حظي البرنامج الحكومي لحكومة سعد الدين العثماني، بثقة مجلس النواب، حيث صوت 208 برلمانيا ينتمون لأحزاب الأغلبية، مساء أول أمس الأربعاء، بالمجلس على البرنامج، مقابل امتناع 40 برلمانيا ومعارضة 91 نائبا ونائبة. وبهذا يكون المجلس قد منح ثقته للحكومة الجديدة بناء على ما ينص عليه الدستور في فصله 88 الذي جاء فيه "تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح برنامج الحكومة". وبعد مصادقة مجلس النواب على البرنامج الحكومي، تكون الحكومة الجديدة، قد استكملت شروطها الدستورية لتمارس صلاحياتها وتصبح مسؤولة عن أعمالها أمام البرلمان. وكان سعد الدين العثماني قد أكد، في رده، خلال جلستين عموميتين بمجلسي البرلمان على مداخلات مختلف الفرق والمجموعات النيابية المتعلقة بالبرنامج الحكومي، أن البرنامج الحكومي يقترح تجديد النموذج التنموي للمغرب للسنوات القادمة واستثمار رصيد الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية التي راكمها. وأوضح العثماني، خلال هاتين الجلستين، أن الحكومة تقترح عدة محاور تتعلق بتطوير النموذج الاقتصادي والنهوض بالتشغيل والتنمية المستدامة وتعزيز التنمية البشرية والتماسك الاجتماعي والمجالي، وترسيخ الحكامة الجيدة، من خلال أكثر من 300 إجراء عملي وفعال. وفي ما يخص معدل النمو المقترح، يضيف العثماني، يتوقع أن يعرف نمو الاقتصاد الوطني تحسنا ليناهز ما بين 4.5 و5.5 بالمائة مقابل 3.2 في المائة خلال الولاية السابقة، مسجلا أن هذا التحسن سيعزى بالأساس إلى تحسن نمو الأنشطة غير الفلاحية، الراجع إلى التطور الإيجابي الذي يعرفه القطاع الصناعي والتعافي المتوقع للأداء الاقتصادي لدى الشركاء وخاصة في أوروبا، مما سيدعم الصادرات والاستثمار وتحويلات المغاربة القاطنين بالخارج. من جهة أخرى، يؤكد العثماني، ستجعل الحكومة الإصلاح الضريبي ضمن أولوياتها، حيث ستقوم باستكمال تفعيل التوصيات المنبثقة عن المناظرة الوطنية لسنة 2013، وذلك عبر رزمة من الإجراءات من بينها، مواصلة الإصلاح الضريبي وخاصة تحسين مردودية التحصيل وتبسيط مساطره وإقرار العدالة الجبائية، ووضع إجراءات خاصة بمحاربة التملص والغش الضريبي والتهريب. وبخصوص تقوية القطاع الصناعي، أشار رئيس الحكومة، إلى أن البرنامج الحكومي يقترح في هذا الصدد، حزمة من التدابير الإرادية والقوية تهم دعم القطاع الصناعي والقطاعات الواعدة الأخرى، تتمثل بالأساس، في تسريع وتيرة تنزيل المخطط الجديد لإصلاح الاستثمار وخاصة تفعيل النظام الجبائي التحفيزي الخاص بالشركات الصناعية الجديدة والصناعات المصدرة الكبرى بهدف دعم قدرتها التنافسية والإنتاجية. من جهة أخرى، يضيف العثماني، فإن البرنامج الحكومي يقترح تعزيز استفادة المقاولة المغربية من اتفاقيات التبادل الحر واتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وتقييم مجموع اتفاقيات التبادل الحر القائمة وإشراك القطاع الخاص في التقييم وفي المفاوضات الخاصة بعقد اتفاقيات جديدة واعتماد دراسات قبلية لتقييم آثارها وضمان مصالح الصادرات المغربية. أما في ما يتعلق بتشريع الشغل، يؤكد السيد العثماني، فإن الحكومة عازمة على التزام المقاربة التشاورية والتشاركية والحرص على ضمان التوازن بين الحقوق وبين والواجبات، بين حقوق العمال وبين مقتضيات تسهيل حياة المقاولة، والدفاع عن مطالب العمال بكافة الاليات الدستورية والقانونية بما في ذلك الحق في الإضراب وهو الحق المكفول دستوريا. وبشأن إصلاح أنظمة التقاعد، شدد السيد العثماني على التزام الحكومة، بجميع الاتفاقات الحاصلة في هذا الموضوع مع "شركائنا الاجتماعيين والاقتصاديين"، وفي مقدمتها المبادئ الأساسية للإصلاح التي تبنتها اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد في اجتماعها بتاريخ 30 يناير 2013، ولاسيما، اعتبار منظومة القطبين كإطار عام للإصلاح الشمولي لقطاع التقاعد في مرحلة أولى، والعمل على توسيع التغطية لفائدة غير الأجراء. من جهة أخرى، ومن أجل التخفيض التدريجي من معدل