صفات كثيرة تجتمع في لحسن الداودي وزير التعليم العالي، فهو مزاجي وسريع الغضب ولسانه يسبقه، وهو يسمع أكثر مما يقرأ، ويتكلم أكثر مما يستمع. فهو يعطي الدليل على أنه يجدر بالحزب الذي اقترح اسمه للحكومة، بأن يرفق ملفه بدراسة كافية وشافية عن حالته النفسية والعقلية. ألم يقل وزير الصحة في البرلمان إن نصف المغاربة يعانون من اضطرابات نفسية أو عقلية؟ إذن لماذا نفترض أن بعض وزراء هذه الحكومة يشكلون استثناء؟ فبعدما خاطب الحسن الداودي أساتذة الجامعات المضربين ب«الذيليين»، والمعطلين ب«العالة» والأدبيين ب«الخطيرين» على المجتمع، وكذا وصفه لبعض الطلبة اليساريين ب«المجرمين»، فإنه لم يمر سوى أسبوع واحد على موقعة «التعاضض» في البرلمان بين شباط واللبار، حتى سمعناه ينهر البرلمانية «مدام ميلودة» قائلا لها: -«شدي لرض وسمعي مزيان...». فهذه ليست جملة قالها قاطع طرق لضحيته، أو ماسح أحذية لمتشردة، بل هي جملة قالها وزير يدبر قطاعا يضم نخبة المجتمع وزبدته، بل إن الذين يحتكون معه في مقر الوزارة، يعتبرونها جملة «عادية» في قاموس هذا «الخبير»، لكونهم يسمعون يوميا ما هو أسوأ، وهذا يتم أحيانا في اجتماعات رسمية. فالداودي له باع طويل مع صفاقة اللغة و«تخراج العينين»، إذ يسهل على مستمع عادي أن يلامس تشنجه وعصبيته، حيث لا يمكنه أن يستمر في نطق جملتين كاملتين دون أن يبدأ في الشتم والاستهزاء والتهديد المبطن والمعلن. هكذا إذن تنضاف جملة سوقية جديدة للمعجم السياسي المغربي الذي شُرع في تأليفه، منذ أن فقدت السياسة في هذا البلد كل قيمها وأخلاقها، وأضحت سوقا تحتضن كل أنواع «الشناقة». والحقيقة أن علاقة الحسن الداودي مع عادة «جيب يا فم وكول» هي بمثابة علامة مميزة له في حزبه وفي مكاتب وزارته، فالرجل معروف لدى الخاص والعام في حزبه أنه «مكيعرفش يهضر»، والغريب العجيب هو أنه بالرغم من هذه «الميزة» التي تميز ابن «فم الجمعة» في أزيلال، فقد أسند إليه قطاع يفترض أن يكون هو عماد الحياة العلمية والثقافية والأخلاقية والأدبية والاقتصادية في بلادنا، ليحولها الوزير، لأسباب كثيرة سنقف عند بعضها، وبسبب طبعه المندفع، إلى وزارة لا تختلف كثيرا عن سوق أسبوعي، أي «كل سوق ورزقو»، فمرة يصرح بأنه يدافع عن استقلالية الجامعة، وأن هذا مبدأ أساسي لتقدمها، لكنه لا يتردد في ربط كل حواسيب رؤساء وعمداء الجامعات والكليات إلى حاسوب مركزي، ليتحكم فيهم ويراقبهم، بل توجيه الترشيحات لتنصيب بعض أبناء الحزب أو المقربين له، تماما مثلما يسعى الآن للقيام به بمحاولته فرض صديق له، على شاكلة زميله مصطفى الخلفي، على رأس جامعة محمد الخامس، ولم يجمد رغبته هذه إلا التهديد الذي حمل توقيع سبعة عشر مديرا وعميدا لكبريات المدارس والكليات التابعة للجامعة، بكونهم سيقدمون استقالة جامعية إن هو أقدم على ذلك، لكون هذا «الصديق» مجرد موظف مسؤول عن الأحياء الجامعية بالوزارة ولا علاقة له بالجامعة والبحث العلمي. ومرة أخرى لا يتردد في أن يرسل المذكرات تلو الأخرى، والتي يخرق فيها القانون، ويتدخل لرؤساء الجامعات وعمداء الكليات في صميم عملهم، كالمذكرة التي أرسلها السنة الماضية لإلغاء الامتحانات الشفوية من اختبارات الولوج للماستر، مع أنه وقع بقلمه على دفاتر تحملاتها، والتي تلزم أصحاب هذه الماسترات بإجراء الامتحانات الشفوية. وفي السنة الماضية أرسل مذكرة يفرض على الأساتذة الراغبين في استكمال