مستعينا بعكازه ذات الرأس المعقوفة، كان يمشي على مهل؛ حين رمقت عيناه الضعيفتان من خلال نظارته الطبية رهطا من الأطفال؛ وهم يتحلقون حول صخرة؛ يقضمون منها بواسطة أزاميلهم الطفولية، قطعا حجرية. كان الشيخ يتأمل ما سيؤول إليه أمر ما يفعلون، متسائلا: "ماذا يفعل هؤلاء الصغار؟" وإذا به بعد بضع لحظات يجد نفسه شاكّا عكازه في نطاقه مصفقا بحرارة مسن استيقظت فيه اليفاعة، لما أكتشف بأن الأطفال لم يكونوا يلعبون، لقد شكلوا من الصخرة مجسما لفلسطين. غلبه الفضول، فسألهم باحترام :" طوبى لكم ولإبداعكم! لكن أخبروني ماذا ستفعلون بتلك الأحجار التي قضمتموها من الصخرة؟" أجابوا بصوت واحد: "هذا سر ياجدنا!" ناشدهم: "ألن تشرحوا لي؟" ردوا بانسجام:" بكّر وستعرف." هز المسن رأسه، كدلالة على الفهم، ثم مضى. لأول مرة؛ ومنذ وقت طويل لم يشعر بهذا الزخم من الحيوية؛ حتى إنه سها عن سلّ عكازه المشكوك في نطاقه ليستعين به على المشي. ثمة حنين جارف نحو الطفولة روح فتية في جسد هرم..يا لها من مفارقة!!! وكأنه لا يزال مع جماعة الأطفال؛ راح يقول: "أنا لا أطلب منكم الكف عما تفعلون؛ إذ أصبحتم من صانعي المجد التاريخي لهذا الوطن؛ لكنني على مضض أنصحكم بأن تولوا الأهمية القصوى لأسفار العلوم، والفكر، حتى إذا ما ناظرتم عدوكم الغاشم؛ غلبتموه، وإذا ما حاربتموه دحرتموه…" أجال بصره في الأرجاء، أخذ نفَسا عميقا بقدر ما تستوعبه رئتاه ، وبتصميم قرر أداء المهمة… عند فجر اليوم الموالي ؛ تناقلت وكالات انباء العدو خبر نسف مؤسسة حيوية بالمدينة. تعجب الخبراء حين لم يجدوا أي أثر يشير إلى فاعل، أو فاعلين؛ باستثناء رأس معقوفة لعكاز محترقة.