ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجنس الإلكتروني.. أوله متعة وآخره ابتزاز
نشر في نيوز24 يوم 08 - 02 - 2015

تجد نفسك وأنت تتحدث إلى فتاة عبر نظام «سكايب»، ثم تشرع هي في نزع ملابسها، وتطلب منك أن تفعل مثلها.. توافق على ذلك وأنت مُستثار، حتى تنتهي القصة فجأة وتتحول صورة الفتاة إلى صوت رجولي قاهر: «لقد جرى تصويرك، وعليك أن تسلم المال كي لا نفضحك». ببساطة، هذا هو ملخص ما يقع للكثيرين بالمغرب: «ميليشيات» قادرة على تحويل تكنولوجيا التواصل إلى أداة للهدم. كيف يفعلونها؟ ومن هم ضحاياهم؟ وهل هنالك حلول لمن يجد نفسه في الفخ؟

ليس هنالك شيء أسهل من الإيقاع برجل في مصيدة على الإنترنت، ويصبح الأمر صعبا قليلا مع النساء، لكن المحتالين الذين يجدون في الابتزاز الإلكتروني تجارة مزدهرة، يستطيعون الوقوف بين الجنسين بالطريقة التي يرغبون بها؛ ويمكنهم أن يتحولوا إلى فتيات يطلبن اللذة، أو رجالا يرغبون في الزواج. يتقمص المحتال قبل أن يتحول إلى مبتز، الشخصية الملائمة لميول الضحية، ثم تنطلق العملية وكأنها خطة ألفت في الكتب ويجب التقيد بكل تفاصيلها.

احذر سكايب!
كي نفهم على نحو جيد، كيف تعمل ماكينة الابتزاز الإلكتروني بالمغرب، علينا أن نجري تمرينا بسيطا. قدم إلينا قرصان (هاكرز) سيبرنيتيكي نموذجا للهدف: بروفايل على «الفايسبوك» يسمي نفسه باسم (وردة)، ويتضمن صورة فتاة وجهها فاقع بزينة التجميل، وترتدي لباسا فاتنا. لا تمتلك أي أصدقاء مشتركين بيننا وبينها، لكن تقدم عبر حسابها، بعض المعلومات الشخصية، فهي مغربية وولدت في عام 1993. الصور الموضوعة على الحساب نشرت في وقت حديث ومتقارب كما يكشف تاريخ الحساب، ما يوحي بشكل كبير بأن الحساب قد أنشئ في وقت قريب. أرسلنا طلب صداقة، فتم قبوله على الفور، وساد الصمت بيننا. قرصان آخر يسمي نفسه «مول لانترنيت»، لم يترك لنا مجالا للمناورة، لأن العملية بحسب ما يقول، يجب أن تكون متقنة لدرجة أن كل الطلبيات يجب أن تصدر عنا لا عنها، حتى تستطيع هي أن تولد لدينا الثقة في أمرها. وبهذه الطريقة، شرعنا في استدراج من يجب أن نكون نحن، هدفه للاستدراج. كانت المحادثة قصيرة، لكنها عملية، لأن الطرف الآخر ظهر متعجلا: سؤال: كيف الحال؟ جواب: بخير؛ ثم تسألني هي: من أي بلد أنت؟ فأجيبها: من الكويت. ترسل لي مجسمين إلكترونيين علامة على الفرح، ثم ترسل الطلب الجوهري: «هل لديك سكايب؟». هنا، لم تعد هنالك حاجة إلى «وردة»، لأن العملية كان هدفها في الأساس هو الوصول إلى مرحلة «السكايب»، وقد حصل ذلك بسرعة قياسية، لكنها غير مفاجئة بالنسبة إلى الخبيرين في هذه العمليات. وعلى شكل تحذير، يطلق المتجولون أصحاب الخبرة في الإنترنت صيحة لعل أحد لم يسمعها: «إن قرأت في محادثة مع شخص مجهول بالنسبة إليك، كلمة «سكايب» وقد وردت على شكل طلب، فاعلم أنك مشروع ضحية، وما عليك فعله هو أن تغلق المحادثة وتنهي الأمر».
