في إطار البحث والتقصي حول مفهوم الانتخابات والسلوك الانتخابي عموماً، وفي سياقه المغربي على وجه الخصوص والتحديد، مساراً وتفاعلاً ، لا يمكن فهم الواقع الانتخابي في المغرب دون استقراء الأرضية الموضوعية المفرزة له سواء على صعيد التصور أو على مستوى آليات التفعيل . وهو الواقع الذي تتداخل في سياقه معطيات شتى يمتزج فيها البنيوي بالظرفي والمرحلي بالإستراتيجي. فالنفاذ إلى السياق يفرض نفسه منهجيا لأنه يُتيح، إلى حدود معينة، إمكانية قراءة من الداخل تتسم باللمسة الجوهرية وتتجاوز القراءات الإسقاطية التي تغض الطرف – على العموم- عن واقع الحال لتفرض تصورا غالباً ما يُجافي الصواب أو يجعل القراءة مُترعة بذاتية قد لا تُسائل الواقع مطلقاً خاصة في بعده وإطاره الموضوعي، ومن ثمة قد لا تجد سبيلا إلى فهمه والنبش في معانيه ومدلولاته. وهنا تقفز إلى سطح النقاش العمومي العديد من الأسئلة المحورية والحارقة، من قبيل : ما هو المسار الذي عرفه الفكر والسلوك الديمقراطي بالمغرب؟ ما المقصود بالتمثيل الانتخابي؟ وأي علاقة تجمع بين النظام الانتخابي والحياة السياسية؟ وماهي انعكاسات ذلك على نوع الحكومات التمثيلية التي قد تفرزها صناديق الاقتراع ؟ واعتبارا لكون المغرب قد عرف دولة قبل العصر الحديث، فكيف كان تنظيم الحكم فيه؟ هل عرف إقراراً لآلية الدستور؟ وإذا كان الجواب بالنفي، كيف تم ذلك؟ وما هو الإطار الدستوري و القانوني للعملية الانتخابية بالمغرب؟ بمعنى آخر كيف تتشكل الهيئة الناخبة وفق نظريات الاقتراع؟ وما هو الإطار القانوني للترشح، وما هي أنماط الاقتراع وكيف تبنَّى المغرب نوعاً محددا بعينه؟ وكيف تتم المنازعات الانتخابية البرلمانية ؟ إلى ذلك جاء طرح « المسألة الديمقراطية المغربية تحت البحث الأكاديمي »، من خلال كتاب صدر حديثاً للكاتب والباحث المغربي رشيد لزرق، بعنوان: "المسألة الانتخابية بالمغرب: مساهمة في دراسة مقارنة للأنظمة الانتخابية"، عن مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم المغربية. الكتاب، في الأساس هو عبارة عن أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه أعدها الباحث المغربي رشيد لزرق، وقد اعتمد صاحبه على مجموعة من المناهج للإجابة عن تساؤلات المشهد الديمقراطي المغربي، الذي عرف تحولات عميقة منذ نهايات القرن الماضي، مع ما عُرف بحكومة التناوب التي قادها اليساري المعروف الراحل عبد الرحمن اليوسفي، وانتهى بعد ثورات الربيع العربي إلى استيعاب الإسلاميين. انطلقت هذه الدراسة من المنهج التاريخي وفق مقاربة تحليلية قانونية، تابعت الانتخابات في تطورها التاريخي، سواء من حيث تطور العملية أو النتائج أو السلوكيات. وقد مكنه ذلك من دراسة تطور النظام السياسي المغربي في محاولة لإبراز التطورات الدستورية التي طرأت عليه واستقراء الأحداث التاريخية. كما استعمل الباحث وبصورة تلقائية، المنهج المقارن بغية تبيان مواضع الضعف والقوة في التشريع المغربي مقارنة بالقانون الفرنسي خاصة، باعتباره أحد المصادر التاريخية للقانون المغربي. وقد أكد الدكتور لزرق أن فهم العملية الانتخابية في ظل الهندسة الدستورية والقانونية بالمغرب، يبقى عاملا مهما ولكن ليس وحيدا، باعتبارة آلية تحكم سير العملية الانتخابية وتضبط نتائجها. وأوضح المؤلف أن هدف