كان الواقع حقيقيا فطاوعتها الكلمات للوصف الدقيق بإبداع، في تقرير قدمته الاعلامية المتمرسة الاستاذة "انصاف الحموتي" خلال حلقة برنامج "ضد المحظور" لهذا الاسبوع، والذي تناول موضوع "الاخطاء الطبية بالمغرب وأسعار المصحات الخصوصية" في حلقة تجاوزت الساعتين بحضور كل من الدكتور "الحسن التازي" بصفته جراحا في التجميل، ودكتور الحقوق الاستاذ "ياسين منصوري" محام بهيئة القنيطرة، اضافة الى الدكتور"بوبكري محمدين" رئيس الهيئة الوطنية للطبيبات والاطباء بالمغرب، حيث إلتفت الزميلة إنصاف حول الموضوع بإحترافية عالية وطوقته من جميع جوانبه، القانونية، والانسانية،والاجتماعية والاقتصادية والمهنية،تقرير يحاكي حال لسان الواقع في قالب اعلامي جريئ ومميز،كان مدخلا لمناقشة علمية على المباشر بتواجد ضيوف القمة،من استضافة معد ومقدم البرنامج الاستاذ والاعلامي الكبير"الكارح ابو سالم" على الصفحة الرسمية لقناة "كاب 24 تيفي". حيث تسلم الدكتور بوبكري الكلمة للجواب على سؤال مقدم البرنامج والمتمحور حول مفهوم الخطا الطبي،حيث اعتبر الدكتور محمدين بعد إلقاء الشكر والتحية للمتتبعين ولجميع الطواقم الصحية،ان الخطأ الطبي هو انحراف عن السلوك العادي للطبيب،ويشترط في الخطأ الطبي الاخلال بواجبات الحيطة والحذر وإغفال العناية اللازمة من الطبيب تجاه للمريض،وكذا عدم احترام القواعد والضوابط العلمية المتعارف عليها. بينما شاطر الدكتور التازي زميله في تعريف الخطأ الطبي مضيفا هو ممارسة اختصاص لايتوفر فيه الطبيب على خبرة او تدريب،او اجراء عملية جراحية دون استكمال شروط الحماية للمريض،وكذا استعمال المصحة او ممتهنيها لامور غير معترف بها علميا، فالخطأ الطبي في نظر الدكتور التازي هو عدم احترام هذه الضوابط،مؤكدا ان الجميع معرض للخطأ،واغلب الاخطاء الطبية تكون غير متعمدة. وفي مداخلة قانونية للاستاذ ياسين منصوري،أكد ان المشرع لم يعرف الخطأ الطبي تاركا الامر للاجتهاد القضائي والفقهي،مضيفا انه يمكن تعريفه إجمالا كونه كل خطأ ارتكبه الطبيب بمناسبة مزاولته لمهامه،والناتج عن اهماله او عدم تبصره ويقظته،او بإخلاله بالقواعد والنظم المتعلقة بالمهنة، واسترسل انه من نمادج الخطأ الطبي استعمال ادوات طبية في غير محلها نتج عن ذلك ضرر، والخطأ في تشخيص المرض او وصف العلاج،او في العملية الجراحية،زيادة على الاخطاء التي لا تغتفر كبتر او استئصال عضو بشري،حيث ان الطبيب يكون ملزما اثناء مزاولته لمهامه بالانضباط للقواعد ويترتب عن اخلاله بها ثبوت الخطأ في مواجهته،ويتعين مساءلته قانونا على ذلك،حيث ان الطبيب مسؤول بصفة مباشرة عن الاخطاء التي يرتكبها مساعدوه، اضافة الى ضرورة تقديم العلاج للمريض في جميع الحالات،وكذا الالتزام باليقظة والتبصر والصدق خلال تأديته لمهامه،موضحا ان القضاء في أغلب أحكامه يعتبر ان المسؤولية الطبية تقوم على العناية ضاربا المثال بحكم قضائي صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء،والذي اعتبر ان جراح التقويم ملزم ببذل العناية اللازمة بالمريض، ولا يمكن الدفع بالمسؤولية عليه الا اذا اثبت ان الخطأ ناتج عن قوة قاهرة، او بسبب خطأ المريض بنفسه او بفعل الغير، وأضاف الاستاذ ان المسؤولية القانونية تبدأ قبل التدخل الجراحي عن طريق التشخيص،معززا تدخله بحكم آخر صادر عن ابتدائية مراكش اعتبر فيه القضاء ان المعارف العلمية للطبيب الذي لم يستطع استيعاب ان الادوية الذي دأب على تناولها المريض قبل وبعد العملية الجراحية قد تسبب له مضاعفات وعدم اخبار المتعالج بذلك يعتبر خطأ طبيا موجبا للتعويض . وبعد مشاهدة الحاضرين لمقطع مصور يشتكي عن طريقه متضرر وعائلته جراء وفاة زوجته اثناء الولادة باحد المصحات بطنجة، تدخل رئيس هيئة الاطباء بالقول، انطلاقا من اهداف الالفية التي وضعتها