في بعض المرات، يمكن أن يكون الطرف الآخر في المحادثة، فتاة حقيقية، وليس رجلا مختبئا وراء شاشة حاسوب، ويضع صورة فتاة في بطاقة تعريفه على حسابه بالفايسبوك. قبل وقت قصير، نجحت فتاة من مدينة آسفي، تُدعى ليلى، في أن تُحوّل حياة مواطن سعودي إلى جحيم، ولكنها خططت بدهاء لما ستفعله، فقد شرعت أولا في الصيد، وكان هدفها رجل سعودي يملك مالا كثيرا، وقد بحثت عن خلفيته جيدا، قبل أن تبدأ في حصد الأرباح. ولكنها كانت تريد ماله فقط، لا شخصه. شكلت الفتاة حسابا على «الفايسبوك» يتضمن معلومات مزيفة، وصورة وجه نسائي معروف بالهند، غير أن السعودي لم يفطن إلى هذه التفاصيل، لأن الفتاة في كل الأحوال، وكي تغطي على جهلها للغة الهندية، أقنعته ببساطة، بأنها تعيش في المغرب منذ صغرها. ولما توثقت العلاقة بينهما على «الفايسبوك»، مرا إلى المحادثة المباشرة عبر الهاتف، ولأن الفتاة أبهرته، فقد قرر أن يتزوجها، حتى وإن كان كل ما يعرفه عنها هو صورة على «الفايسبوك» وصوت تحمله خطوط الهاتف. هنا، قررت الفتاة أن تستغل الفرصة كي ترمي بشباكها مرة واحدة. إذ شرعت في طلب أموال منه كتكاليف ضرورية لعقد القران، ولم يبخل السعودي عليها من جهته، ولم يكف عن إرسال المال. بلغ قدر ما بعثه إلى الفتاة مائتي مليون سنيتم، كما قال هو فيما بعد لرجال الشرطة، وفي كل الأحوال، فإن قدره لن يقل عن 48 مليون سنتيم كما أقرت الفتاة عندما قبضت عليها الشرطة. لم تخطط الفتاة في أن يحزم السعودي حقائبه ويسافر إلى المغرب كي يلتقيها وجها لوجه. وربما كانت خطة الطوارئ بالنسبة إليها بسيطة، لأن ما فعلته في واقع الأمر، لما هبط السعودي بمطار محمد الخامس بالدار البيضاء، هو أنها أقفلت هاتفها في وجهه. لكنها لم تكن تجري حساباتها بشكل دقيق، فقد فطن السعودي بشكل فوري إلى أن ما وقع له هو نصب. إذاك توجه إلى مركز شرطة ووضع شكاية ضد مجهول. لديه رقم هاتفي غير مشغل، واسم مزيف، وحساب وهمي على «الفايسبوك»، وفي العادة، فإن من يملك هذا القدر الضئيل والمضلل من المعلومات، لا تكون النتائج لصالحه، لكن الشرطة طورت تقنيات مطاردة الجريمة الإلكترونية، إذ سرعان ما سقطت الفتاة.

