نزار بركة: تعبئة شاملة لحزب الاستقلال من أجل الوطن والمواطن    انقسامات بسبب مسودة اتفاق في كوب 29 لا تفي بمطالب مالية طموحة للدول النامية    طقس الأحد: أجواء حارة نسبيا ورياح بعدد من الجهات    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لقاء مثير مع شاب استطاع تحويل آلاف الأرواق النقدية إلى الخارج بمكالمة!
نشر في نيوز24 يوم 29 - 01 - 2015

«في الوقت الذي يزفون إلينا خبر استرجاع الأموال المهربة إلى الخارج.. تهرب منا أموال أخرى، بطرق غير قانونية، أبطالها شباب منتشرون في كل مكان. إذا كنت تريد إيصال مال إلى قريبك في أي دولة أوربية.. يمكنك أن تتصل به وتعلمه بالأمر، وتسلم رقم هاتفه إلى واحد من هؤلاء الوسطاء الذين التقيناهم أثناء إنجاز هذا الملف. هؤلاء سيتولون إيصال المال بطريقتهم الخاصة، ولن يعلم أحد منكما أي شيء عن الطريقة.. سيتوصل بمكالمة هاتفية يخبرونه فيها، أن يتوجه إلى مقهى، أو مكان عام، وهناك سيحصل على ماله قبل أن تودع أنت الوسيط».
قصة شاب حول أكثر من 300 مليون سنتيم إلى الخارج في أقل من سنتين!
كيف تستطيع مثلا أن تحول قدرا من المال إلى الخارج دون اللجوء إلى وكالة بنكية. العملية لا تتطلب إلا بضعة اتصالات هاتفية، وستجد أنك أمام شبكة من الوسطاء الذين يعملون في ما يشبه «بورصة» سرية، يصرفون العملة من الدرهم إلى أي عملة أجنبية تطلبها, خصوصا «اليورو». والأكثر من هذا أنهم يوفرون لك نقلها إلى الخارج، وقبل أن تغادر «الوكالة» الوهمية، ستجد أن الطرف الآخر قد أكد لك التوصل بالمال.
هذه الحكاية كانت انطلاقة بحثنا عن هؤلاء الذين يشتغلون وكالات متنقلة لتحويل الأموال إلى الخارج وصرفها إلى العملة الصعبة. العملية لا تتطلب السحر، وإنما تحتاج إلى هاتف ورقم للاتصال به في أي دولة تريد أن تحول إليها أموالك، لترى كيف أن العملية لن تستغرق إلا دقائق معدودات، وبكلفة أقل من الكلفة التي تتطلبها العملية نفسها بالطرق العادية.
«إنهم يعيشون على هامش الربح وهامش الصرف»، لكنهم يجنون الكثير من المال. المقصود هنا بهامش الصرف، أن الذين يقومون بعملية صرف العملة من الدرهم إلى اليورو أو الدولار أو أي عملة تفوق قيمتها قيمة الدرهم المغربي، يحصلون على هامش ربح عن كل أورو يبيعونه إلى زبائنهم المفترضين، وهؤلاء طبعا يعملون وفق ضوابط متعارف عليها في ما بينهم، وتحتدم المنافسة في ثمن البيع، كما أن أغلبهم يتابع باهتمام أخبار البورصة وأسعار صرف العملات مقابل الدرهم، وأثمنة البيع وأثمنة الشراء، وكأنهم خبراء اقتصاديون.
أغلب هؤلاء الشباب، متعلمون، يقول أحد مروجي العملة السابقين، الذي أكد ل«الأخبار»، أنه تراجع بشكل قطعي عن العودة إلى المتاجرة بالعملة وصرفها وتحويلها إلى الخارج، منذ حوالي ثلاث سنوات، بعد خروجه من السجن على خلفية الأنشطة التي كان يقوم بها سابقا في هذا المجال.