الدراسة، يتمثل في إبراز معالم تحولات المجتمع السياسي المغربي عبر دراسة النظام الانتخابي، وسيلة علمية لرسم مَواطن القوة التي تستحق التدعيم وسبر مواضع الهشاشة التي تتطلب العلاج في مجالَي المشاركة والمنافسة السياسيتين. وهو ما يؤكد أن هذا الموضوع يكتسي أهمية خاصة نظرا لراهنيتة في ظل التحولات التي باتت تعرفها بعض الدول على المستوى الإقليمي، وأيضا لأنها تخص المغرب باعتبارها تجربة ديمقراطية ناشئة، تشهد محاولة جادة لتأكيد و تكريس الخيار الديمقراطي وممارسة التقاليد الحرة والديمقراطية في تعيين الحكومات، مع ما يكتسي ذلك من العديد من الصعوبات والعراقيل التي تترجم الصراعات الاجتماعية وتجاذب موازين القوى بين مختلف التيارات السياسية الفاعلة في المشهد السياسي. تحديد وضبط المفاهيم : يتداول في الدراسات المتعلقة بالحقل الانتخابي في بعده العلمي المفاهيمي، الكثير من المصطلحات أو المفاهيم التي تستعمل بشكل غير دقيق أو بشيء من الخلط ، تتمثل هذه المفاهيم في القوانين الانتخابية Les lois électorales أو النظام الانتخابي le système électoral وأخيرا النظام الانتخابي Le régime électoral، ولكن الخلط يشتد أكثر بين النظام الانتخابي والنُظم الانتخابية، لأن لفظ « القوانين الانتخابية » قد يسهل تمييزه عن المفهومين السابقين، نظرا لكون مجموعة النصوص تشكل في آن واحد نظاما انتخابيا ونُظُماً انتخابية، وعليه من الضروري جدا من الناحية المنهجية العلمية، تحديد المفاهيم التي نحن بصدد طرحها على سبيل معالجة وتحليل المادة موضوع دراستنا. إن النظام الانتخابي بتعريفه الضيق هو تلك التقنيات الرياضية التي تنظم شكل التمثيل في المؤسسات أو الهيئات المنتخبة، والتي لا تخرج عن الاتجاهين الكبيرين المعروفين في هذا المضمار، وهما نظام الأغلبية والنظام النسبي أو النظام المختلط، الذي هو مزيج من الإثنين، فهي إذن تلك التقنيات التي تسمح بتحويل الأصوات إلى مقاعد انتخابية في المجالس المراد تشكيلها. أما النظام الانتخابي بمفهومه الديمقراطي الواسع، فهو مجموعة من القواعد القانونية التي تضمن حرية التصويت لكل مواطن، وتضمن صحة وسلامة الاقتراع على طول مختلف المراحل التي يمر منها المسار الانتخابي في مختلف أوجهه. انطلاقا من أولى مراحله أي حق الاقتراع، الترشيحات، العمليات المادية للتصويت بما فيها عملية التحضير له، أحكام الحملة الانتخابية، أنماط الاقتراع، وأخيرا إعلان النتائج والمنازعات المتعلقة بالعملية الانتخابية والتي تستوجب من الدولة أو الأجهزة المشرفة على الانتخابات التحلي بالمسؤولية والحياد من خلال توفير الإمكانيات المادية والبشرية، واحترام الإطار الزمني والمكاني للعملية الانتخابية . فالنظام الانتخابي بهذا المفهوم العام و الشامل، وهو الذي تندرج هذه الدراسة المقارنة للنظام الانتخابي والقوانين الانتخابية المغربية في إطاره، يبتدئ بنفس القدر من الاستقراء والوصف لمختلف هذه القوانين، بل هي محاولة لتوصيف الإشكالية وطرح التصور الديمقراطي للاقتراع العام بالمغرب، الذي وإن اختُلف حوله من حيث الشكل، فإن المضمون يتمحور حول المشاركة السياسية والمنافسة الانتخابية . فالانتخاب في جوهره هو أداة للمشاركة السياسية الشعبية، وتسيير للشأن العام، عن طريق الهيئات التي تُنتخب لهذا الغرض، سواء على