المديونية، يضيف العثماني، عملت الحكومة على إدخال مقتضيات جديدة ضمن القانون التنظيمي الجديد للمالية تتضمن تأطيرا قانونيا أكثر دقة للمديونية عبر إدخال قاعدة ذهبية تنص على حصر الاقتراضات في تمويل نفقات الاستثمار وسداد أصل الدين فقط، وهذا ما جسدته الحكومة على أرض الواقع بمناسبة إعداد مشاريع قوانين المالية لسنوات 2015 و2016 و2017. وفي ما يتعلق بمديونية المؤسسات العمومية، ستعمل الحكومة على تحسين تمويل المؤسسات والمقاولات العمومية، علما أن مختلف القرارات المتعلقة بالاستدانة يتم التداول فيها في إطار أشغال الأجهزة التداولية لهذه الهيئات وتخضع لدراسات قبلية. وبخصوص الحكامة وتعزيز قيم النزاهة، أكد العثماني أن الحكومة ستعمل أيضا على استكمال الترسانة القانونية ذات الصلة، وخاصة القانون المتعلق بالحصول على المعلومة، وميثاق المرافق العمومية، وتطوير المنظومة القانونية المتعلقة بالحكامة والرقابة المالية، ودعم ومواكبة الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، واعتماد التخطيط الاستراتيجي الشامل والمندمج في تدبير العمل الحكومي. وفي ما يتصل بإصلاح الإدارة، ستنهج الحكومة إصلاحا عميقا وشاملا للإدارة وتقريب الخدمات العمومية من المواطن باعتماد آلية الإدارة الرقمية على الخصوص، ومراجعة نظام الوظيفة العمومية وسياستها في تدبير الموارد البشرية، وإرساء نظام للتفاعل السريع والجدي مع شكايات المرتفقين، وتحسين حكامة وتمويل المؤسسات والمقاولات العمومية. وبشأن السياسة العامة في مجال الطاقات المتجددة، ذكر رئيس الحكومة، بأنه تم بلوغ معدل 32 بالمائة من الاندماج الصناعي بالنسبة لمحطة "نور ورززات 1" بعد أن كان من المنتظر ألا تتعدى هذه النسبة 30 بالمائة، وذلك من خلال الاستعانة بمقاولات مغربية في قطاعات البناء والأشغال العمومية والحديد والربط بالأسلاك الكهربائية. وتم أيضا بخصوص المحطتين الشمسيتين "نور ورززات 2 و3" فرض نسبة اندماج تبلغ 35 بالمائة على الأقل. وتشجيعا للمقاولات المغربية في هذا المجال، يضيف العثماني، تم إحداث تجمع في مجال الطاقة الشمسية "كلوسترسولير" من طرف الوكالة المغربية للطاقة المستدامة الذي يضم فاعلي صناعة الطاقة الشمسية، وذلك بغية تطوير البحوث التطبيقية وتعزيز الابتكار التكنولوجي في قطاعات الطاقة الشمسية الموجهة لإنتاج الكهرباء. من جهة أخرى، يضيف العثماني، نص البرنامج على إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، استناد إلى الرؤية الاستراتيجية التي أعدها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، مع تثبيتها في شكل قانون إطار يضمن لها الاستمرارية والتناسق ويعطيها قوة حقيقية في التنزيل، وهو ما يشكل سابقة في هذا المجال. وفي الجانب الصحي، فقد بلغت مساهمات الدولة منذ تعميم نظام المساعدة الطبية ما يناهز 3 ملايير و657 مليون درهم منها مليار و675 مليون درهم تم ضخه في الحساب الخصوصي للأدوية من صندوق دعم التماسك الاجتماعي، ومساهمات الجماعات الترابية التي بلغت حوالي 378 مليون درهم، تم ضخها بالحساب الخصوصي للصيدلية المركزية، وتحويل مبلغ مليار درهم لفائدة المراكز الاستشفائية الجامعية، وكذا تحويل مبلغ 7 ملايين درهم لفائدة معهد باستور، وضخ مبلغ يفوق 47 مليون لفائدة الوكالة الوطنية للتأمين الصحي. وعلى صعيد آخر، فإن البرنامج الحكومي، يقول رئيس الحكومة، خصص إجراءات مهمة لدعم الطبقات الفقيرة والمتوسطة على مستوى الولوج إلى السكن عن طريق تحفيزات تمويلية موجهة، وتعميم التغطية الصحية لفائدة العمال غير الأجراء وفئات أخرى، وتعزيز مجموعة من البرامج الاجتماعية مثل تيسير، والمنح الدراسية، ودعم الأرامل والمطلقات والأشخاص في وضعية إعاقة. أما في ما يتعلق بإصلاح نظام المقاصة، يضيف العثماني، فستواصل الحكومة هذا الإصلاح تدريجيا وبمنهجية راشدة بالموازاة مع توجيه الاعتمادات الموفرة إلى دعم الفئات الهشة والمحتاجة وتمويل سياسات وبرامج التنمية الاجتماعية، وفق آليات وجدولة سيتم تحديدها في إطار تشاور موسع.