تحول هذا «التائب» إلى مصدر لنا، ويحكي كيف أن شبابا متعلمين حاصلين على درجات علمية رفيعة، لم يحالفهم الحظ بعد للعمل بمؤهلاتهم العلمية، فلجؤوا إلى هذا المجال. لكن كيف يمكن أن يدخل أي شاب عالما منغلقا على نفسه كهذا العالم؟
الجواب يأتي كالآتي: «بعضهم كانوا في البداية يرغبون في العمل كمرشدين سياحيين. يتربصون بالسياح الأجانب، ويستغلون مستواهم العلمي للتواصل مع السياح. منهم شباب حاصلون على درجات جامعية في اللغات الأجنبية، الفرنسية والإنجليزية والإسبانية وحتى الألمانية، ومنهم مهندسون في مجال المعلوميات، يتحدثون أكثر من لغة بطلاقة شديدة. هؤلاء الشباب وجدوا أنفسهم مطاردين من طرف الأمن، ويعاملون مثلما يعامل أصحاب «النصب السياحي»، تلفحهم الشمس الحارقة في الصيف، ويتهرب منهم السياح ظنا منهم أنهم نصابون محترفون.
هؤلاء الشباب وجدوا أنفسهم أمام ضرورة مغادرة مجال الإرشاد السياحي، وبفضل العلاقات التي نسجها بعضهم مع العاملين في المجال السياحي من أصحاب المحلات التي تبيع التذكارات للسياح والمطاعم، خصوصا وأنهم عملوا في صرف العملة للسياح الذين قبلوا أن يرافقهم هؤلاء الشباب كمرشدين.. أمام هذا الوضع أصبح لبعض هؤلاء الشبان شبه دراية بمجال صرف العملات في «النوار».. أي في الخفاء بعيدا عن الوكالات المخول لها صرف العملة والأبناك أيضا».
يقول المصدر نفسه إنه شخصيا عمل مع أزيد من عشرين شابا أعمارهم بين نهاية العشرينات ومنتصف الثلاثينات، وكلهم كانوا ينشطون في المناطق السياحية، والأرصفة المحاذية لوكالات الأسفار الشهيرة في أكبر شوارع الدار البيضاء، وفي ظرف وجيز تعلموا الطرق التي تمكنهم من الفوز بهامش ربح محترم من عمليات صرف الدرهم المغربي إلى الأورو وحتى العكس، بالنسبة إلى السياح الذين كانوا يحملون عملات أجنبية وافرة ويرغبون في استبدالها بالدرهم في جولاتهم السياحية.
يقول الناشط السابق في مجال صرف العملة: «قبل سنتين من دخولي السجن على خلفية الاتجار بالعملة، وهو العمل الذي أؤكد لك أنني لم أعد أقوم به ولا يربطني به أي شيء نهائيا، لاحظت أن عمليات صرف العملة الأجنبية لدى السماسرة تشهد إقبالا غير مسبوق. أظن أن للأمر علاقة بالأزمة المالية العالمية وقتها.. المهم. عندما كنت أقوم بعمليات صرف العملة وأشغل معي مجموعة من الشباب، عرض علي أحد الأصدقاء عملية مربحة للغاية، شريطة أن يكون الإقبال عليها كبيرا، وقال لي إنه يحتاج إلى توسيع شبكة علاقات بالمغرب، وأخبرني أنه يمكن أن يشاركني شبكته من الوسطاء في أوربا، كلهم أصدقاء له وتربطه بهم علاقات وثيقة بحكم أنه كان مهاجرا سابقا. الفكرة أن نقوم بعملية يقوم بها آخرون غيرنا، لكن المشكلة أننا كنا نريد أن نربح المزيد لأنفسنا، وبالتالي تأسيس شبكة وسطاء خاصة بنا. وأذكر أن الأمر لم يستغرق إلا أسابيع حتى أخبرني شريكي أن أصدقاءه في فرنسا وألمانيا مستعدون للعمل معنا في تحويل الأموال عبر شبكتنا الخاصة، وهكذا تدبرنا أمر أولى العمليات بمعارفنا الخاصة، وسرعان ما أصبح لنا زبائن لا يتم التعامل معهم إلا بعد التأكد من أنهم يرغبون فعلا في تحويل الأموال إلى أبنائهم, أو أصدقائهم في أوربا. كان الأمر في البداية يستغرق ساعات، وسرعان ما أصبح العمل مزدهرا، ومن خلال الخبرة التي اكتسبناها جميعا، أصبحت المبالغ المالية تتحول في دقائق فقط. كنا نحصل على المال هنا، ونربح