حصلت جريدة «الأخبار» على لائحة مكونة من 35 اسما، مرفوقة بمراسلة موقعة من رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران شخصيا، وموجهة لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني، يأمره فيها بتسجيل هؤلاء في مباراة ولوج مهنة التدريس بالرغم من تجاوزهم السن القانوني الذي حددته مذكرة منظمة للمباراة منذ 45 سنة، وذلك بناء على ما أسمته المراسلة «ملتمسات» توصل بها رئيس الحكومة في هذا الشأن، وهي المراسلة الثانية من نوعها بعد رسائل شخصية موقعة منه شخصيا لفائدة مجازين آخرين السنة الماضية، علما أن مسطرة الترشح لهذه المباراة، تفرض الترشح عبر البوابة الإلكترونية التي خصصتها وزارة التربية الوطنية للمباراة، إذ يتم الرفض الأوتوماتيكي لأي طلب يتجاوز فيه صاحبه سن 45 سنة. المثير للانتباه في هذه المراسلة التي وقعها رئيس الحكومة شخصيا هي أنها موقعة بتاريخ 31 غشت أي بعد الانتهاء الرسمي للمدة الزمنية التي حددتها وزارة التربية الوطنية للتقدم بالترشيحات الرسمية، قبل أن تنتبه المصالح المنظمة للمباراة في الوزارة لهذا الأمر. لذلك سارعت يوم إعلان نتائج الانتقاء، أي يوم 10 شتنبر الجاري، بتوجيه رسائل خاصة لمدير المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين تأمرهم فيها بعدم الانضباط لرسالة رئيس الحكومة بسبب عدم احترامها من الناحية القانونية لمبدأ تكافؤ الفرص الذي تلح عليه المذكرة المنظمة للمباراة. ضرب مبدأ تكافؤ الفرص الحظوة التي سعى رئيس الحكومة لإعطائها لبعض المحظوظين خلفت ردود فعل غاضبة من طرف مسؤولين بوزارة التربية الوطنية وكذا لأساتذة وموظفين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين عبر التراب الوطني، لكونها ضرب واضح لتكافؤ الفرص، لاسيما وأن الآلاف من الطلبات تم رفضها منذ إقرار النظام الجديد لتكوين الأطر بسبب تجاوز أصحابها السن القانوني، لذلك سجل هؤلاء، أن الإجراء بالرغم من كونه يدخل في صلاحيات رئيس الحكومة، التي ورثها عن مؤسسة الوزارة الأولى بشكلها القديم، فإن حصر هذا الامتياز في لائحة معينة دون باقي المواطنين يطرح أكثر من علامة استفهام حول المعايير التي تم اعتمادها في حصر هذه اللائحة في 30 «محظوظة ومحظوظا»، سيما وأن الدستور المغربي ينص صراحة على ضرورة احترام مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين في فرص الشغل، ثم لكون قانون الوظيفة العمومية ينص أيضا في الجزء الخاص بالتوظيف، وخاصة الفصل 22 منه، على ضرورة أن «يتم التوظيف في المناصب العمومية وفق مساطر تضمن المساواة بين جميع المترشحين لولوج نفس المنصب، ولاسيما حسب مسطرة المباراة». وإذا عدنا لمذكرة وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، والمنظمة لمباراة الولوج للمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، سنجد أنها حددت بوضوح سن 45 سنة كشرط ضروري لاجتياز هذه المباراة. في السياق ذاته، يتذكر مجموعة من المتتبعين لشأن التربية والتكوين، احتجاج أعضاء حزب العدالة والتنمية على قرار مماثل اتخذه الوزير الأول السابق عبد الرحمان اليوسفي قبل عشر سنوات، تم خلاله توظيف مجموعة من ضحايا سنوات الرصاص في سلك الوظيفة العمومية بالرغم من تجاوزهم السن القانوني لذلك، وكان من ضمنهم مناضلون معروفون داخل منظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، تعرضوا للسجن والمتابعات المختلفة في التسعينات. وأغلبهم تم توظيفهم في سلك التعليم، حيث احتج إخوان بنكيران آنذاك على ما اعتبروه ضربا لمبدأ تكافؤ الفرص في استفادة هؤلاء دون غيرهم من قرار كهذا. القرار اعتبرته الحكومة آنذاك يدخل ضمن صلاحيات الوزير الأول، وهاهو القرار ذاته يتخذه رئيس الحكومة، ويستفيد منه أشخاص معينون على بعد أربعة أيام فقط من انتخابات 4 شتنبر. والسؤال الذي يتم طرحه بإلحاح في انتظار تدقيق جريدة «الأخبار» في هوية الأسماء الموجودة في اللائحة، هل الأمر يتعلق بأتباع للحزب دفع لهم رئيس الحكومة «أجرة» الحملة الانتخابية بشكل مسبق، لاسيما كما قلنا أن رئيس الحكومة وقع على الرسالة يوم 31 غشت؟ أم أن الأمر يتعلق بالتفاتة «إنسانية» دون أن ينتبه رئيس الحكومة لعشرات الآلاف من المجازين المعطلين الذين ينتظرون استفادتهم أيضا من نفس «الكرم»؟ وماذا عن ضحايا اتفاق يوليوز ألا يستحقون هم أيضا «استثناء»؟ فصل التكوين عن التوظيف في سياق متصل، اجتاز يومي السبت والأحد الماضيين أكثر من 30 ألف شابة وشاب الشق الكتابي من مباراة الولوج للمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، بعدما تم انتقاؤهم من ضمن أكثر من 130 ألف مترشحة ومترشح، في ظل مستجد سيثير الكثير من النقاش، سيما وأن التوقيت الذي ظهر فيه لم يسمح بذلك. ويتعلق الأمر بمرسوم وزاري تبنته الحكومة قبل شهرين من الآن، يفصل التكوين عن التوظيف، حيث سيكون الحاصلون على شهادة التأهيل من هذه المراكز، بعد سنة كاملة من التكوين مضطرين لاجتياز مباراة توظيف، تماما كما يحدث في مؤسسات للتعليم الأخرى، ككلية الطب والصيدلة ومعاهد ومدارس المهندسين. فبالرغم من كون قانون الوظيفة العمومية في فصله 22 يؤكد على أن امتحانات التخرج تعد بمثابة مباراة توظيف في المؤسسات التي يعهد إليها بالتكوين حصريا لفائدة الإدارة، فقد صادقت الحكومة في شهر غشت الماضي، كما قلنا، على مرسوم يقضي بفصل التوظيف عن التكوين في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين. ونظرا لكون القرار كما صرح وزير التربية الوطنية رشيد بلمختار أملته دوافع بيروقراطية تتعلق بفك الارتباط بين نسق التكوين ونسق العمل الحكومي، وخاصة عدم رهن عمل مؤسسات التكوين بقانون المالية الذي يحدد عدد المناصب المخولة لقطاع التعليم. فإن المرسوم ما زال يطرح غموضا قانونيا، سيما وأن القانون الأساسي المعمول به حاليا داخل وزارة التربية الوطنية لا يساعد كثيرا في فهم تبعاته. ثم لكون المرسوم يجتر معضلة لم يعمل على حلها، وهي تكوين الأطر للمدرسة العمومية والخصوصية. فمن يقرؤه سيستنتج أن الحصول على منصب في الوظيفة العمومية يعد أهم من الحصول عليها في القطاع الخاص. وهذا خلل حقيقي لم يتم حتى الآن استدراكه، لأنه خلل يجعل الحديث عن الشراكة بين القطاع الخاص والعام مجرد شعار. وكأن الوزارة معنية فقط بتكوين مدرسات ومدرسي القطاع العام، لذلك ستعمل على انتقاء «الأفضل» للقطاع العام، بينما ستبقى العناصر «غير الجيدة» للقطاع الخاص. وهو منطق غير سليم. فإذا علمنا أن أغلب الذين استفادوا هذه السنة من حق اجتياز المباراة دون انتقاء، هم من خريجي برامج تكوينات معدة في الأصل للتعليم الخصوصي، بمعنى أن أغلب الذين سيلجون مراكز تكوين الأساتذة هم في الأصل أساتذة حاصلين على شواهد معترف بها للعمل في التعليم الخصوصي، فإن الغموض يبقى سيد الموقف عندما نعلم أيضا أن هؤلاء سيكون عليهم مرة أخرى بعد التخرج اجتياز مباراة أخرى للتوظيف في القطاع العام. والسؤال الذي يطرحه كثيرون. هل من معنى لكل هذا؟ من جهة أخرى، لا يمكن أن يخفي متتبعون أن هذا المرسوم، يستجيب لمطالب نقابية وتربوية وإدارية تم التعبير عنها بوضوح في الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والذي دعا بوضوح إلى استقلالية مراكز تكوين الأطر التربوية بصفتها مؤسسات للتعليم العالي غير تابعة للجامعة، واعتبار هذه الخطوة مدخلا أساسيا لجودة التكوين، حيث لا يمكن جعل مؤسسات التكوين تواكب رهانات المدرسة إلا من خلال ضمان استقلاليتها. مع التنويه هنا أن استجابة المسؤولين على قطاع تكوين الأطر على المستوى المركزي لهذا المطلب هي استجابة إيجابية ومشجعة. تجلت في التزامهم في أكثر من مناسبة مؤخرا بضرورة ترسيخ استقلالية المراكز، والتي تعني أن التكوين المهني للمدرسين سيكون التدبير التربوي والإداري من مهام المراكز ذاتها، سيما وأن بنيتها البشرية مؤهلة لخطوة كهذه.