رواية ماريو بارغاس يوسا التي تحكي عن كوارث حكم الديكتاتور. ″لا يستطيع الديكتاتور الخروج من الحكم إلا ميتا″عبارة بليغة وعميقة مأخوذة من الرواية ربما تلخص كل مضامينها، حين يقف كاتبها موقف من يرى ببصيرة ليصف رؤية الحاكم وفعل خروجه من الحكم في الدومنيكان. رواية تعالج أحداثها قضية الديكتاتورية المجسدة في حاكم عسكري مستبد وطاغية من المستحيل إخراجه من الحكم أو إبعاده عنه بدون أن يخلف وراءه أنهارا من الدماء. في حفلة التيس التي تدور أحداثها حول قضية سياسية مركزية، نتعرف على شخصية الدكتاتور″رافائيل ليونيداس تروخيو مولينا″الرجل الأول في الدومنيكان،الزعيم القوي والرئيس العائد إلى الوطن،مستعبد الاستقلال المالي فخامة الجنراليمو.ألقاب عدة لرجل واحد، يقابلها كذلك لقب التيس الذي أطلقه عليه معارضوه، تيس سيتحول إلى جلاد وطاغية بعدما استولى على الحكم سنة 1930 وليسيطر كذلك على كل ثروات البلاد، فوضعها في قبضته،بداية من مزارع قصب السكر والبن والنخيل،وشركات الطيران والتأمين،وكل مصانع تكرير النفط، وصولا إلى البواخر وتجارة المخدرات وصناعة الخمور، إنه مالك كل شيء. هكذا تدور أحداث الرواية حول شخصية ذلك الحاكم الطاغية الذي يخفي عينيه الشرستين وراء نظارة سوداء كي يتمتع بمراقبة الجميع وتفحص خبايا ضمائرهم،لتتطرق بذلك الرواية إلى وصف قضايا أخرى تدور في عالم الطاغية مثل علاقته مع ذويه المقربين والعاملين معه،وحكاية الفتاة أورانيا ابنة أوغاستين مساعده التي قدمها له هدية بغية الحصول على منصب أرقى، لتكشف أورانيا من خلال علاقتها بالديكتاتور الكثيرَ من الفضائح السرية عن شخصية الحاكم، تقول ضمن شهادة حقة:″هذا هو الجنراليمو المنعم على الوطن الذي خدمه أبوها طوال ثلاثين عاما بورع وإخلاص وقدم له ألطف هدية، ابنته ذات الأربعة عشر عاما كان في السبعين، وكانت في الرابعة عشر، يمسك بيدها كالجد والحفيدة″. طبعا،رحلت أورانيا عن البلاد إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية،وهناك قضت ثلاثين سنة ثم عادت بعد نهاية حكم الديكتاتور، لتبوح بأسرار وحقائق مطوية في علاقتها المأساوية معه. إذ كان يتلذذ بفتيات صغيرات وعذراوات، ويرى أنهن مجرد فاكهة لا غير..تمتع دفع ثلة من معارضيه إلى قتله والاستيلاء على الحكم لا أكثر. بحيث لا تظهر عند أي منهم نزعات تحررية أو رغبات حقيقية في تبديل نظام الحكم، بل الحلم لا يعدو مجرد وصول إلى كرسي الرئاسة والعيش على منوال الطاغية. مما يؤكد أن القمع لا يفرخ إلا القمع، وأن عملية قتل الحاكم الظالم لم تسفر عن أي تغيير أو تبديل جذري جدير بالاحترام. بل كان من نتائجه تحريك صراعات جديدة أكثر عنفا وأشد إكراها. وضع تزكيه شهادة إحدى الشخصيات حين تقول:″لن أسمح لك ولا لأي جنرال تافه بأن يخرب ما أنجزته، ستبقى القوات هي المؤسسة النموذجية التي صنعتها حتى لو اضطرني ذلك إلى إدخالك أنت وكل ذوي الزي العسكري التافهين إلى السجن طوال ما تبقى من حياتكم″. خطاب روائي يرتكز على كشف الأنظمة السياسية القائمة على القمع والرشوة والظلم، وصناعة الرعب وبثه بين الشعب بغية الحصول على الخضوع الكامل،وإزالة أي فكرة مسبقة عن إمكانية التحرر، وإقامة حكم ديمقراطي أساسه الشرعية والمساواة الشعبية. واقع مأساوي تؤكد صدقه شخصية قائد الجيش الذي عجز عن اتخاذ قرارات مناسبة بعد موت الحاكم لحماية النظام بكل ما أوتي من وسائل.دون أن يشفع له ذلك ويحميه من انتقام ابن الجنراليمو الذي أدخله السجن وعذبه حتى الموت. هكذا هي″حفلة التيس″رواية تعالج بدقة عالية فكرة الديكتاتورية المطلقة الموجودة منذ فجر التاريخ في كل زمان وفي كل مكان. وهو وضع غير غريب على كتاب أمريكا اللاتينية الذين تطرقوا لموضوعات الاستبداد كما هو في رواية″السيد الرئيس″لأستورياس،ورواية″خريف البطريق″لماركيز،حيث الاضطرابات السياسية التي مازالت أحداثها تحفر تاريخ ذاكرتهم حتى الآن.