مرتين، الأولى عند صرف الدرهم إلى الأورو، أي أننا نقوم ببيع الأورو إلى الزبون المغربي، ونتقاضى نسبة عن كل أورو نقوم بتحويله إلى أوربا. في الضفة الأخرى يحصل أصدقاؤنا على الأموال بطرق خاصة بنا، وأصدقاء يقومون هناك بأنشطة تجارية، وكان الشرط في البداية أن يتوفروا على رأس مال كبير يتيح لهم الاشتغال في البداية لتسليم الأموال في أوربا إلى الطرف الآخر إلى أن يتوصلوا منا بهامش أرباح.. أستطيع أن أقول لك إننا كنا نحول الملايين شهريا من المغرب إلى أوربا بتلك الطريقة». المثير في الأمر، أن شبابا اشتغلوا لحسابهم الخاص، ويقدرون المبالغ التي ساهموا في عمليات تحويلها بطريقتهم الخاصة إلى الخارج بمئات الملايين، ربحوا من ورائها هامش ربح محترم. يقول المتحدث ذاته: «..أعرف شابا اشتغل لحسابه الخاص، ولم يكن يملك إلا هاتفا للتواصل مع أصدقائنا في أوربا، وبعملية حسابية تقريبية قدر المبلغ الذي يمكن أن يكون قد حوله خلال سنتين أمضاهما معي، بحوالي 300 مليون سنتيم».
الطريقة بسيطة للغاية. إذ أن الشبكة تتوفر على المال في المغرب، وفي مدن أوربية أخرى. وعندما يتسلم الوسيط مبلغا ماليا، مهما بلغ حجمه، في الدار البيضاء، فإن شريكه المفترض في أوربا أو في أي مكان آخر، يتوفر على رأسمال مشترك، يتولى عملية إيصال المبلغ المالي إلى الهدف، في ظرف وجيز. وبذلك يكون الزبون قد ضمن وصول المبلغ الذي دفعه في المغرب، إلى الجهة التي يريدها، بينما يدخل هؤلاء الوسطاء في حسابات معقدة في ما بينهم، ويقتسمون هامش الربح، بطرق أخرى، تجارية.

لقاء مثير مع شاب يستطيع تحويل آلاف الأوراق النقدية بمكالمة قصيرة!
الكرة الأرضية بالدار البيضاء لم تعد تستوقف أحدا. الكل يمر بجانبها مسرعا. فتحنا حديثا مع أحد الذين يعملون في المجال، على أن نحاول من خلاله أن نعرف كيف تعمل هذه الشبكة في الخفاء. وبعدما تبين له أن أمرنا يهمه، أشار بيد خفيفة في اتجاه الجهة الأخرى من الرصيف. رغم أن الجو كان غائما، فإنه كان يضع نظارة شمسية سميكة، ويطوع شعر رأسه المنفلت بكمية كبيرة من مثبت الشعر. ويضع خاتما في اليد اليمنى وآخر في اليد اليسرى، والكثير من الدمالج البلاستيكية الملونة.
هو مغربي من بين آخرين كما يقول (قال أكثر من مرة بلهجة عصبية إنه ليس الوحيد الذي يصرف العملة)، يعملون مع عشرات المواطنين، على أقل تقدير، منحدرين من دول إفريقية، استقروا بالمغرب، ويتوفرون على الإقامة كما يقول، يعملون ليل نهار، لتلبية الطلبات التي لا تنتهي.
أغلب الزبناء، كما يقول، يأتون إلى مركز المدينة ويسألون عن سماسرة العملة وصرف الدرهم إلى العملات الأخرى، وبعضهم يسألون بالتدقيق عن وسيط لتحويل المبلغ المالي الذي تم تحويله إلى «اليورو» في الغالب، إلى الخارج بأقل تكلفة. الرحلة إذن تبدأ بالرغبة في صرف العملة بعيدا عن الوكالات التي يخول لها القانون ذلك.
قصة شاب التهمه عالم صرف العملة
عندما تسأله عن اسمه يبدي امتعاضا. يتحاشون ذكر أسمائهم، والرقم الهاتفي الذي قد يوصلك إلى واحد منهم، لا يعدو أن يكون إلا رقما مؤقتا.. يبدو الأمر واضحا من توفره على هاتفين. الأول غادرته الحياة، ولا يطلبه أحد، والثاني لا يتوقف عن الرنين. يحرص جيدا على ألا تتجاوز علاقته بمن يتصل به حدود الأوراق النقدية ومقابلها من العملة الصعبة. قد يصرف بضعة دراهم فقط، وقد يصرف الملايين أيضا.. الأمر يعود إليك أنت.