المستوى الوطني أو المحلي. حيث تؤدي هذه المشاركة بالضرورة إلى إثارة المنافسة بين الفاعلين فيها بصفتهم ناخبين أو منتخبين . و نظرا لكون الديمقراطية لا تُحدد أسسها وفق نظريات إيديولوجية فقط، بل هي نتاج للظروف الاجتماعية و السياسية والتراكمات التاريخية، وهو ما يعني أن معالجة الموضوع يجعلنا خارج مجال الاقتصار على النصوص الدستورية والقانونية بغية التعرف على البيئة السياسية والإطار الاجتماعي، للإجابة على إشكالية مدى قدرة النظام الانتخابي المغربي بمفهومه وآلياته، على توفير تحصينات ديمقراطية فيما يخص المنافسة السياسية؟ إلى ذلك، يجب التأكيد على أن التحولات المتراكمة التي تمت على مستوى النظام الانتخابي المغربي، تُثير بكل تأكيد تفكيرا عميقا في طبيعتها، لا لقياس درجة النمو أو التخلف، وإنما لتحليل منطق النظام الاجتماعي. والبحث في هذا المنطق، هو تنقيب أركيولوجي في المجتمع، ومن هنا رجوعنا إلى الماضي، وهو ما يفرض تقسيم هذه الدراسة إلى خمسة مراحل . المرحلة الأولى : لم يعرف المغرب حينها انتخابات، وكان تنظيم الحكم وفق الشريعة الإسلامية ، و أعراف القبائل، و مع بروز ملامح المطالب الدستورية مع بداية القرن التاسع عشر، حيث ارتفعت أقلام بعض المفكرين الإصلاحيين مع بداية القرن العشرين تدعو إلى ضرورة القيام بإصلاحات دستورية وسياسية للنظام القائم من جهة، ومواجهة التغلغل الكولونيالي من جهة أخرى؛ غير أن المطالب الإصلاحية لم يكتب لها النجاح لأسباب متعددة منها ما هو ذاتي و منها ماهو موضوعي. المرحلة الثانية : مرحلة العمل السياسي في إطار الحركة الوطنية المغربية، والتي بَنَت أفكارها على ازدواجية فكر، جمعت بين الفكر السلفي والفكر الليبرالي في إطار الإصلاح والاجتهاد والتحديث. المرحلة الثالثة : مرحلة الاستقلال، حيث تضاربت رؤيتين : رؤية المؤسسة الملكية ورؤية الأحزاب التي خرجت من رحم "الحركة الوطنية"، أسفر عنها تشكيك وطعن هذه الأحزاب المشاركة في الانتخابات في العملية الانتخابية حينها. المرحلة الرابعة : وهي الموافقة لعقد السبعينيات، وخلالها عادت مؤشرات التقارب بين المؤسسة الملكية وأحزاب الحركة الوطنية، التي عبرت حينها على ضرورة إصلاح النظام الانتخابي كمدخل نحو تكريس الديمقراطية، بحيث برزت دعاوي لضرورة إقرار انتخابات حرة ونزيهة، بعيدًا عن تحكم الإدارة في النتائج الانتخابية، واستطاعت أحزاب الحركة الوطنية والمؤسسة الملكية، التوصل في أواخر التسعينيات إلى التراضي الذي أسس لحكومة التناوب التوافقي بقيادة الراحل الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، والتي عملت على إصلاح النظام الانتخابي. غير أن مسلسل الإصلاح لم يخلو من بروز بعض الأصوات التي إشتكت من استعمال المال وشراء أصوات الناخبين والحياد السلبي للإدارة في العملية الانتخابية. المرحلة الخامسة : عرفت خلالها المنظومة القانونية المغربية عبر التجارب الدستورية التي مرَّ بها النظام السياسي المغربي، تشكُّل الإطار الملائم للمشاركة والمنافسة السياسية التي تسمح بالقول بوجود مشاركة سياسية للفرد في تسيير شؤونه، وطُرحت العديد من الاستفهامات حول تأثير الإصلاحات الدستورية على النظام الانتخابي؟ وهل هناك تكامل متبادل مع النظام الانتخابي أم هناك قطيعة بينهما؟ وهذه الأسئلة تكسب وِجهتها و وجاهتها إنطلاقا من الإصلاحات التي عرفها المغرب في مساره الانتخابي، والتي شهدت إنطلاقة جديدة في العشرية الأخيرة، ومتابعتها من قبل قوانين تنظيمية للانتخابات جرت بموجبها مختلف الانتخابات التشريعية والمحلية. ورغم ما عرفته القوانين من تغيير في اتجاه تكريس سلامة ونزاهة الانتخابات وتأكيد مبدأ التنافس بين المرشحين والأحزاب السياسية، إلا أن بعض الأصوات من الطبقة السياسية الرافضة لهذا المسار التحولي المستمر لازالت وعند كل استحقاقات انتخابية تطعن في الانتخابات وتصفها ب « غير النزيهة ». إن القول بنزاهة الانتخابات لا يعني فقط مراقبة الإجراءات المادية من قِبل التلاعب بالأصوات وشراء الذمم والتحيز لفريق سياسي ضد آخر، بل إن تكريس انتخابات حرة ونزيهة يتوقف كذلك على الدقة التنظيمية المصاحبة للانتخابات، ابتداء باختيار نمط الاقتراع، مرورا بالإجراءات السابقة لعملية الانتخاب ثم تنظيم المنازعات الانتخابية. فموضوع الانتخابات رغم أهميته في تكريس دولة المؤسسات، إلا أنه لم يحظى بالأهمية الكافية في مجال البحث العلمي، و هو ما يتطلب المزيد من الدراسة والتقصي في الموضوع استجلاء للعديد من مناطق العتمة في هذا الموضوع / الإشكالية. .. عام المحطات الانتخابية بامتياز2021 مع بداية العام الجاري، ترتسم في الأفق معالم سنة جديدة حبلى بالعديد من التحديات والرهانات، يظل أبرزها هاجس الاستحقاقات الانتخابية المرتقبة في 2021، والتي تظل طاغية على أجندة الفاعلين في الحقل السياسي الوطني، حسب موقع كل فاعل وطموحاته. وسيتم خلال هذه الاستحقاقات تجديد كافة المؤسسات المنتخبة الوطنية والمحلية والمهنية، من مجالس جماعية ومجالس إقليمية ومجالس جهوية وغرف مهنية، علاوة على انتخابات ممثلي المأجورين، ثم مجلسي البرلمان، مما يجعل 2021 سنة انتخابية بامتياز. وفي سبيل الإعداد الجيد والمبكر للاستحقاقات الانتخابية المقبلة بمختلف أنواعها تم عقد لقاءات ومشاورات على مستوى وزارة الداخلية مع قادة الأحزاب السياسية، لتبادل الرؤى حول القضايا الأساسية المرتبطة بالتحضير لهاته الاستحقاقات. وتروم تلك المشاورات تكريس توافق يُمَكِّنُ من مواصلة وتعزيز الإصلاحات السياسية التي باشرتها المملكة، وإضفاء دينامية جديدة على العمل السياسي والمؤسسات السياسية، بما يستجيب لتطلعات المواطنات والمواطنين. وفي هذا الإطار، قامت الأحزاب السياسية بتقديم مقترحات وتصورات بشأن الاستحقاقات المقبلة والقوانين المؤطرة لهذا الورش الوطني الكبير، وذلك من باب الحرص على إرساء العوامل الكفيلة بإنجاح هذه المحطات الانتخابية، كحلقة أساسية في ترسيخ المسار الديمقراطي بالمملكة المغربية، من خلال إفراز مؤسسات ذات مصداقية قادرة على ترجمة خريطة انتخابية تعكس إرادة المواطنين والمواطنات، وتكون في مستوى الرهانات التنموية. وقد همت مقترحات الهيئات السياسية، على العموم، الجوانب المتعلقة بالقاسم الانتخابي، والتقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع، واللوائح الانتخابية، والعتبة الانتخابية والمالية، ولائحة النساء والشباب، والرفع من عدد المقاعد المخصصة للائحة الوطنية، والدعم العمومي، ومشاركة مغاربة الخارج. وقد أدى النقاش حول القوانين الانتخابية إلى تجاذبات بين عدد من الأحزاب، أفرز لحد الآن تقاربات وعمليات تنسيق