لم تكتف السلطات الجزائرية، في حربها ضد المغرب، بتجييش وسائل إعلامها، إنما أضافت إلى الكثيبة رئيس ما يسمى «اللجنة الاستشارية الجزائرية لحقوق الإنسان»، الذي لم يتردد في وصف أحداث العيون بكونها «إبادة وجريمة ضد الإنسانية يرتكبها بلد عدواني». بغض النظر عن التعبير اللغوي البعيد عن المعجم الحقوقي والقانوني، والغارق في المواقف السياسية، فإن صاحبنا يجهل أن كل مصطلح في مجال حقوق الإنسان له معنى محدد وشروط، في غيابها لا يمكن لكل مبتدئ في القانون أن يطلق الكلمات والأوصاف على عواهنها. لم تقل أمنيستي التي أوفدت خبراءها إلى عين المكان بالإبادة، ولم تقل ذلك هيومان رايتس، ولا الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ولا غيرها، وفقط قسنطيني توافر له الكشف، وأخرج للناس عاريا ...من كل مصداقية. من جهة أخرى، فإن فاروق «البعيد عن العدل»، يترأس ما يفترض أن يكون «مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان في الجزائر»، ومثل هذه الهيئات تؤطر عملها وتركيبتها وإنشاءها «مبادئ باريس» التي تشدد بالخصوص في شروط: الاستقلالية والتعددية، بالإضافة إلى الحرص على حماية حقوق الإنسان داخل البلد وتعزيزها... وحيث أن جيراننا لا يفهمون حقوق الإنسان إلا ضمن منطق أعرج تديره المؤسسة العسكرية، فإن لجنة التنسيق الدولية لمثل هذه المؤسسات ترفض قبول عضوية قسنطيني ولجنته، وهو ما يجعله يكتفي بدور وكيل الجنرالات، وينفذ أي شيء، ما عدا أن يهتم فعلا بحقوق الإنسان. في الجزائر، هناك وضعية استثناء، ولم نسمع لصاحبنا رأيا حقوقيا، كما لم نسمع له جملة واحدة عن الضحايا الجزائريين للانتهاكات والذين لا يستطيعون حتى الاحتجاج داخل بلدهم، ويحرصون على إسماع أصواتهم ومطالبهم من داخل أوروبا، وأحيانا من داخل التظاهرات الحقوقية التي يشاركون فيها بالمغرب.. هذه الأيام تجري مواجهات مسلحة في الجزائر، والأخبار تتحدث عن قتلى، وصاحبنا قسنطيني مشغول ب...المغرب. لم نسمع له أيضا أي جملة عن قضية مصطفى سلمى ولد مولود الذي تعرض للاختطاف وللتعذيب وللاختفاء القسري، كما لم نسمعه مرة يتكلم عن الانتهاكات الفضيعة المرتكبة في حق المغاربة المحتجزين في تيندوف، ولا عن معاناة المغاربة الذين رحلوا منذ أزيد من ثلاثة عقود من الجزائر وصودرت أملاكهم... مؤسسة وطنية تزعم أنها تعنى بحقوق الإنسان في الجزائر، تصاب منذ إنشائها بالصمم، ولا تنبس ببنت شفة في أي موضوع يهم عملها المفترض، وفي الأخير لا تجد سوى بلدا أخر تهتم بأوضاعه الحقوقية، ومن دون أي بحث أو تحري في الميدان، ومن دون أن تقدم أي دليل على صحة ما تزعم، يقف الشارد ليلقي في الكل خطاب الجنون... إنها البلادة في أوضح معناها.