الصيد في ساحل الفايسبوك
تعكس عملية ليلى، كابوسا مزعجا للكثير من الأجانب المنحدرين من دول الخليج، فهم بحسب ما تظهره الشكاوى، أشخاص يسهل الإيقاع بهم في كمائن تصممها فتيات مغربيات. جمعة الخياط، وهو محلل اجتماعي سعودي، صاغ القضية بهذه الطريقة: «لقد تكونت عصابات من المغاربة تستخدم فتيات كطعم لصيد فرائسهم من الشباب والشيوخ الخليجيين المنهكين عاطفيا، والإيقاع بهم عبر موقع «الفايسبوك» وغيره من غرف الدردشة، ويجري إيهام الضحية بإقامة علاقة جنسية للمتعة عن طريق برنامج «السكايب». وبحسب الخياط، فإن الآلاف من الخليجيين تعرضوا لابتزاز باستعمال هذه الوسائل، ودفعوا عشرات الآلاف من الريالات والدولارات للمبتزين. وفي حقيقة الأمر، فإن الخياط لم يقدم الحقيقة بشكل مبالغ فيها، غير أن أهداف الابتزاز الإلكتروني الصادر من المغرب لا تستهدف الخليجيين وحدهم، بل وحتى المغاربة القادرين على تسديد المال. أمين راغب، خبير في تأمين برامج الكمبيوتر، يتلقى الكثير من شكاوى ضحايا الابتزاز الإلكتروني، وكما يقول، فقد بلغ عددها في عام واحد، نحو 2000 شكاية. كان الضحايا يريدون من راغب أن يعمل على «قتل المصدر»، أي أن يمحو الشريط المسجل في حاسوب الطرف الآخر، كي تتوقف عملية الابتزاز، وأيضا كي لا يُنشر الفيديو، فتقع الفضيحة. على كل حال، لا يستطيع هذا الخبير أن يفعل شيئا مهما، وهنا يقول: «إن المحتالين لا يضعون الفيديو في الحاسوب فقط، بل ويسجلونه في حوامل أخرى، أو في وسيط تخزين خارج الحاسوب ولا يمكن الوصول إليه عبر الشبكة، وكل ما يمكن فعله بعد أن تقول لا للمحتالين، هو أن تتدرب على كيفية حذف الفيديو بعد نشره». وما ينصح به راغب كل ضحايا الابتزاز الإلكتروني هو ألا يتصرفوا بتهور حينما يقعون في مشكلة: «لا تدفعوا أي مال للمحتالين، حتى وإن هددوكم بنشر الفيديو، لأنكم لن تستطيعوا وقف النشر وإن واصلتم الدفع، كن على يقين، أن الفيديو سيُنشر في نهاية المطاف، بعدما تدفع كل ما تملكه للمحتالين».
عادل تشكيطو، نائب في البرلمان، وجد نفسه في محنة بعدما نشر شريط فيديو يصوره وهو يمارس العادة السرية، بينما فتاة عارية تتحدث إليه عبر نافذة «سكايب». طلب المحتال من تشكيطو مبلغا من المال كي لا ينشر الفيديو، وهيأ النائب المال، لكنه بعد أن نصب كمينا للمحتال كما يقول. في نهاية المطاف، ألقي القبض على المحتال، لكن شريط الفيديو نشر على نطاق واسع، وتحول إلى فضيحة. ومع ذلك، لدى تشكيطو دفاع أخير: «ما فعله المحتال هو أنه فبرك صورتي داخل الشريط، ولست أنا في الحقيقة من يظهر في الصورة». لم يدعم أي من الخبراء في برامج الكمبيوتر مزاعم تشكيطو، لكن القضية أصبحت بين أيدي القضاء. لكن تشكيطو، قرر أن يعامل المحتال، وقد تسبب له في آلام كبيرة، ببعض الإنسانية، فتنازل عن الشكاية ضده. وكما يقول ل»أخبار اليوم»: «لقد طلب مني دفاع ذلك الشاب، لدواع إنسانية أن أتنازل عن الشكاية والمطالب المدنية، وقد وعدته بذلك، وبالنسبة إليّ، فإن ما وقع كان ابتزازا مختلطا بالفبركة، ويؤلمني كيف حوله بعض الناس إلى أمر حقيقي أستحق عليه الإدانة». كان الشاب ينحدر من مدينة واد زم، وهذه قلعة لكل المحتالين المرتبطين بالابتزاز الإلكتروني.

صفات المحتال!