الاممالمتحدة حول التنمية،هي التخفيف من وفيات النساء الحوامل والرضع اثناء الولادة وقد دخل المغرب منذ سنة 2011 في هذه الاستراتيجية وذلك عن طريق تتبع الوضعية الصحية للنساء الحوامل منذ البداية، معرجا أنه لايوجد قانون يحدد المسؤولية والاخطاء الطبية،وانما هناك مجموعة من النصوص المتفرقة، مستدلا بظهير قانون الالتزامات والعقود المحدث سنة 1913, مايجعل المواطن حسب تعبيره يحس بالحيف وينظر الى الاطباء كأعداء. فيما تسلم جراح التجميل الشهير الدكتور الحسن التازي،داعيا الى ضرورة اعادة النظر في المنظومة الصحية في المغرب،وتوفير دور الولادة والمصحات بمعايير قانونية متعارف عليها في مناطق ولادتهن على رأس ذلك قاعة للانعاش والمستلزمات والاجهزة الطبية الحديثة،قائلا انه لايوجد هناك طبيب يتعمد التسبب في وفاة مواطن، وحتى ان وجد فان وزارة الصحة وهيئة الاطباء ستتخذ موقفا بهذا الخصوص. حيث تسلم الاستاذ ياسين المحامي بهيئة القنيطرة الكلمة موضحا ان هناك مشاكلا في المنظومة الصحية ولا يمكن تحميل المسؤولية للطبيب وحده، خصوصا في العالم القروي،مضيفا ان اثبات الخطا الطبي في المغرب يرتكز أولا على الخبرة الطبية مضيفا انه في بعض الحالات يحاول الخبراء الاطباء تضليل العدالة بتقارير تتعاطف مع الطبيب المدعى عليه، مايضطر معه القضاء الى استدعائه للمثول أمامه وتأديته القسم القانوني،حيث ان الخبرة الطبية غير ملزمة للقاضي ويمكن استبعادها،مضيفا ان في كثير من الاحيان هناك خيط رفيع بين الخطأ الطبي والمضاعفات الناتجة عن التدخل الجراحي، متأسفا عن عدم تمييز المشرع المغربي بينهما،ضاربا المثال بالقانون المقارن من مدونة الصحة الفرنسية التي تقضي بالتعويض في كلتا الحالتين عكس القانون المغربي. فيما وجه معد ومقدم البرنامج الاستاذ الكارح ابو سالم سؤالا للدكتور بوبكري حول مصداقية الخبرة الطبية المنجزة اثناء التقاضي، بينما اجاب رئيس هيئة الاطباء بالمغرب بخصوص تعاطف الاطباء مع زملائهم لاخفاء او التمويه عن الخطأ الطبي، معتبرا ان الخبرة الطبية قابلة للطعن بخبرة مضادة،مضيفا انهم كهيئة للاطباء تمارس الرقابة والتأديب على الملفات المعروضة عليها وتمنح لكل ذي حق حقه. وفي حديث الاستاذ ابو سالم عن وفيات الخدج داخل مستشفى ابن سينا بعد انقطاع التيار الكهربائي،اجاب الدكتور التازي ان جميع أجهزة الطبية التي تكون في أقسام العناية المركزة تتوفر على بطاريات تشحن لمثل هذه الحالات،حيث أكد انه لايمكنه تحديد الخلل هو تقني،والاختصاص في هذه الحالة يعود الى اختصاصيين للتأكد من سلامة الاجهزة المستعملة وهل تتوفر على بطاريات، معرجا عن حالة صادفته منذ 15 سنة لسيدة تتعاطى الانسولين دون استشارة الطبيب الشيء الذي تسبب في مضاعفات ووضعهم في موقف محرج،لكنه حسب تعبير الدكتور التازي انه يتعين على الطبيب التمسك بالمريض وعدم التخلي عنه ومتابعة حالته الصحية بكل جدية مضيفا ان هناك بعض الحالات لايمكن توقعها بأي وسيلة كانت. وعند سؤال المحامي ياسين منصوري عن تذكره لطبيب أدين من اجل خطأ طبي، مجيبا انه في ردهات المحاكم مجموعة من المنازعات المعروضة امام القضاء بين المرضى في مواجهة الاطباء، مستدلا بملف مريض تم حقنه بدم ملوث وتحمل المستشفى ومركز تحاقن الدم المسؤولية القانونية بعد اثبات ذلك عن طريق الخبرة،اذ اعتبرت المحكمة ان المسؤولية مرفقية بما أن الطبيب موظف عمومي طبقا لمقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود وحكمت بتعويض مادي لصالح المشتكي ضد وزارة الصحة والحكومة المغربية، اما بخصوص جرائم سرقة الاعضاء البشرية والاتجار فيها فقد قال ذات المتحدث ان هذا الباب يتوفر على نص تشريعي منذ سنة 1998 ويتجسد في القانون رقم 98/16 والمتعلق بالاتجار في الاعضاء البشرية حيث حدد في مواده من الفصل 30 الى 