بسم الله الرحمن الرحيم عيد الشغل لأمة لا تحسن إدارة الدنيا!! السلام عليكم: معذرة يا سيدات وسادة، فلست أنكر على أحد اتخذ له عيدا يفرح له، ويخصه بيوم من أيام عمره، ولكني أرى أن الأعياد في بلادنا العربية والإسلامية عموما، قد فقدت غايتها، وأُفْرِغَت من حقائقها، وحادت عن مقاصدها النفسية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية. لقد علَّمَنا دينُنَا الإسلامي أن الأعياد في حقيقتها تتويج لأعمال كبرى وعبادات عظمى، يؤديها المسلم، ويفني فيها جُهدا ووقتا، فيحتاج بعدها إلى راحة بدنية، وسعادة نفسية، تُنْسِيه عَنَتَ الجهد وتعب العمل. فعيد الفطر مثلا يأتي بعد ثلاثين يوما من الصيام والقيام، وعيد الأضحى يقرر مبدأ التضحية بشهوات النفس ونزواتها، ويُذَكِّرُ بالموقف الأكبر لأبي الأنبياء إبراهيم عيه الصلاة والسلام، الذي أمره ربه بذبح ولده إسماعيل، لينتزع من أعماق نفسه حب ولده وفِلْذَةَ كبده، ويُؤْثِرَ عليها طاعة الله مولاه. فهو بحق درس في إيثار المبادئ على الشهوات، مهما استحكمت هذه الشهوات في الفطرة والنفس. والأعياد في أبسط دلالاتها، لا يُقْصَدُ بها إلا قومٌ يدركون رمزيتها الدينية، وأبعادها الوطنية والاجتماعية، وأهدافها الأخلاقية والسلوكية، ومراميها التربوية، وإلا فما فائدة عيد الفطر لمن لم يدع قول الزور والعمل به طوال شهر الصيام، وما قيمة عيد الأضحى لمن لم يُضَحِّ بالشهوات والغرائز المنحرفة! وما أهمية عيد الأرض والمرأة والطفل والشغل وغيرها من الأعياد الوطنية والإنسانية والبيئية!! ما أهميتها عند قوم لا يحترمون أرضا ولا يكرمون امرأة ولا طفلا، ولا يؤدون عملا، ولا يتقنون شغلا!؟ إن للعيد بعدا نفسيا ورمزية ثقافية، لا أَخَالُ ذلك متحققا في عيد الشغل الذي يحييه العرب والمسلمون في كل البلدان، جنبا إلى جنب مع إخوانهم في الإنسانية من بني الحضارات الغربية المعاصرة، وغيرهم من ساكنة الكرة الأرضية. فعيد الشغل لمن يعمل عملا بانيا، ويبذل جهدا متواصلا، ويؤسس حضارة عريقة، أما العرب المسلمون، ونحن منهم، فلا عملا بَنَوْه، ولا جهدا أفْنَوْه، ولا حضارة عريقة جددوا قوائمها، إلا قليلا ممن لا يغني صلاحهم في شيء، ولا يكون لعطائهم أثر، وفي الحديث الشريف عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها قَالَتْ: (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ! وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ!! فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذَا؛ وَحَلَّقَ بِأُصْبُعَيْهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ!؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ.) [رواه الإمام أحمد] فإذا كان أهل الصلاح لا يُغْني صلاحُهم في مجتمع كَثُرَ فيه أهل الفساد! فما ظَنُّكَ بقوم سادَتُهُم هم أفسدُهم، وأغنياؤهم هم أظلمُهم، وفقراؤهم هم أجرمُهم، وأئمتهم أخرسُ الناس عن قول الحق!؟ ماذا فعل العرب المسلمون في مجال الصناعة والاختراع والثقافة والفن، وماذا فعلوا في جانب الإعلام والنشر، والفلاحة والتجارة والإدارة!؟ إن من نظر إلى أحوال الشباب واهتمامهم بكرة القدم، وفوز أو خسران البارسا والريال، سيعرف يقينا أن هذه الأمة مهمومة بسَفَاسِفِ الأمور لا بمعاليها، وأنها لا تَأْبَهُ بركب الحضارة والتقدم الذي تُسَاقُ أقْدَارُه سَوْقَ البعير إلى ديار الغرب وبلدان أمريكا، فلكأنهم خلقوا للدنيا، وخلقنا نحن ليس للآخرة، حاشا أن نكون بأعمالنا ومواقفنا من أهلها، بل كأننا خلقنا لا لنلهو ونلعب، فإننا لا نُحْسِنُ اللَّهْوَ واللعب أيضا، ولكن لنُصَفِّق لهذا الفريق أو ذاك!! إن أمتنا لم تعد تحسن إدارة الدنيا والآخرة معا، إنها فقدت صوابها بالمرة، وأصابها في شبابها وأهل العقل فيها دُوَارٌ رهيب، لا تستفيق منه، ولا يَتْرُكُ لها فرصة إعادة التوازن بين جوانب الحياة المتعددة، من الدين إلى الثقافة إلى الفن إلى الاجتماع إلى العلوم المتنوعة، إلى الفلاحة إلى السياحة إلى الابتكار والاختراع وهَلُمَّ جَرًّا، وحق عليها قول الباري تبارك وتعالى في تصوير بليغ لحال الشخصية التي انهارت تماما، عند قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [البقرة : 17 /18]. لقد فَقَدَ قومنا إلا قليلا منهم حاسة السمع والبصر والكلام، وفقدوا معها أداة التفكير والإدراك، وزعموا أنهم يريدون الحياة، ونَسُوا أن الحياة صناعة، تحتاج إلى من يتقن فَنَّ بنائها، وأن السماء كما قال عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لا تمطر ذهبا ولا فضة. والسلام عليكم الأستاذ : سعيد المنجا الأحد 29 أبريل 2012م مدينة أفورار