العشرات من قضايا الابتزاز الإلكتروني أعادت المحققين نحو شبان يقيمون في «وادي زم»، ولم يُفهم على نحو دقيق، لم أصبحت تلك المدينة مركزا لهذه العمليات، لكنها كسبت سمعة سيئة بسبب تلك الأفعال. وتبقى أسوأ نتيجة حدثت هي موت كويتي بسبب عملية قام بها شاب من واد زم، وكانت العملية روتينية وفق قواعد الابتزاز الإلكتروني، فهذا شاب استدرج الكويتي عبر «الفايسبوك»، ومنه إلى «سكايب»، مستعملا حسابا مزيفا على أساس أنه فتاة، ثم طلب من الكويتي أن يجرد نفسه من الملابس، وبمجرد ما فعل ذلك حتى تغيرت الصورة، وبدأت عملية الابتزاز، وكل ما جرى بعدها هو بالضبط ما يحذر منه خبراء الإنترنت: استجاب الكويتي لطلب الشاب وبعث بمليون سنتيم، ثم عاد المغربي طالبا المزيد، لكن الكويتي تردد في الخضوع للابتزاز، فما كان من الشاب المغربي سوى أن وزع الفيديو على جميع أصدقائه وحتى أفراد عائلته في الفايسبوك. لم يستطع الكويتي أن يواجه الفضيحة، فانتحر تاركا رسالة يشرح فيها كل شيء، وبشكل سريع، وصل المحققون إلى واد زم، ثم غادروها ومعهم المغربي وعشرات الشرائط المسجلة لأشخاص آخرين.
ينبغي أن يكون المحتالون، الذين يجعلون من الابتزاز الإلكتروني تجارة مربحة، أشخاصا يتمتعون بقدر من الذكاء، وببعض الخبرة في برامج الكمبيوتر، وفي أغلب حالات توقيف المحتالين، تكون أعمارهم ما بين 18 و25 عاما، وهم يحاولون كل مرة، ومع مرور الوقت، تطوير أساليب عملهم وهم يصوبون نظرهم نحو الهدف المثالي: أن تجعل الجريمة كاملة. «مول لانترنيت»، وهو اللقب المستعار لقرصان أنظمة معلوميات في المغرب، يقول إنه قرصان أخلاقي في حالة حرب دائمة ضد النصابين والمحتالين، يقدم لنا الوصفة السحرية بالنسبة إليه، لنجاح عملية الابتزاز الإلكتروني: «كي تكون فعالا في الابتزاز، فعليك أن تكون بارعا في عملك، لأن ليس أي شخص يمكنه أن يكون هدفا مناسبا للابتزاز. إنك تستطيع أن تصور شخصا أو أشخاصا عراة بشكل سهل، لكنهم لا يكونون دوما مستعدين للدفع، لأنهم لا يضعون للفضيحة حسبانا، ولذلك، يجب عليك كمرحلة أولى، أن تعثر على الضحية المثالي؛ رجل متزوج ولديه أبناء، ويملك سمعة تجعله يخاف من الفضيحة.. وألح على كلمة رجل، لأن العثور على امرأة صعب للغاية، وإذا ما حصل ونجحت في العثور على واحدة، فقد أصبحت غنيا».
وبالرغم من صعوبة العثور على امرأة، إلا أن محتالين نجحوا في فعل ذلك، وكما يوضح راغب، الخبير المذكور في تأمين برامج الكمبيوتر، فإن النساء كن الهدف الرئيسي للمحتالين قبل سنتين، بيد أن الأوضاع تغيرت تدريجيا بعدما أصبح الرجال أهدافا سهلة للاستدراج، أكثر من النساء. هنالك مثال عن امرأة مغربية تقيم في هولندا تعرفت على شاب يسكن في مدينة وجدة عمره 28 عاما، عبر الفايسبوك، وكانا معا على وفاق من أجل الزواج، لكنها سرعان ما تراجعت عقب تعرفها على شاب آخر. كان خطأ هذه السيدة أن محادثاتها مع الشاب تضمنت مشاهد عري. وكي ينتقم الشاب من موقفها، قرر أن يشرع في ابتزازها. وكما جرت العادة، أرسل إليها مقطع فيديو على «اليوتوب»، وطلب 2000 أورو (أكثر من مليوني سنتيم) مقابل عدم النشر. كانت السيدة أكثر ذكاء من المحتال، إذ أخبرت الشرطة بالقضية، ثم تظاهرت بقبول طلبه، وتواعدا على اللقاء بمطار وجدة لإتمام الصفقة. حضر الشاب إلى هنالك، لكنه وجد الشرطة في انتظاره. للانتقام مساحة كبيرة في الابتزاز الإلكتروني، لأن هذه العملية لا تكون دوما مخطط لها بغرض الحصول على المال فحسب. إذ تجري في هذه الأثناء، محاكمة شاب في مدينة القنيطرة صوّر صديقته في أوضاع جنسية مخلة بالحياء وطرحها للتداول عبر الإنترنت. وفي كثير من الأحايين، تتعقب الشرطة بصفة تلقائية، الفاعلين، لكن هذه المرة، سقط هذا الشاب لأن صديقته هي من تقدمت بالشكاية ضده، ونادرا ما يقع ذلك.
