مثّل إعدام الرياض للأمير السعودي تركي بن سعود الكبير الأسبوع الماضي، مفاجأة للعالم الغربي، إذ تحدت تلك العقوبة التي تمت بناء على أوامر مباشرة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، قناعة البعض الذي كان يعتقد بصعوبة إنزال العقوبة على الأغنياء وأصحاب العلاقات والنفوذ. لكن إعدام الأمير تركي بن سعود الكبير الذي قتل رجلاً منذ 3 سنوات في مشاجرة بالأسلحة النارية، وضح كيف أن تطبيق المملكة العربية السعودية للشريعة يسري على الأغنياء وأصحاب الألقاب كباقي الأشخاص. طبقاً للتقارير، فالأمير السعودي قد اعترف بقتل عادل المحيميد في مشاجرة عام 2012. ومع أنه يُقَدَّر عدد أفراد العائلة السعودية المالكة بحوالي 6000 شخص، إلا أن هذا بالتأكيد لا يعني أن الأمير تركي كان فرداً غير مهم بالعائلة أو من السهل الاستغناء عنه. فالأمير تركي بن سعود الكبير هو سليل مباشر للأمير العظيم سعود الكبير.
عائلة تتمتع باحترام
وأفاد الكاتب البريطاني روبرت لاسي -مؤلف كتاب "المملكة" الذي يتحدث عن تاريخ السعودية- لصحيفة "ذا ديلي بيست" الأميركية، أنه في حين أن عائلة الأمير تركي ليست من النسل المباشر ل عبدالعزيز آل سعود، إلا أن عائلته تتمتع باحترامٍ شديد في السعودية. وقال عن الأمير سعود الكبير للصحيفة "سعود الكبير كان متزوجاً من الأميرة نورة، الأخت المفضلة للملك عبدالعزيز، والتي كان يعتبرها الملك أقرب أفراد العائلة له وكاتمة سره. وتمت تسمية الجامعة الكبيرة بمدخل الرياض على اسمها تكريماً لها. وكان سعود الكبير شخصيةً بارزةً في مجلس مستشاري الملك عبدالعزيز (الذي حكم حتى عام 1953)". وأضاف قائلاً إنَّ "الأمير سعود الكبير كان معروفاً بصراحته، وأنه كان دائماً يقول رأيه حتى عند اختلافه مع الملك، وهذا أكسبه المزيد من الاحترام". ومع أنه لم يتم إعدام أي من أعضاء العائلة المالكة بالسعودية منذ عام 1975، إلا أن لاسي يقول إنَّ معاقبة المخطئين هو أمر عادي بالنسبة للملك سلمان، فهو معتاد على تأديب أعضاء عائلته بشدة. فعندما كان حاكماً للرياض لعدة سنوات -الملك سلمان هو بالفعل المهندس المعماري للرياض الحديثة- كان لديه سجن بقصره، يودع فيه الأمراء عندما يقومون بسلوكيات سيئة. ولم يتسن لهافينغتون بوست عربي التأكد من المعلومات التي أوردتها صحيفة "ديلي بيست" الأميركية.
لا أحد فوق القانون
وقال لاسي "كملك السعودية الآن، استخدم الملك سلمان بالتأكيد هذه الواقعة الأخيرة لإرسال رسالة مفادها أنه لا يجب لأي شخص بالسعودية أن يعتبر نفسه فوق القانون". كان لإعدام الأمير بالفعل أثراً جيداً على المستوى المحلي، وهو ما ظهر في انتشار هاشتاغ "سلمان الحزم يأمر بقصاص أمير" بالسعودية، الدولة التي أعدمت 134 شخصاً حتى الآن هذا العام، وذلك طبقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش. تمت الإشادة بالملك محلياً بالسعودية لنزاهته في تعامله مع القضية، وطبقاً لأحد المصادر، فإن جميع أفراد العائلة المالكة قد تقبلوا إعدام الأمير تركي بدون اعتراض. وروى الإمام محمد المصلوخي -إمام وخطيب مسجد الصفا بالسعودية- اللحظات الأخيرة قبل إعدام الأمير، وقال إنَّ الإعدام قد تم تنفيذه في حضور والده، الذي شاهد الإعدام دون إبداء أية تعبيرات. وتحدث الإمام عن اللحظات الأخيرة الحزينة للأمير مع عائلته التي زارته للمرة الأخيرة بالسجن، وقال إنَّ الأمير تلا آيات من القرآن قبل إعدامه. وبرزت آراء في بعض أنحاء الدولة أن السلطات السعودية قد استخدمت واقعة إعدام الأمير لتعزيز شعبيتها. إذ إن السعودية تمر حالياً بأوقات عصيبة، وذلك بسبب الأزمة العالمية في أسعار البترول التي تسببت فيها برفضها لتقليل الإنتاج في مواجهة الركود العالمي في طلب البترول منذ عام 2014. كانت السعودية تأمل بعدم تقليل الإنتاج إلى تخفيض أسعار البترول في العالم للحد الذي يجعل أميركا تتوقف عن مشروعاتها في استخراج النفط الصخري. وبالفعل انخفضت أسعار البترول بشكل كبير، ولكن استراتيجية السعودية فشلت، وأصبحت تقنية النفط الصخري الأميركية أكثر فاعلية، مما أدى إلى تقلص حجم مصدر الدخل الرئيسي بالسعودية بشدة مع انهيار أسعار البترول.
إعدام الأمير ليس مفاجأة
يؤكد روبرت لاسي أنه ليس متفاجئاً بالمرة من إعدام الأمير، الأمر الذي يراه متوافقاً مع مباديء وشخصية الملك سلمان، ويرفض بشدة "هذا الزعم" بأن الأمير تمت التضحية به في محاولةٍ لتحسين صورة الملك. وأضاف إنَّه "بعض الأشخاص يرفضون الاعتراف بأي إنجاز يقوم به ملوك الخليج. من المهم أن نتذكر أن السعودية لم تقم قط بإعدام أي شخص من دعاة حقوق الإنسان المنتمين للفكر العلماني، وذلك على عكس إيران التي تشنقهم بالعشرات". بالفعل فإن إعدام الأمير كان متسقاً مع حكم الشريعة الإسلامية بخصوص القتل وتنفيذها للعدل. وهو ما صرح به محمد خالد اليحيى -الزميل غير المقيم بالمجلس الأطلسي- لصحيفة Newsweek قائلاً إنَّ "الأمير تركي تمت محاكمته طبقاً لنفس المعايير القانونية كغيره. الأمر واضح جداً بهذا الشأن، إن وافقت عائلة القتيل على العفو عن القاتل، يتم العفو عنه، وإن لم توافق، يتم تنفيذ الإعدام. ليس هناك مفر من هذا الأمر". وعلق الأمير فيصل بن فرحان آل سعود -أحد أعضاء العائلة المالكة- على موقف الملك سلمان أثناء حديثه لصحيفة نيويورك تايمز عبر الهاتف قائلاً "كان الملك يقول دائماً إنه لا فرق في تنفيذ القانون بين الأمراء وغيرهم، وأعتقد أن ما حدث هو دليل واضح على واقع هذه الحقيقة".