دراستهم الجامعية التوفر على ترخيص، وعندما جاء بلمختار وتبنى القرار نفسه، ولكي يحرجه مع الأساتذة و«ينقي» صفحة حزبه معهم، فإنه طالب رئيس الحكومة بمراجعة قانون يعود لبداية الثمانينات، فإذا كانت المذكرات الموقعة باسمه متناقضة، فلا ننتظر العكس من تصريحاته وكلامه. والحقيقة، إن كان «التشيار» في اللغة يسيء له مع أساتذة التعليم العالي بصفة عامة، فإنه أفاده كثيرا على المستوى الحزبي، وذلك لكون طريقه إلى دائرة القيادة في حزبه لم تكن مفروشة بالورد، فقد صارع بكل الوسائل ليضمن له «الملتحقون» بحزب الخطيب المكانة التي كانت له قبلهم. وقد كان الداودي الرجل الثاني في حزب الخطيب، قبل التحاق بنكيران وإخوانه به، ولم يخف يوما طموحه لقيادة الحزب، وعندما كان بنكيران يوزع «غنيمة الحقائب»، كان يمني النفس بإحدى الوزارات الغنية، وعلى رأسها وزارة الاقتصاد والمالية، لكنه وجد نفسه وزيرا على قطاع فقير بإمكاناته، وساخن بسبب الصراعات التاريخية لمكوناته، إذ بالنسبة له العودة من مدينة المنفى الرباط إلى فاس «شباط»، والتي طرد منها شر طردة، ولجامعة فاس تحديدا وهو وزير مسؤول عن قطاع التعليم العالي، فلهذه العودة جاذبية وجدانية لن يقاومها هذا الرجل الذي تختزن ذاكرته الحروب التي قادها هناك. والآن، وبعد قضائه زهاء أربع سنوات على رأس وزارة التعليم العالي، فإن كل الأدلة تشير إلى أن الحسن الداودي، الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي الذي كل إنجازاته أنه اقترح التوقف عن تصدير «ماطيشا» وتصدير العلم مكانها، أخطأ طريقه نحو وزارة تحيط بها كل عناصر الفشل، علما أن أي سؤال حول الجامعة تتم الإجابة عنه في محيطها، أي في الاقتصاد والسياسة والمجتمع والكثير من المعطيات ومن التاريخ أيضا، لذلك فلا تغيير نظام الدراسة، ولا نظام التقويم، ولا توفير المقاعد في المدرجات، ولا توفير الأساتذة يمكن أن يجيب عن الأسئلة الجوهرية للجامعة المغربية. لذلك فهو لا يزال لم يجد قط «اللحن» الذي يوفق بين الإشراف السياسي على قطاع تطالب كل مكوناته بالديمقراطية والاستقلالية، ولا يبدو أنه سيجده، في ظل الهرج والمرج الذي تحدثه قراراته وتصريحاته غير المتزنة. ذلك لأن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، هذه الوزارة «الكبيرة» من حيث انتظارات المجتمع المغربي منها، ولكن «الفقيرة» بالإمكانات المادية المرصودة لها، و«اللجوجة» بمكوناتها البشرية، هي وزارة لن تستطيع لوحدها حل معضلة «تفريخ المعطلين»، لكون شعار «الجامعة مفتاح التنمية»، توجد مفاتيحه في السياسة الاقتصادية للحكومة، لذلك فقد ركن الرجل إلى التدبير اليومي، وإلى الخرجات الإعلامية ليبرئ ذمته من جهة وللمشاغلة النقابية والسياسية من جهة أخرى. الداودي يعرف أن السعي لطرح أرضية توافقية لإصلاح الجامعة المغربية، سيفقد حزبه الكثير من وزنه الانتخابي في صفوف شبيبته، كما أنه يعرف أن مقولة ربط الجامعة بالمحيط تفترض تعبئة حكومية شاملة وليست فقط قطاعية، خاصة أن القرارات الاقتصادية لحكومته حالت دون توفير المناخ الاقتصادي الكفيل بمواكبة متطلبات الإصلاح الجامعي. كما أن هذه المقولة ليست الحل السحري في مناخ عالمي يفرض الكثير من التحصين الثقافي والاجتماعي قبل «فتح الباب». لذلك فهو يفضل «عدم الكلام» في المجلس الحكومي، لكنه «يتبورد» في البرلمان وفي التصريحات الحكومية لإخفاء هذه المعضلة وهذا العجز المزمن.