وفي بعض المرات، يتحول التشهير عبر الفايسبوك إلى قضية عامة كما حدث مع صفحة «سكوب مراكش»، وهذه بوابة تخصصت في نشر صور فتيات عاريات أو حتى بملابسهن، لكنها تقدم معلومات شخصية على نشاطهن الجنسي، وعناوينهن ومعطياتهن الشخصية. نجحت مجموعات من «الهاكرز» المغاربة غير المعجبين البتة بهذه الطريقة في العمل على محاربة نشاط هذه الصفحة، حتى إن بعضهم كشف عن هوية صاحبها، وساعد مجهودهم الشرطة كثيرا على حجبها، إذ ثم توقيف بعض المشتبه في وقوفهم وراءها. كان خطأ صاحب صفحة «سكوب مراكش» هو محاولته تحويل الصفحة إلى موقع إلكتروني كي يستطيع جني بعض الأرباح المادية من وراء زيارة المشاهدين، لكنه لم يتوقع أن تسقطه مجموعات أخرى من الهاكرز بسبب هذا الخطأ. كان صحاب الصفحة شابا في الواحدة والعشرين من عمره فقط.
ما فعله الشاب مع السيدة المغربية التي تقيم في هولندا، عبر الفيديو المهيأ للنشر عبر «اليوتوب»، يشرحه أكثر «مول لانترنت»: «في المرحلة الثانية، وبعد العثور على الضحية، تؤسس لعلاقة صداقة بسيطة في بضعة أيام، وتتحدث معه بخصوص كل شيء، وحول لا شيء.. اترك الأمور تنساب بشكل طبيعي، ودعه يثق فيك، ثم اطلب منه هاتفه كي تستطيع الحديث إليه كصديق.. أنت الآن تنتحل صفة فتاة، وحاول أن تقنعه بأن يُعرفك على أصدقائه، وحتى إن لم تكن ترغب في الحديث إليهم، اطلب منه أن يرسل لك صورهم.. واترك الأمر هكذا، حتى يحين وقت يطلب منك هو أن تستعمل تقنية سكايب والكاميرا. وتذكر هذا، إنه هو من يجب أن يطلب منك فتح سكايب، وليس أنت، فهذا خطأ المبتدئين في النصب الإلكتروني، وحينما يتحقق ذلك يبدأ العمل». يشرح «مول لانترنت» كيفية الإيقاع بالضحية في المرحلة الثالثة قائلا: «ستستعمل برنامجين، برنامج «كامستوديو» للتسجيل، و»سبليت كاميرا» لإيداع فيديو مكان الكاميرا الخاصة بك، وعليك، كما يتوجب في هذه الحالات، أن تختار شريط فيديو لفتاة تكتب على لوحة مفاتيح حاسوبها، وهي شبه عارية، ولأنه رجل، فسيطلب رؤية عري أكبر، وأنت بمقابله، اطلب منه أن يكشف عن جسده، وما إن يفعلها، حتى تسجله ثم تقطع الاتصال. لن يفهم ما حدث، لكنك ستأخذ الفيديو وستسجله على اليوتوب دون إظهاره، وتكتب عنوانا مثل فضيحة فلان من المدينة الفلانية، وترسل له الرابط عبر رسالة في هاتفه، ولم ير النتيجة، يشعر بالصدمة، ومن هنا تبدأ في المساومة».