قفز على الاسم سريعا مبديا تبرما واضحا، للتأكيد على عدم العودة إلى السؤال مجددا. يتحدث فرنسية بلكنة إفريقية واضحة، وكأنه تعلم على لسان الذين يتعامل معهم. يقفز بثقة بين الباعة المتجولين، إلى أن يصل إلى واحد من الباعة، يفترش رصيفا جانبيا ويبيع لوحات فنية يكسوها الغبار. يطلب منا المرافق أن نقف دقيقة حتى يحصل لنا على المال. همس في أذن البائع، الذي لم يتردد في فتح حقيبة جلدية صغيرة يعلقها على يمينه، ليخرج منها أوراقا من «اليورو» ويسلمها له.
حتى لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، طلبنا منه، بعد صرف العملة طبعا إلى «اليورو»، إن كان بمقدوره أن يحول لنا المبلغ المصروف إلى الخارج. فكان رده: «لا مانع. سيكلفك الأمر مبلغا إضافيا يجب أن تؤديه باليورو وليس بالدرهم، وعليك أن تمدنا برقم هاتف الشخص الذي ستحول له المال. وأين يقيم بالضبط، وسأرى ماذا يمكنني فعله من أجلك. لن أستطيع مساعدتك إن كان يقطن في قرية صغيرة، أو منطقة معزولة مثلا. هل أخبرته بأنك ستحول له المال؟».
لم يكن هاتفه يتوقف عن الرنين طيلة المدة التي كنا نتحدث فيها إليه. في الأخير طالع شاشة الهاتف بكثير من الاهتمام، واعتذر حتى يرد على مكالمة يبدو أنها تختلف عن المكالمات السابقة التي وردت على هاتفه ولم يبادر إلى الرد عليها:
-آلو.. نعم.
-(..)
يرد بالفرنسية: «لا يجب أن تخلط الأمور يا صديقي. أقسم لك أنني لم أكن أتوفر على الأورو هذا الصباح. لقد حصلت عليه للتو. أنا في المكان المعلوم الآن. إذا كنت تحتاج إلى مال لتشتغل، عليك بالاتصال بالزعيم. أنا لست مستعدا لتزويدك بمال أحتاجه».
أقفل الخط بعصبية واضحة. وعاد بتركيزه كاملا لاستئناف الحديث حيث توقف بالضبط. يقول: «ما رأيك؟ هل ما زلت تفكر في تحويل المال. أخبرني بالقدر الذي تريد تحويله والجهة التي ستستقبله، والرقم الهاتفي حتى نصل إليه». لم يكن مستعدا للإجابة عن سؤال إضافي، لكنه بدا صبورا حتى يحصل على عمولته. «هل أنت متأكد أن المال سيصل حقا إلى الجهة التي نريد؟». وحتى لا يرد على السؤال بطريقة شافية على الأقل، اختار أن يرد عليه بسؤال آخر: «هل هذه هي المرة الأولى التي ستقوم فيها بتحويل المال إلى الخارج؟ كم سترسل؟ مائة؟ خمسمائة؟ هناك أناس يرسلون آلاف الأوروهات بهذه الطريقة. وستتأكد أن المال وصل إلى وجهته حتى قبل أن تغادر هذا الرصيف. يجب فقط أن يكون الطرف الآخر على علم بالموعد ومستعدا للخروج إلى حيث سيلتقيه من يسلم له المال».

