويبح تدوينته قائلا :" الأوديو ليس أمرا هينا ، بل مخيفا ومرعبا ويبين عمق القاع الدي بلغناه وعلينا أن لانتركه يمر دون موقف واضح من مؤسساتنا المهنية ومن كل من له غيرة على العدالة في هذا الوطن ,,, إنتهت التدوينة . وتناسلت سيل من التعليقات والتدوينات المماثلة ، فيما توارت أسماء وازنة لبعض المحامين _ ت _ عرفت فيما مضى بخروجها الإعلامي أو على الأقل بكتاباتها على صفحاتها الفايسبوكية كلما طفت على السطح نازلة من النوازل المسيئة للقضاء أو القضاة أو لمهنة الدفاع ، عن الأنظار ، فهل لايعنيها الأمر ؟ وقد جاء التحرك الرسمي مسرعا غداة عيد الأضحى ، السبت الماضي ، حيث وقع ناجيم بنسامي الوكيل العام للملك لدى محكمة الإستئناف بالدارالبيضاء بلاغا للرأي العام ، يعلن من خلاله أنه أعطى تعليماته للفرقة الوطنية للشرطة القضائية لإجراء ما يلزم من تحقيقات وأبحاث لإجلاء حقيقة ما ورد بالشريط الصوتي والاستماع إلى كل من له علاقة بالموضوع وإجراء جميع التحريات اللازمة لترتيب الآثار القانونية على إثر ذلك . فيما وقع الأستاذ عبد الواحد الأنصاري رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب ، إستدعاء لإجتماع طارئ يومه التلاثاء لمناقشة نقطة فريدة تتعلق بتسريب التسجيل الصوتي ، الذي كان موضوع مكالمات هاتفية بين رئيس الجمعية ورئيس النيابة العامة مولاي الحسن الداكي ، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية امحمد عبد النباوي ، اللذين أكدا وبكل وضوح _ حسب البلاغ المهني الصادر عن الجمعية _ بأن ماتضمنه الشريط الصوتي لايعبر إطلاقا عن رأي السادة القضاة لا أفرادا ولا مؤسسات ، مع حرصهما وتأكيدهما على ترتيب كل الآثار القانونية وبكل حزم وصرامة بعد التوصل بنتائج الأبحاث المأمور بها . تأتي هذه الأحداث ، وسط جدل واسع بشأن واقع القضاء ببلادنا ، بعد تواصل الرقم الأخضر المستحدث في ماي من سنة 2018في عهد الدكتور امحمدعبد النباوي رئيس النيابة العامة السابق الذي نجح في وضع أولى أسس محاربة الرشوة والفساد ببلادنا ، في حصد عدد من القضاة المرتشين وسماسرتهم متلبسين ، وعدد من رجالات الأمن والمنتخبين والموظفين السامين الذين لازالت ملفاتهم لم تبرح ردهات المحاكم ، ناهيك عن وضع قضاة داخل الزنازن آخرهم رئيس غرفة الجنايات الإستئنافية ببني ملال وبمعيته مستشار جماعي ، وقبله سنة 2020 نائب وكيل الملك بعين السبع بتهمة تكوين عصابة إجراميةوالإرتشاء وتسخير أشخاص للبغاء ، جر معه 12 مشاركا من رجال الأمن ووسطاء ، وملف آخر يتعلق بنائب وكيل الملك بخريبكة ضمن عصابة إجرامية للإتجار الدولي في المخدرات الصلبة ، والذي فر بأعجوبة من مرحاض المحكمة أثناء التقديم ، ليلقي عليه القبض في سرعة البرق وهو في طريقه الى الرباط ، ونائب وكيل الملك بآكادير ضبط متلبسا برشوة هزيلة لأسترجاع رخصة السياقة لإحدى المتقاضيات ، وهلم جرى من الأحداث المتشابهة المتتالية ، دون أن نغفل مشاهد مخجلة تورط خلالها بعض المحامين ، بدءا بالتحايل على ودائع الموكلين ، وإيداع محامي" مشطب عليه منذ سنة 2019″ بسجن العرجات بعد إستيلائه على مبلغ 134 مليون ، واعتقال محامي آخر شهر ماي المنصرم بفاس بتهمة النصب والتزوير والإستيلاء على عقار في ملكية إمرأة ، ثم قبل شهر إعتقال محامي مغربي بالديار الإسبانية ، بتهمة السطو على سيارة بطرق إحتيالية من إحدى الدول الأوربية ونقلها إلى المغرب ، قبل أن يفرج عنه وإثبات أنه ضحية نصب واعتقال البائع ,,, وهكذا دواليك من المحطات التي أدين فيها بعض من أصحاب البذلة السوداء ، ونجاة آخرين من إعتقال محقق وهم على وشك التعامل بالرشوة مع بعض المسؤولين في كل من الرباط والدارالبيضاء وآخرون لهم علاقات بملفات العقارات الكبرى كملف آكادير الذي لازال يزعج بال صناع القرار القضائي والأمني ببلادنا . وعودة إلى أصل الموضوع ، تظل عديد من التساؤلات المفروضة والمنطقية ، تتمحور حول : أولا : من هي الجهة التي لها فائدة في تسريب التسجيل الصوتي ، وماهي الإمكانيات التقنية الإحترافية التي تتوفر عليها لفضح التسجيل ، فلايعقل أن يعمدا القاضيين المتحدثان على إفشاء محادتثهما . ثانيا: من المستهدف من إلقاء قنبلة التسريب في هذا الوقت بالذات ، المتزامن مع عودة جلالة الملك إلى أرض الوطن ، وتحضيره لمجلس وزاري سيعرف ما يعرف من قرارات جد حاسمة ؟ هل صاحبي المكالمة أم آخرون أعلى منهما مسؤولية ؟ تالثا :هل ستفضي نتائج الأبحات التي ستجريها الفرقة الوطنية بأمر من الوكيل العام للملك لدى إستئنافية الدارالبيضاء إلى الوقوف على جدية الشريط الصوتي وأنه غير مفبرك ، وهل هناك من مكالمات مماثلة بعد إجراء الخبرات اللازمة على هاتفيهما؟ رابعا :إذا ما تبثت جدية محتوى المكالمة ، هل سيتم التضحية بأصحابها كنموذج في دورة المجلس الأعلى للسلطة القضائية وهو على الأبواب ؟ أم أن هناك مكالمات مماثلة من الطبيعي أن تكون قد جرت بين العديد ، وبالتالي وجب الوقوف عندها ؟ إلى ذلكم الحين سيعود عصير كاب للإجابة عن بعض هذه الأسئلة فور صدور بلاغ السيد الوكيل العام للملك ناجيم بنسامي عقب إنتهاء أبحاث الفرقة الوطنية للشرطة القضائية . عصير الكاب ..