الزجر المؤجل
ليس هنالك إحصاء مدقق عن عدد ضحايا الابتزاز الإلكتروني، «لكن القضية تحولت إلى ظاهرة»، كما يقول محمد حنين، وهو نائب في البرلمان، يقود جهودا حثيثة لإقرار قانون يواجه هذه الأساليب في الإيقاع بالناس. في يوليوز الفائت، تقدم بمقترح قانون يغير بعض بنود القانون الجنائي، ومنذ ذلك الوقت، والمقترح يقبع في مكانه، ولم يدرج البتة في أي جدولة زمنية للمناقشة. وبحسب ما يقول حنين لنا، فإن «مساطر التشريع في بعض المرات، تكون باردة، ولا تستطيع أن تقيس حرارة قضية ما عبر مقترح قانون.. إن القاعدة المتفق عليها في البرلمان هي أن كل مقترح قانون قدم يجب أن يأخذ مكانه في صف طويل وينتظر دوره بحسب تاريخ إيداعه بمكتب مجلس النواب، ولا يهم ما إن كان موضوعه حيويا أو يكتسي طابع الأولوية». لم يظهر مقترح القانون في الجدولة المعلنة لدورة الخريف، ويعول حنين كثيرا على أن يُدرج في دورة الربيع (أبريل): «سيظهر لي ولك لا محالة أن الموضوع لديه أولوية، لكننا في البرلمان نملك تعريفات مختلفة لمفهوم الأولوية، وربما الكثيرون لا يرون في الابتزاز الإلكتروني شيئا يستحق إعادة ترتيب صف الانتظار لمقترحات القوانين».
في نص مقترح القانون، كتب أن «تطور التكنولوجيا الحديثة زاد من التهديدات التي تستهدف الحياة الخاصة بفعل الآثار الجانبية لهذه الطفرة الرقمية بما في ذلك تطور الإنترنت واستعمال الهواتف الذكية وتطور آلات التسجيل والتصوير بكيفية مذهلة، ما يؤدي إلى اقتحام الحياة الخاصة للأشخاص والاعتداء على حرياتهم الشخصية». ويضيف: «لقد أصبح الأشخاص عراة مكشوفين، ويجري تعقب خصوصياتهم سعيا وراء الابتزاز والحصول على مكاسب مادية، أو من أجل التشهير لأهداف سياسية أو انتقامية». بعد طرح هذا النص، بأربعة شهور، وجد تشيكيطو نفسه معنيا بهذه النتائج السوداء، فاستعمل حينها لمواجهة مد جارف للنيل منه، ما يسميه نص المقترح القانوني بالتشهير لأهداف سياسية، وكان من الضروري بالنسبة إليه أن يعيد تذكير الناس بموقف سياسي صدر عنه قبل عامين، حينما رفض حضور حفل الولاء بسبب امتعاضه من الركوع للملك. وقد صدق الناس أن يكون نشر الفيديو أو فبركته، خطة للتخلص من سياسي مزعج.
يقترح حنين إضافة ست مواد في القانون الجنائي، وتعديل واحدة. فقد أعاد صياغة الفصل 441 من القانون الجنائي، بحيث رفع من العقوبة المطبقة على «دخول مسكن الغير»، ثم وسع تعريف الدخول فأصبح هو «انتهاك حرمة مسكين الغير من أجل تصوير أو تسجيل مشاهد أو وقائع أو تسجيل أقوال تمس بالحياة الخاصة لأي شخص بهذا المسكن أو تمس بخصوصيته أو تنتهك حريته الشخصية». وسيلقى مرتكب هذه الأفعال عقوبة من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وغرامة من 10 آلاف إلى 50 ألف درهم. وبحسب حنين، فإن مثل هذه العقوبة ستحقق نوعا من الردع، لأن الجرائم الإلكترونية المتعلقة بالأفراد لا تطبق فيها على كل حال عقوبات مشددة. ويشرح حنين كيف أن دخول مسكن الغير وفق هذا القانون، يشمل الدخول عبر التكنولوجيا، وليس فقط، دخولا جسمانيا كما هو محدد في الصيغة القديمة للمادة 441.