حجاج ومعتمرون يتوصلون بأموال عن طريق الهاتف
صحيح أن الأمر لا ينتشر في هذا الحالة، بالقدر الذي تعرفه التحويلات المالية في اتجاه أوربا، إلا أن المصدر الذي دلنا في البداية على الوسيط في قلب الدار البيضاء، يقول إن هناك نشاطا موسميا، خصوصا في فترة عمرة رمضان، وموسم الحج إلى بيت الله الحرام، حيث يلجأ بعض الوسطاء، مثل الوسيط الذي التقيناه في البداية، إلى التركيز في عملهم على تحويلات مالية في اتجاه المملكة العربية السعودية، حيث يوجد بعض أصدقائهم، يحرصون على الاتصال بهم بشكل دائم. ويؤكد المصدر نفسه، أن هناك تحويلات مالية تتم أثناء فترات الإقبال على مناسك العمرة، خصوصا في عمرة شهر رمضان أو عيد المولد النبوي، ويكون التعامل بين الوسطاء في المغرب وأصدقائهم في السعودية، بواسطة تقنية «الواتساب»، أو «الفايبر»، حيث يتبادلون رسائل قصيرة مجانية وفورية، بقيمة المبلغ المالي المراد تحويله، والرقم الهاتفي للشخص الذي سيتسلمه، والمكان المحدد، وقد تستغرق أطول عملية مدة ربع ساعة فقط، ليتوصل الطرف الآخر هناك بالمبلغ المالي المطلوب، بتكلفة أقل من التكلفة التي تتطلبها عملية تحويل الأموال عبر الوكالات المعروفة.
يحدث أن يتعرض بعض الحجاج أو المعتمرين إلى عملية سرقة، وتضيع منهم بالتالي مبالغ مالية يخططون لاستعمالها في أداء المناسك، مما يدفعهم إلى الاتصال بذويهم في المغرب لتأمين العملية. ولأن البعض يعلمون أن هناك طريقة لإيصال المبالغ المالية مهما بلغت قيمتها بتكلفة أقل من التكلفة التي تعرضها الوكالات المتخصصة المنتشرة في كافة المدن المغربية الصغيرة، أو الكبيرة، فإنهم يلجؤون إلى خدمات هؤلاء الوسطاء الذين يتواصلون مع معارفهم هناك، ويحددون موعدا للقائهم مع ذوي زبائنهم هناك، وتتم العملية في غضون دقائق معدودات.
لكن المصدر الذي أشار إلى الأمر، يؤكد أن التحويلات المالية بتلك الطريقة، من المغرب في اتجاه المملكة العربية السعودية، لا تعرف الإقبال نفسه الموجود حاليا على عمليات تحويل الأموال بالطريقة ذاتها من المغرب في اتجاه أوربا. وهو ما يجعل أغلب الوسطاء، خصوصا غير المتمرسين منهم، يعدلون عن التوسط للمغاربة أو الأجانب، لإرسال أموالهم إلى تلك الوجهة، باستثناء موسم الحج ومناسك العمرة التي تشهد إقبالا ملحوظا في شهر رمضان أو عيد المولد النبوي، لتسجل تلك المعاملات بعض الارتفاع، لكن، حسب المصدر دائما، لا يمكن أبدا مقارنته مع الرواج الدائم لعمليات التحويل في اتجاه الدول الأوربية، خصوصا فرنسا.
قد يبدو أمر هذه التحويلات المالية في جميع الاتجاهات ضربا من الجنون، لأن الذين يعملون في المجال شباب عاديون، لكنهم يعملون على تحويل الملايين، ولا يبدو عليهم أنهم أباطرة أو أغنياء من نوع خاص، إذ أن الوسيط الذي التقيناه كان لا يتوقف عن التذمر بخصوص وضعيته المزرية، وكلما تحدث في هاتفه الذي لا يتوقف عن الرنين إلا نادرا، يعلن على طول الخط تذمره من الوضع ونضوب جيبه من العملة الصعبة، في حين أن هناك حديثا عن ملايين تغادر المغرب في اتجاه أوربا، دون علم وكالات تحويل الأموال ودون علم الاقتصاد الوطني.

وسطاء يصرّفون ملايين السنتيمات إلى الأورو يوميا
هؤلاء الوسطاء يلجؤون إلى تغيير أماكنهم بين الفينة والأخرى لأسباب معروفة بطبيعة الحال، وللابتعاد عن الفضوليين أيضا. بالنسبة للحالات العابرة، فإن الوسطاء يكونون أكثر حذرا. ويضيف المصدر ذاته بعد اطلاعه على ما دار بيننا وبين الوسيط، أن الأخير الذي تعاملنا معه، كان صبورا للغاية، ولا شك أنه صدق فعلا أننا نريد تحويل مبلغ مالي إلى الخارج. ما جعله يتراجع في الأخير، هو هزالة المبلغ الذي نريد تحويله، ولو كان المبلغ يستحق اهتمامه، واهتمام الشخص الآخر الذي يشتغل لحسابه، لمدنا مباشرة بالرقم الهاتفي، ولحرص على أن نعود إليه حالما يرد الطرف الآخر في باريس.. وهو ما كان مجرد تمثيلية فقط.
