توفي صباح أمس الجمعة، الفنان المسرحي المغربي المخرج والممثل والمناضل الأستاذ جمال الدين الدخيسي، عن سن ناهزت 63 عاما، بعد معاناة مريرة مع المرض، إذ أسلم الروح لباريها بإحدى مصحات العاصمة حيث كان يتلقى العلاج، صبيحة يوم الجمعة 24 مارس الجاري (وهو اليوم الذي يصادف ذكرى عيد ميلاده).. ووري جثمانه الثرى، أمس، بعد صلاة العصر والجنازة بمقبرة الشهداء بالرباط. انتشر الخبر الفاجعة في كل الأوساط وأشعل واجهات وصفحات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، مخلفا حزنا وأسى كبيرين وسط الفنانين والمثقفين الذين كانت تجمعه معهم صداقات وعلاقات إنسانية ومهنية لأكثر من ثلاثين سنة من الحضور في المشهد المسرحي والسينمائي الوطني. وأجمعت نخبة من رموز المسرح والسينما والفن الدرامي المغربي في تعليقاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي (الفايسبوك) على المكانة المتميزة للراحل كممثل ومخرج وأيضا كمعلم أجيال من شباب الممارسة المسرحية بالمملكة.. حيث قدم جمال الدين الدخيسي عبر مساره الحافل الذي يمتد لأزيد من ثلاثين عاما، العديد من المسرحيات، أشهرها إخراجه لمسرحية «مهرجان المهابيل» للراحل محمد مسكين، وفي السينما والتلفزيون شارك في أفلام مثل «يما» لرشيد الوالي، و»الوشاح الأحمر» لمحمد اليونسي و»أوركسترا منتصف الليل» لجيروم كوهين أوليفار و»حياة بريئة» لمراد الخوضي ثم «الذئاب لا تنام» لهشام الجباري.. وكان آخر عمل ظهر فيه الراحل هو فيلم «نوح لا يعرف العوم»، من إخراج رشيد الوالي، وهو الشريط الذي عرض في الدورة الأخيرة من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة.. كما تميز مساره بالدور الرائع الذي لعبه في الفيلم التلفزيوني «حياة بريئة» لمراد الخودي والذي استحق معه جائزة أحسن ممثل في المهرجان الأخير للدراما التلفزيونية بمكناس (مارس 2017). وكان الراحل الذي تلقى تكوينه في فن التمثيل والإخراج بالأكاديمية الروسية لفن المسرح، قد حظي بتكريم مؤثر في افتتاح الدورة 18 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، يوم 3 مارس الجاري، حيث بدت عليه علامات المرض التي لم تنل من حيويته وإيمانه برسالة الفن. كما سبق أن حظي بتكريم كبير من قبل وزارة الثقافة في افتتاح المهرجان الوطني للمسرح بتطوان السنة الماضية.. وتخرج على يد الفقيد العشرات من أبرز نجوم التشخيص في المغرب، إبان تدريسه للفن المسرحي بالمعهد الوطني للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، كما حظي بتقدير واسع سنوات إدارته للمسرح الوطني محمد الخامس. وكان الراحل قد التحق في سن مبكرة بالعمل السياسي كمناضل في صفوف حزب التحرر والاشتراكية، ثم في حزب التقدم والاشتراكية حيث كان عضوا في لجنته المركزية ومناضلا نشيطا في قطاع الثقافة والاتصال التابع للحزب.. كما كان من أنشط طلبة الحزب في الخارج حين كان يستكمل دراسته العليا بالاتحاد السوفياتي (سابقا)، وبعد عودته من ديار الهجرة أبلا البلاء الحسن في الحياة الحزبية بالمنطقة الشرقية خصوصا بمدينتي وجدة وجرادة.. قبل أن يستقر في الرباط. وبهذه المناسبة الأليمة تعبر أسرة تحرير بيان اليوم عن صادق تعازيها ومواساتها إلى أسرة الفقيد وبالأخص زوجته الكريمة وأبنائه وإخوته وسائر أفراد عائلته وطلبته وأصدقائه ورفاقه وكل العائلة الفنية والمسرحية، سائلين العلي القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جنانه وأن يلهمنا وذويه جميل الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون. ******************** *شهادات المخرج نور الدين زيوال : الدخيسي فنان جامع مانع جمال الدين الدخيسي أستاذ كبير للمسرح، تربت على يديه أجيال مختلفة من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، إنه بمثابة أب، ومكون مسرحي من الطراز الرفيع، لقد دفعنا إلى حب