نقرأ في مقترح القانون أيضا «منع التقاط صور أو تسجيل أشرطة صوتية أو مرئية أو أفلام أو غيرها لأي شخص في أماكن أو في أوقات يمارس فيها حرياته الشخصية في نطاق حياته الخاصة بدون علمه أو بموافقته المسبقة أو استنساخها أو نشرها أو ترويجها». ستطبق عقوبة تتراوح ما بين عام إلى ثلاثة أعوام وغرامة من 30 ألف إلى 60 ألف درهم ضد كل من فعل ذلك.
ثم شدد العقوبات أكثر ضد «كل من استعمل صورا أو أشرطة أو أفلاما تتضمن مشاهد أو وقائع ملازمة للحياة الخاصة لأي شخص قام بنشرها أو ترويجها من أجل الابتزاز أو التشهير أو الانتقام أو غيره». وسيكون على الفاعلين دفع سنتين إلى خمس سنوات من حياتهم وراء القضبان، وتسديد غرامة قدرها ما بين 5 ملايين إلى عشرة ملايين سنتيم، بسبب ما فعلوه. وسيكون من حق الضحية بموجب مقترح القانون، أن يسلك مسطرة الاستعجال لدى المحاكم لاستصدار أوامر قضائية بوقف نشر الفيديو.
ولأن قضية الابتزاز الإلكتروني المرتبط بمشاهد جنسية تحولت إلى ظاهرة بالمغرب، فإن هنالك سُعاة كثر مستعدون لتقديم خدمات بالمجان لمساعدة الضحايا على محاصرة تأثير الفضيحة. عدا «مول الأنترنت» بوصفه قرصانا أو هاكرز يملك تصورا أخلاقيا عن عمله، ويضع نصب عينيه محاربة المحتالين على شبكة الإنترنت، فإن هنالك أشخاصا آخرين يستطيعون تقديم النصح عبر مواقع متخصصة لكل الضحايا كيفما كانت جنسياتهم. هنالك صفحة تسمى «مكافحة الابتزاز على الشبكة العنكبوتية» تحاول دعم ضحايا المحتالين المغاربة، وتتلقى طلبات من كثير من الخليجيين. وفي كل مرة، يسعى صاحبها إلى أن يؤكد على شيء واحد: «إذا وضعت ثقتك في غريب، فاعلم أن تلقي بنفسك في بئر لا تعرف عمقه». وبوصفهم خبراء في برامج الكمبيوتر، فإن نصيحتهم تبدو غير مجدية: «اذهبوا عند الشرطة، وعليكم ألا تقعوا في الفخ مرة ثانية، حينما يحدث هذا لكم، فإن لا أحد يمكنه أن يساعدكم على إزالة أثر الفضيحة إلا الشرطة نفسها».
مشكلة هذه الصفحات أنها لا تلقى شعبية كبيرة، لأن الناس تخاف أن تستنجد بأشخاص آخرين عبر «الفايسبوك»، فتكون النتائج السيئة مزدوجة. وبينما يصل عدد المنضمين إليها نحو 300 فحسب، فإن المنخرطين في صفحات التشهير يتجاوز عددهم عشرة آلاف. وكما يلخص محمد التمارت، وهو خبير في تأمين برامج الكمبيوتر بالمغرب، فإن الابتزاز الإلكتروني لن يعدمه قانون، لأن وسائل العمل سهلة، وفي كثير من المرات تنجح الخدعة، ويكسب المحتالون المال بسهولة.. «سيستمرون في عملهم لأن الناس دوما تبحث عن اللذة، وهذه هي خطيئة البشر». ولأن لهذه الأعمال مستقبل، فإن تشكيطو، النائب البرلماني، يلقي بتحذير أخير: «ستصاب بالدهشة إذا عرفت من هم ضحايا تقنيات الابتزاز بالمغرب، لقد دفعتني تجربتي المرة إلى التعرف على أشخاص قادرين على تحويل حياة الناس إلى جحيم، ولحسن الحظ، كان هؤلاء الأشخاص هم من ساعدوني على التخلص من الفيديو المفبرك، وهم من أطلعوني على قائمة محبطة بضحايا الابتزاز الإلكتروني في هذه البلاد».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.