المصدر الذي عرضنا عليه تفاصيل الواقعة، يقول إن وسيطا واحدا يشتغل لحسابه الخاص، يمكن أن يصرف في المعدل اليومي، مبلغ 2 إلى 5 ملايين سنتيم، ويحولها إلى «اليورو». قد يبدو الأمر مبالغا فيه، لكن المصدر يؤكد أن هناك وسطاء يحولون هذا القدر من السنتيمات يوميا إلى الأورو، وهامش ربحهم في العملية يوفر لهم حياة مريحة للغاية. لم يستطع المصدر أن يحدد هامش ربحهم في العملية ولو بشكل تقريبي، لكنه يؤكد أنهم يربحون آلاف الدراهم يوميا، ويمكن أن يربحوا أكثر، بحسب الخبرة والتفاوض حول هامش ربحهم من خلال كل أورو يبيعونه إلى الراغبين في الحصول عليه بعيدا عن الجهات الرسمية المخول لها صرف العملة، وأقل منها بطبيعة الحال.
أما بالنسبة لتحويل الأموال، فإن المصدر نفسه يقول إن الملايين يتم تحويلها شهريا إلى الخارج بتلك الطريقة، ويقول أيضا إنه يعرف نشطاء في المجال يتعاملون مع مساعديهم بكثير من الصرامة، ويروي كيف أن شابا يتحدر من «مالي»، قد تعرض لتأديب عنيف، خلال سنة 2006 من طرف مشغله الذي يحمل الجنسية ذاتها، عندما علم أنه حاول مرة أن ينصب على زبون مفترض، بمده بأوراق «يورو» مزورة.

كيف يتم تحويل المال عبر القارات في بضع دقائق؟
من الدار البيضاء، حاول الوسيط إقناعنا أن المال سيصل إلى المدينة التي لم نخبره بها بعد. وبعد إلحاح منه، وتأكيد على أن عمولته لن تكون مرتفعة وأن العملية سليمة وتُجرى عشرات المرات يوميا، قلنا له إن الوجهة ستكون هي العاصمة الفرنسية، باريس. لم يكن يريد تضييع المزيد من الوقت في التفاوض: «شحال؟». تظاهرت بأنني لم أفهم: «كيف؟». زفر زفرة أعلن من خلالها أن صبره قد نفد تماما. يقول: «الآن قل لي. هل تريد أن ترسل فعلا أموالا إلى الخارج؟ ليس لدي وقت لأضيعه معك. إذا كان يهمك أن تصرف دراهمك إلى اليورو فقد صرفناها لك. سأقول لك كلاما من الآخر.. لا يمكنني أن أعيد إليك دراهمك. عندما تصرف العملة يكون الأمر قد انتهى. يمكنني أن أعيد إليك المبلغ بالدرهم، لكن مقابل عمولة إضافية. لا يمكنني أن أخدمك مجانا. أنت لست مغفلا حتى أمنحك أوراق أورو مزورة. الأورو الحقيقي والدرهم الحقيقي معروفان، ويمكن أن تتأكد بنفسك. وحتى تذهب عنك الشكوك، سلمني الأورو الآن وسأحوله لك إلى الخارج. انتظر وسترى بعينيك..».