47 مجموعة من الجرائم التي تعتبر الركن المادي لهذه الجريمة،وقد حدد المشرع المغربي عقوبات زجرية قد تصل الى خمس سنوات،ومن بين صور هذه الجرائم,اجراء معاملة تجارية بشأن أعضاء بشرية و عمليات نقل الاعضاء خارج المستشفيات، وكذا اخذ عضو بتر من شخص دون موافقته او الاحتفاظ به خارج المراكز القانونية المنصوص عليها في المادة 12 من هذا القانون،مؤكدا ان مثل هذه جرائم هي قليلة ونادرة في المغرب . وعلى ذكر جريمة سرقة الاعضاء البشرية بث مخرج البرنامج الزميل المتألق "ربيع الطويل" فيديو لضحية يشتكي اختفاء كليته اليسرى بعد اجرائه لعملية بسيطة على مستوى"الفتق" بمستشفى عمومي،ملتمسا تدخل الجهات العليا والوصية لانصافه. حيث علق الدكتور بوبكري على هذه القضية،بالقول اذا كان التقرير الطبي اثبت نقصا في كلية المشتكي فوجب تطبيق القانون معتبرا ان الخطأ ثابت معبرا عن استعدادهم لتتبع ودراسة هذا الملف. وبعد عرض فيديو آخر لأب يشتكي مقررا قضائيا استئنافيا قضى بالبراءة في مواجهة طبيب وإلغاء التعويض المادي المحدد في 60 مليون سنتيم من الغرفة الابتدائية بمحكمة ورزازات، موضحا ان الحكم المستأنف يمكن ان يعتبر ان الخطأ لا تترتب عنه المسؤولية الجنائية بل هناك مسؤولية مدنية او عقدية وفي كلتا الحالتين تستوجب التعويض، ويمكن للمتقاضي ان يتوجه صوب القضاء المدني او الاداري اذا كان الطبيب ينتمي الى القطاع العام. اما بخصوص الاسعار الملتهبة والمرتفعة للمصحات الخاصة فقد قال رئيس الهيئة انها من الاشكالات التي تتخبط فيها المنظومة الصحية معتبرا ان غياب التغطية الصحية لكافة المغاربة تجعل المواطن يحس بارتفاع الاثمنة،مؤكدا ان الحل الاساسي هو استفادة جميع المواطنين من التغطية الصحية. بينما قال الاستاذ ياسين تعقيبا على طلب بعض المصحات شيكات،مؤكدا ام قبول شيك على سبيل الضمان هي جريمة يعاقب عليها المشرع للطرفين ،معتبرا مثل هذه الممارسات منافية للاخلاق والقانون،مضيفا ان هناك فراغا تشريعيا قاتلا بخصوص بعض السلوكات التي تقوم بها بعض المصحات،تحت مبررات واهية، مؤكدا ان الحق في العلاج والتطبيب حق من حقوق الانسان،وليس من المعقول إلزام مريض بوضع شيك خاصة وان الامر متعلق بحياة المواطنين، داعيا المشرع الى التدخل وسن عقوبات وغرامات رادعة لمثل هذه التصرفات. اما بالنسبة للسؤال حول من تقع على عاتقه مسؤولية رقابة الاطباء والمصحات، اكد رئيس هيئة الطبيات والاطباء بالمغرب ان الهيئة لا تدافع عن الاطباء بل تدافع عن المواطن وعن مهنة الطب وأن مسؤولية الرقابة والتفتيش تقع على عاتق وزارة الصحة والوكالة الوطنية للتأمين والهيئة التي يمثلها. بينما تدخل الدكتور التازي موضحا ان مجموعة من المرضى يتملصون من آداء مابذمتهم بعد تلقي العلاجات الضرورة، ومنهم من هرب بالمريض الى وجهة غير معلومة، مناشدا زملاءه الاطباء الى التكفل مجانا بعلاج 4 اشخاص سنويا،ما سيمكن من تطبيب 100 ألف شخص كل سنة بالمجان مؤكدا ان الاطباء المغاربة اهل الخير والاحسان . فيما ختم الدكتور محمدين مداخلته كون الميزانية المخصصة لقطاع الصحة بالمغرب لم تتجاوز الى حدود الساعة 5% من الناتج الداخلي الخام بعد كانت 3% لمدة سنوات،داعيا الى اعادة النظر في المنظومة الصحية بشكل عام والاهتمام بالمستشفيات العمومية لمواكبة الكثافة السكانية. وفي ختام كلمة الاستاذ ياسين منصوري اكد ان هناك من متقاضين من يتحوز حكما قضائيا بالتعويض في مواجهة مؤسسة عمومية واثناء التنفيذ سيصطدم بالمادة"9″ المصادق عليها في قانون ميزانية المالية لسنة 2019 والتي تنص على عدم الحجز على اموال وممتلكات الدولة ولو بمقرر قضائي نهائي غير قابل للطعن. برنامج ضد المحظور: مناقشة الأخطاء الطبية القاتلة ، لمتابعة الحلقة كاملة الدخول للرابط أسفله : https://youtu.be/V8vcRlj5xIA