مهنة التمثيل. كرس جزء كبيرا من حياته للمسار المهني في التكوين المسرحي، وفي خدمة العديد من الفنانين الذين سار لهم في الوقت الحالي صيت كبير. لقد شغلته المهام الإدارية عن إبراز طاقته الفنية، خاصة في مجال التمثيل، حيث تقلد مسؤولية تسيير مسرح محمد الخامس بالرباط، وكذا المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وكان يتعامل مع طلبته في المعهد، باعتباره أصدقاء قبل كل شيء. غير أن الطاقة الفنية التي يختزنها بداخله لم تضمحل، حيث استطاع أن يفرض ذاته في مجال التمثيل، ونال عدة جوائز باعتباره أحسن ممثل. تجاربه الفنية متعددة، مطبوعة بمسار احترافي، فقد شارك في أفلام روسية، علما بأنه تلقى تعليمه الأكاديمي في الإخراج المسرحي بموسكو، وهو يعد من مؤسسي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وأغلب الممارسين في الميدان الفني الدرامي والمسرحي والسينمائي، تكونوا على يديه، من قبيل رشيد الوالي وعبد الكبير الركاكنة وغيرهما. إنه منفتح على الجميع، أتقن عمله في مجال التسيير الإداري للمعهد وفي ما بعد لمسرح محمد الخامس، كما أنه كان ملقنا بشكل رفيع في ما يخص إدارة الممثل. لقد كان من المدافعين الأوائل في المعهد المسرحي على الانفتاح على أشكال تعبيرية فنية أخرى، من قبيل: الأوبرا والسمفونيات، لقد أسس لتجربة فنية فريدة. كما أن القليل من الناس يعلمون أنه شاعر، وقد أبدع باللغة الفرنسية في هذا المجال بحكم أنه كان في البداية أستاذا للغة الفرنسية. جمال الدين الدخيسي جامع مانع، فقد اشتغل إلى جانب رواد المسرح المغربي، من قبيل أحمد الطيب العلج والعربي الدغمي وغيرهما.. واستفادت من تجربته وخبرته أجيال مختلفة. *الممثلة لطيفة أحرار: لم يؤلف كتبا لكنه كتبنا نحن فوق الركح أعتز بكون جمال الدين الدخيسي أستاذي، إنه فنان ومخرج مسرحي ومربي، وشغل عدة مهام إدارية، حيث تقلد مسؤولية إدارة مسرح محمد الخامس بالرباط، فضلا عن أنه ترأس قسم المسرح بوزارة الثقافة المغربية، وأدار المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط الذي لم يتقاعد عنه إلا قبل شهر ونصف تقريبا، وكان له إسهام في إخراج مشروع الدعم المسرحي إلى حيز الوجود. يمكن القول إن الفن المسرحي المغربي والعربي فقد بوفاته فنانا كبيرا ومكونا في مجال المسرح من الطراز الرفيع. أعتقد أنه بسبب اشتغاله في الظل، لم يتم تسليط الضوء عليه باعتباره فنانا له بصمته الخاصة. لقد تتلمذ على يده العديد من الفنانين الذين ينشطون حاليا في الساحة الثقافية، سواء في مجال التشخيص أو السينغرافيا أو التنشيط الثقافي، أذكر منهم: سعيد أيت باجا، حميد بسكيط، إدريس الروخ، رشيد الوالي، مجيدة بنكيران، سناء الزعيم وغيرهم. كما لا ننسى أنه أطر العديد من المسرحيين في منطقة الشرق، علما بأنه يتحدر من مدينة وجدة، وساهم في النهوض بالمسرح في هذه المنطقة ككل. صحيح أن جمال الدين الدخيسي لم يؤلف كتبا، لكنه كتبنا نحن فوق الركح. *الممثل سعيد أيت باجا :الدخيسي أب روحي لأجيال مختلفة من خريجي المسرح جمال الدين الدخيسي يعد أستاذا لجيل من المسرحيين المغاربة، كما أنه يعد الأب الروحي لأجيال مختلفة من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، لقد كان عاشقا للمسرح إلى أبعد الحدود. إنه أستاذ ورجل إنساني بكل ما في الكلمة من معنى، تعلمنا على يده الصبر وحب الميدان الفني بنكران الذات. إنه مصاب جلل وحزن عميق أن يودعنا الفنان والمربي جمال الدين الدخيسي، خاصة وأننا نعيش هذا اليوم أجواء الاحتفال باليوم العالمي للمسرح، ومن مصادفات القدر أن يكون يوم وفاته هو يوم عيد ميلاده ذاته. هذا الرجل رحمه الله، يعد أيقونة المسرح المغربي، لقد تقلد عدة مسؤوليات لها ارتباط وطيد بالمسرح، من قبيل: إدارة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، ورئاسة قسم المسرح بوزارة الثقافة. لقد