كان عليه أن يتأكد أولا أن الطرف الآخر جاهز للعملية. ذهب ليتفاوض مع الشخص الذي منحه الأورو في البداية. وعاد تاركا تلك اللوحات اليتيمة مستسلمة للغبار. عاد هذه المرة بأسارير أكثر انفراجا، وأخبرنا أن الوسيط في باريس مستعد لتسليم أي مبلغ نريد. حددنا المبلغ في مائة وخمسين أورو، فاستغرب في شبه انزعاج وتساءل: «هل أنت متأكد؟ مائة وخمسون أورو مبلغ ضئيل للغاية. ماذا يفعل الشخص الذي سترسل إليه هذا المبلغ الصغير؟ لن يعينه على أي شيء في باريس». صمت لحظة وواصل: «اتصل به أولا حتى نتأكد من أنه مهتم فعلا. ثم ستسلمني رقمه الهاتفي هناك، وسنتحدث معه ليذهب إلى المكان الذي سنحدده ليتسلم المبلغ. بالمقابل عليك أن تسلمني المبلغ الذي تريد تحويله، سأتكلف بصرف الفارق إلى اليورو وكلفة تحويل الملبغ كذلك. الرجل الجالس هناك يقول إنه عليك أولا أن تتصل بالشخص الذي تريد تحويل المال إليه.. هل هو قريبك، أم صديقك؟».
لم يتوصل بأي جواب، لكنه لم يستطع مقاومة الرغبة في ربح المزيد من المال. أخبرناه أننا نتصل بالرقم المطلوب دون جواب: «لا بد وأنه يعمل الآن، أو أنه نائم.. هل أخبرته أنك ستحول له مالا هذا المساء؟.. شوف.. لا تأتي إلينا ما لم تكن متأكدا أن الشخص الآخر ينتظر، لا أحب أن أضيع الوقت دون نتيجة». طلبنا منه رقمه الهاتفي على الأقل حتى نعود إليه لاحقا، ويبدو أنه فهم ما نرمي إليه: «بإمكانك أن تعود إلي في أي وقت تريد، وستجدني هنا.. أكون هنا في أغلب الأوقات. وإذا لم تجدن فبإمكانك اللجوء إلى أحد آخر».
ليست الغرابة أن يترك «همزة» كهذه تضيع منه، لأن مصدرا آخر أخبرنا أن تصرفه ليس مفاجئا أبدا، لأن أمثاله يبتعدون فورا عن كل شخص يطرح الكثير من الأسئلة، أو يتراجع عن تحويل المال. يقول المصدر نفسه، وهو الذي أرسلنا إلى الشخص السابق، إن لهؤلاء زبناء كثر، يحولون لهم الأموال بانتظام إلى الخارج. أغلبهم يقومون بالعملية، بتكلفة منخفضة ومحددة سلفا، لأنهم زبائن أوفياء، يلجؤون إلى الأمر لتوفير المال لأبنائهم الذين يكونون في الغالب طلبة جامعيين، أو في المعاهد العليا بالمدن الأوربية. هؤلاء يتوفرون على أرقام هواتف الوسطاء، ويتعاملون معهم دوريا، وهناك ثقة كبيرة بينهم. في المقابل هناك حالات أخرى كثيرة، تتردد على الأماكن القريبة من «البازارات» وباب مراكش في قلب الدار البيضاء، أو بعض المحلات التجارية التي يوجههم نحوها زبائن سابقون، سبق لهم القيام بعمليات تحويل أموال إلى الخارج أو العكس، مقابل تكلفة منخفضة عن التي تقدمها الوكالات المتخصصة، وأصبحوا بالتالي يعلمون مكان نشاط الوسطاء.


تحويل المال إلى.. الصين!
ربما يبدو الأمر طريفا في البداية. لكن أحد المصادر الذي تحدثنا إليه أثناء البحث عن وسيط مفترض، قال لنا في إشارة عابرة، إن هناك أشخاصا بإمكانهم تحويل الأموال إلى الصين وليس فقط إلى أوربا، ولن يستغرق منهم الأمر غير مكالمة هاتفية لا تتجاوز مدتها ثواني معدودات. وأكد لنا أيضا أن الأمر يتم دون الحاجة إلى رصيد بنكي ولا شيكات ولا أي معاملات مشابهة. كل ما تحتاجه، أن تمتلك خيطا يوصلك إلى واحد من تجار الجملة الصينيين المنتشرين في أرجاء الدار البيضاء، وتقنعه أن يقوم بالعملية لصالحك.
«الإقناع» هنا لا يكون بالكلام. لا صوت يعلو فوق صوت المال. وهكذا لا يستجيب الطرف الأول في العملية إلا عندما يرى المبلغ المراد تحويله كاملا. ولن يستغرق الأمر إلا ثوان معدودات حتى يتصل بأصدقائه في الصين، ويمدهم بمعلومات عن الطرف الذي يفترض أنه سيتوصل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.