وعيا بأهمية الترجمة، والتبادل الثقافي، والتعرف على الآخر من خلال ثقافته وفكره، كقنوات أصبحت اليوم عوامل أساسية في تعزيز التقارب بين الأمم، يكون المعرض الدولي للكتاب لسانتياغو قد حقق النتائج المتوخاة منه في جعل الكتاب أداة فكرية تتيح بروز مفاهيم جديدة تقوم على فهم الآخر والانفتاح عليه, ومد الجسور بين الشعوب والثقافات. وشاركت في فعاليات هذه التظاهرة الدولية، التي اختتمت دورتها الثلاثين بفضاء «مابوتشو» (وسط العاصمة) يوم أول أمس السبت، 700 دار نشر عالمية، تمثل مختلف الاتجاهات الثقافية والمعرفية بمختلف بلدان العالم، من بينها المغرب. واختير الرواق الشيلي في هذه التظاهرة ضيف شرف، عكس كافة الأوجه والمظاهر الثقافية للبلاد، للتعريف بفنانيها ومثقفيها وحضارتها الضاربة في جذور التاريخ. وقد تضمن برنامج هذه الدورة نحو 600 نشاط هم تقديم كتب ومؤلفات، وعقد لقاءات مباشرة تجمع المؤلفين بالزوار (بمشاركة أزيد من ستمائة كاتب شيلي)، وإقامة موائد مستديرة حول مواضيع تلامس مجالات الأدب والثقافة والعلوم بشكل عام، إضافة إلى عروض مسرحية وسينمائية وأخرى خاصة بالرقص والموسيقى وأنشطة للأطفال. وبخصوص المشاركة المغربية، فقد شكلت الإصدارات المغربية باللغة الإسبانية، التي حفل بها الرواق المغربي بهذا المعرض الدولي نافذة أتاحت للناطقين بهذه اللغة، من الشيليين وكل الوافدين على المعرض، الإطلالة والتعرف على ثقافة وحضارة المغرب. ولعل أهمية مشاركة المغرب في هذه التظاهرة الثقافية الدولية، وللمرة الثالثة على التوالي، تنبع من كونه البلد العربي والإسلامي والإفريقي الوحيد الذي يحضر بشكل منتظم فيها، وهو ما يجعل الرواق المغربي جسرا ليس فقط لتقريب المواطن الشيلي خصوصا ومواطني أمريكا اللاتينية عموما من الثقافة والحضارة المغربية وإبراز مختلف مكوناتها، بل جسرا للتواصل بين ثقافات وحضارات مغايرة، بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الغربية. ولم يكن من باب الصدفة أن يحرص القيمون على الرواق المغربي بمعرض سانتياغو (وزارة الثقافة، سفارة المغرب بالشيلي ومركز محمد السادس لحوار الحضارات بكوكيمبو)، على أن تكون الكتب والمؤلفات المغربية المعروضة به باللغة الإسبانية فقط، بل إن اعتماد هذه اللغة أملته أهمية الترجمة في نقل معارف عوالم ثقافية أخرى خارج منظومة البلدان الناطقة بالإسبانية, باعتبارها (الترجمة) شكّلت على الدوام جسراً للتلاقح وسعياً نحو ارتياد آفاق معرفية وفكرية جديدة، وظاهرة عالمية لا يمكن الاستغناء عنها، بالنظر إلى الدور الهام الذي تضطلع به باعتبارها أداة للمعرفة والحوار وتعزيز قيم الاحترام والانفتاح على الآخر، وعنوانا للتواصل بين الثقافات والحضارات. لذلك فإن الإصدارات المعروضة بالرواق المغربي، والمتعلقة بالكتاب المغربي الصادر باللغة الإسبانية لمؤلفين مغاربة، وبكتب مغربية مترجمة إلى اللغة الإسبانية، وإصدارات لمؤلفين أجانب كتبوا عن المغرب باللغة الإسبانية، تعتبر-علاوة على أنها أداة إضافية لتقريب المغرب- حضارة وثقافة، من أدباء وقراء البلدان الناطقة بالإسبانية، مظهرا من مظاهر، التلاقي بين أنماط ثقافية متباعدة جغرافيا، وتكريسا للتفاعل بين الثقافات القومية والحضارات المختلفة، ذلك التفاعل الذي يعتمد الترجمة كضرورة إنسانية أملتها شروط الاختلاف والتعدد القائمة بين الأمم. فالكتاب المغربي الصادر باللغة الإسبانية خطوة متقدمة وجد إيجابية في نقل معارف وتصورات مختلفة ورؤيات للعالم متباينة على نطاق أوسع، في سياق فهم الحضارات ضمن حوار هادف وبناء مع الآخرين. إن ما أفرزه الحضور المغربي بهذا المعرض المعرفي الدولي، ولاسيما عبر التركيز على اللغة الإسبانية، يؤكد على ضرورة الاهتمام بالكتابة بهذه اللغة والترجمة إليها، من أجل توطيد جسور التفاهم والتعارف والتبادل الثقافي والحضاري بين العالم العربي والإسلامي ومختلف دول أمريكا اللاتينية. ولعل أهم ما يسجل لهذه التظاهرة، بشكل إيجابي، هي أنها تتيح كل سنة حيزا للحوار بين الثقافات، ومناسبة للقراء والمثقفين لاقتناء كتاب جديد للنهل من فيض المعرفة وغزير العلم.