أعطى الكثير للمسرح، وهناك إجماع على نبله وحبه للمسرح. تخرجنا واشتغلنا في الميدان الفني وظللنا نعتبر أنفسنا طلبته، لا نشبع من التتلمذ على يده. حين تم تكريمه وكان ذلك بحضور مجموعة من طلبته، عبر في شهادته قائلا إن تلك اللحظة هي من أجمل لحظات حياته. لقد درس في روسيا تقنيات المسرح، وحمل معه هذه الخبرة إلى المغرب، ولقنها لأجيال عديدة من الفنانين الذين صار لهم حاليا موقع متميز في الساحة الفنية. لقد كان أول درس افتتاحي للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، من إلقائه. لقد أنجز العديد من الأعمال المسرحية، وظل يحمل هموم المسرح كما ظل متعلقا بحب هذا الفن. بعد فترة من التدريس بالمعهد العالي للفن المسرحي، أدار هذا المعهد بنفس جديد، كما تم تعيينه مديرا للمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، ويمكن اعتبار الفترة التي أدار فيها هذا المسرح، من بين أزهى الفترات. لقد سرقته الإدارة من فن التمثيل الذي يعشقه، ولكن حين رجع إلى عشقه الأول هذا، رجع بقوة، وخلف بصمة خاصة، ونال جوائز عديدة، كما هو الحال بالنسبة لجائزة أحسن ممثل في مهرجان خريبكة وكذا مكناس. ومن بين الأعمال السينمائية التي شارك فيها: فيلم الوشاح الأحمر، وفيلم ذئاب لا تنام، وغير ذلك من الأعمال السينمائية والدارما التلفزيونية. *الناقد محسن زروال: وداعا جمالوفيتش المسرح المغربي.. والتمثيل المغربي يفقد واحدا من أعمدته.. واحدا من رموزه.. واحدا من أساتذته تعليما وممارسة.. إن لم أقل رمزه الحقيقي.. جمال الدين الدخيسي.. الممثل والمخرج والأستاذ.. يغادرنا هذا الصباح.. بعد معاناة مريرة مع المرض.. لا نملك أمام هذا المصاب الذي يصيبنا في مقتل.. إلا أن نطلب له السلام.. فنم قرير العين.. لقد تركت خلفك جيلا من تلامذتك.. تركت خلفك امتداداتك التي لن تنقطع.. ورحما لن يجف.. عزاؤنا واحد……. يا لسخرية القدر.. أن تموت في يوم ميلادك.. ففي اليوم الذي بكيت حياة.. نبكي عليك مماة.. وداعا جمالوفيتش.. *الممثل فريد الركراكي : يرجع الفضل للدخيسي في أنني فنان الأستاذ والصديق جمال الدين الدخيسي رحمه الله، يرجع له الفضل في كوني أتابع ممارسة فن الإخراج والتمثيل ويكون لي موقع في الساحة الفنية. على يده تخرجت العديد من الأجيال بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وحتى بعد التخرج والانخراط في الميدان الفني، ما زلنا نعتبر أنفسنا تلاميذه. اشتغلت معه في الإدارة، على اعتبار أنه تحمل مسؤولية قسم المسرح بوزارة الثقافة. يمكن القول إنه قد رافقنا في الدارسة والعمل على حد سواء. لم يكن جمال الدين الدخيسي يبخل علينا بأي كبيرة أو صغيرة تتعلق بميدان الفن، لقد كان معنا دائما، وكان يمد لنا يد المساعدة لمواصلة السير على درب الفن، فما أحوجنا إلى كثير من الشخصيات في مستوى الراحل جمال الدين الدخيسي. إن تجربته الفنية غنية، فقد كان مكونا في المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، كما أن له تجربة مهمة في مجال التمثيل، علما بأن تكوينه الأكاديمي، كان في مجال التمثيل والإخراج وكان ذلك بروسيا. يمكن القول إن ممارسته للتكوين المسرحي، استغرق أغلب فترات حياته، فالعديد من الفنانين المسرحيين المغاربة الذي أصبحوا نجوما، تعلموا على يده. غير أن تجربته في ممارسة التمثيل بالرغم من مدتها القصيرة، فقد كانت غنية ونوعية، حيث شارك في مجموعة من الأفلام السينمائية والتلفزية الناجحة، وكانت له بصمة قوية في هذه الأفلام، بدليل أنه أحرز على جائزة أحسن ممثل في مهرجان الدراما التلفزيونية بمكناس، دون أن نغفل الإشارة بهذا الصدد إلى أن تجربته الفنية بدأها باعتباره ممثلا، لقد وهب وقته كله للتكوين المسرحي، وحين اتجه للمارسة التمثيل، قام بذلك عن جدارة واستحقاق، وشخص أدوارا مؤثرة. إن له قدرات فنية كبيرة، وبصمة قوية في الساحة الفنية.