حي الشُجاعية”، هذا الاسم الذي تردّد طوال اليوم الأحد على لسان مذيعي نشرات الأخبار الدولية، والعربية كإشارة عاجلة لجرائم بشعة ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. وهذا الحي، هو أقدم وأكبر أحياء مدينة غزة، ويقع إلى الشرق من المدينة وينقسم إلى قسمين: الشجاعية الشمالية (إجْدَيْدَة) والشجاعية القديمة (التُركمان). ويقول المؤرخ الفلسطيني “سليم المبيض” لوكالة الأناضول إنّ حي الشجاعية هو من أبرز وأكبر أحياء مدينة غزة، بل ويكاد يكون معلّمها التاريخي الأول. وبسكن نحو 100 ألف نسمة في حي الشجاعية، الذي تم بناؤه في عهد “الأيوبيين” (سلالة كردية)، كما يقول المبيض، ويُنسب في تسميته إلى “شُجَاع الكردي” الذي قتل في إحدى المعارك بين الأيوبيين والصليبيين سنة 637 هجري/1239 ميلاد. ويؤكد المبيض أن حي الشجاعية تميز على مر التاريخ بأهميته كموقع استراتيجي عسكري، وكمفتاح لمدينة غزة، وهو ما يجعله عنوانا رئيسيا لأي عدوان إسرائيلي بري على قطاع غزة. وتم تقسيم الحي إلى قسمين شمالي وجنوبي: ويسمى الجزء الجنوبي من الشجاعية حي “تركمان”، بسبب تركيز العشائر التركمانية الذين استقروا هناك في عهد السلطان الأيوبي الصالح أيوب في الأعوام 1240-1249. ويسمى الجزء الشمالي (إجْدَيْدَة) أو حي الأكراد، وتم استقرار الأكراد في هذا الجزء وخاصة من منطقة الموصل. ولطالما كان “حي الشجاعية”، هدفا للهجمات الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة، في الحربين الإسرائيليتين الأخيرتين (2008, 2012)، ومنذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية في السابع من الشهر الجاري، كثفت إسرائيل من غاراتها على حي الشجاعية، لترتكب اليوم مجزرة بحق سكان الحي، إذ قتلت أكثر من 60 مواطنا اليوم في يوم وصف بالأكثر دموية وبشاعة. ويقول المؤرخ الفلسطيني “المبيض” إنّ حي الشجاعية يعتبر معلما للمقاومة، إلى جانب كونه معلما للتاريخ، إذ تشكلت فيه بدايات المقاومة المسلّحة الفلسطينية وأكثر ما يميز حي الشجاعية احتضانه لكافة الفصائل الفلسطينية، وكونه معقلا لانطلاقتها، إذ شهد البدايات الأولى لمنظمة التحرير الفلسطينية، والجبهتين (الشعبية والديمقراطية). كما أنه المقر الرئيسي للحركات الإسلامية وفي مقدمتها حركتي “حماس″ و”الجهاد الإسلامي، وضم الحي العديد من قادة كتائب القسام الجناح المسلح لحركة حماس ومن أبرزهم ” أحمد الجعبري” نائب القائد العام لكتائب القسام، والملقب برئيس أركان حركة حماس، الذي تتهمه إسرائيل بالمسؤولية عن عدد كبير من العمليات ضدها نجا من عدة محاولات اغتيال، وتمكنت الطائرات الحربية من اغتياله بقصف إسرائيلي على سيارته في يوم الأربعاء 14 نوفمبر/تشرين ثاني 2012. ومن أبرز الأسماء في حي الشجاعية يطل اسم “مريم فرحات” التي تحظى بشهرة واسعة في الأراضي الفلسطينية والمنطقة العربية؛ حيث تشتهر بلقب “خنساء فلسطين”، كونها قدمت 3 من أبنائها “شهداء” في إطار المقاومة الفلسطينية ضد الإسرائيليين. واشتهرت فرحات على نطاق واسع، عقب تنفيذ نجلها “محمد” عملية عسكرية ضد إسرائيل، أسفرت عن مقتل 9 جنود إسرائيليين في مارس/آذار 2002. ويقطن في حي الشجاعية أبرز العائلات في قطاع غزة كعائلة حلس، وينتمي أفرادها إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وباقي الفصائل الأخرى. ويغلب على ساكني حي الشجاعية الالتزام الديني، والترابط الأسرى، وأدى العمل العشائري والعائلي، لكثير من العائلات في الحي لتشكيل لجان إصلاح لحل المشاكل بين العائلات على امتداد قطاع غزة. ومن أهم معالمه “تل المنطار” الذي يرتفع بنحو (85) متراً فوق مستوى سطح البحر، وقد عسكر جنود نابليون بونابرت عليه، خلال الحملة الفرنسية على المنطقة، وقتل أمامه آلاف من جنود الحلفاء في الحرب العالمية الأولى . ويتواجد في الحي أكبر سوق شعبي في مدينة غزة، ويسمى “سوق الجمعة”. وسيكون الحي بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مع موعد لحكاية أخرى من فصول الألم ونبش الذاكرة، أمام ما لحق به من دمار وتخريب، وأوجاع لا يمكن نسيانها