قد تتجاوز أحيانا منطق أغلبية / معارضة. إن الانتخابات القادمة، بحسب السيد محمد بودن، الأكاديمي والمحلل السياسي، تمثل في شموليتها تجسيدا للاختيار الديمقراطي كثابت في قواعد الدستور المغربي وروحه، كما أنها لحظة تستمد قوتها ومدلولها من ممارسة المواطن لحقه الشخصي وواجبه الدستوري عبر اختيار من يمثله في البرلمان الذي تنبثق عنه حكومة تدبر الشأن العام على أساس النتائج المحصل عليها، علاوة على اختيار المواطن لمن سيدبر شؤونه المحلية على المستوى الترابي جهويا وجماعيا. وأبرز السيد بودن، في تصريح سابق لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن أهمية هاته الاستحقاقات تنطلق من مسؤولية الاختيار لدى المواطن وقيمة الخيارات المتاحة أمامه من طرف الأحزاب على مستوى المرشحين والبرامج. وتابع، أن الاستحقاقات الانتخابية القادمة، بمختلف مستوياتها التشريعية، الجهوية الترابية والمهنية، ينبغي أن تكون مطبوعة، بالنظر إلى المستقبل والتموقع في الصلاحيات المخولة دستوريا لهذه المؤسسات والوحدات الترابية، بما يخدم المصلحة العامة ويدعم الجهد الجماعي لتملُّك نموذج تنموي جديد. ولفتَ إلى « أننا أمام لحظة خاصة في التاريخ السياسي المغربي بفعل جائحة « كوفيد – 19 » وما خلفته من تداعيات اقتصادية واجتماعية، وبالتالي فهاته الظرفية التي لم يُغلق قوسها بعد ينبغي أن تمثل تحديا للأحزاب السياسية بمختلف مراكزها ». إن رهان إنجاح الانتخابات المقبلة يظل مرتبطا، أساسا، بالقدرة على تعبئة المواطنين من أجل جعلهم يؤمنون بالعملية الانتخابية والمساهمة في اتخاذ القرار، وهو الأمر الذي يستدعي بذل مجهود مضاعف والاجتهاد للبحث عن السبل الكفيلة لاسترجاع ثقة المواطن في العملية السياسية عامة، من خلال تبني ممارسة تتسم بالوضوح والتعاطي المسؤول مع القضايا الأساسية. وفي هذا السياق، يجب التأكيد على أن الرهانات الحقيقية التي ينبغي أن تحكم أجندة الفاعلين السياسيين في الأمد المنظور، تتمثل أساسا في تجديد النخب وتكييف البرامج مع الأولويات والتحولات وتعزيز المعاني الايجابية للعمل السياسي، علاوةً على تحفيز الشباب على المشاركة بصيغ منصفة وتجنب المعارك التي لا نتائج لها وإنتاج مواقف يمكن تذكرها وتصحيح العلاقة بين المواطن والعمل الحزبي ». كما أن العروض السياسية للفرقاء السياسيين في هاته المرحلة يجب أن تكون منسجمة مع الواقع ومبنية على معادلة أساسها « المواطن وما يحول بينه وبين تحقيق طموحاته »، على مستوى التعليم والصحة والشغل والسكن والحماية الاجتماعية، و كذا بناء بدائل لا تنطلق من العموميات بل من القدرة على التوقع وبناء الأسس المنطقية بين الأقوال والأفعال. ويتمظهر الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة من خلال تعديل النمط الانتخابي أو إبقائه، والذي له رهانات جد مهمة من خلال إعادة النظر في اللوائح الانتخابية، وتقطيع الدوائر الانتخابية، وتحديد نسبة العتبة الانتخابية. وعلى كل حال، فإن إنجاح المحطات الانتخابية المقبلة مجتمعة، يشكل تحديا للحكومة عموماً وليس فقط لوزارة الداخلية كما يُروَّج له قُبيل كل محطة انتخابية، وكذا للفاعلين السياسيين وجميع المعنيين بهذه العملية، باعتبارها المنفذ الأساسي لإفراز المؤسسات القادرة على تحقيق الأهداف الاستراتيجية المسطرة.