بتكلفة إجمالية بلغت مليار و350 مليون درهم، أعلن بداية الأسبوع الماضي في الرباط عن البدء في تشييد «المسرح الكبير» في الرباط على ضفة نهر أبي رقراق، عقب التوقيع على اتفاقية المشروع بين كل من صلاح الدين مزوار وزير المالية والاقتصاد والطيب الشرقاوي وزير الداخلية وعبد الواحد قباج رئيس صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والمغاري الصاقل مدير وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق، وتم بعد ذلك توقيع اتفاقية أخرى بين المغاري الصاقل والمهندسة زها حديد. حيث سيتم تمويل بناء هذه المنجزة الكبرى من خلال الميزانية العامة للدولة والمديرية العامة للجماعات المحلية وصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويتوقع أن يكون أضخم مسرح في العالم العربي. المسرح الذي صممته المعمارية العراقية الأصل زها حديد سيشيد في الساحة الكبيرة التي تقع على الضفة اليسرى للنهر. ومن حيث موقعه وهندسته يتوسط معالم تاريخية بعضها يعود للقرن ال` 12 الميلادي كشالة والأوداية ثم صومعة حسان، كما سيكون واسطة عقد المشاريع السياحية والثقافية الجديدة التي سترى النور على ضفتي نهر أبي رقراق. وتبلغ مساحة المسرح 47000 متر مربع وسيشكل بذلك فضاء ثقافيا متعدد الوظائف يسمح بعرض مختلف العروض المسرحية والموسيقية وعروض الأوبرا. كما سيضم المسرح قاعة كبيرة تشمل 2050 مقعدا وتقدم خدمات سمعية بصرية تتطابق مع آخر ما وصلت إليه المعايير الدولية في الدقة والجودة. وسيشمل المسرح أيضا فضاء مسرحيا كبيرا بالهواء الطلق يستوعب سبعة آلاف متفرج يحتضن المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية، إلى جانب أستوديو للتمارين والابتكارات، بالإضافة إلى قاعة ثانوية تتسع لنحو 520 مقعدا بالإضافة إلى خدمات خاصة وتجهيزات خارجية تتمثل في المواقف والساحات الخضراء. ومن المتوقع أن يستغرق العمل على تجهيز المسرح 56 شهرا. وكما سلفت الإشارة أوكلت مهمة تصميم هندسة هذا المسرح النموذجي لمهندسة معمارية مرموقة، هي المهندسة الإنجليزية من أصل عراقي، زاها حديد، والتي قامت خلال 35 سنة من العمل الميداني بالإشراف على مجموعة من المنشئات الثقافية ذائعة الصيت، وقد عبرت حديد من جهتها عن سعادتها باختيارها للإشراف على إنشاء هذا المسرح في بلد عربي وقالت «يشرفني كمهندسة عربية المشاركة في هذا المشروع»، وأضافت أن موقع المشروع مهم جدا وسيكون ناجحا. كما أشارت حديد إلى أن العمل على إنجاز التصاميم والصيغة النهائية للمشروع انطلق منذ عام بالتعاون مع وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق. وقدم باتريك شوماخر، وهو أحد مهندسي المشروع، صورا للتصاميم التي وضعت للمسرح، وبدت تصاميم عصرية وحديثة ومسايرة لآخر التطورات التكنولوجية. بورتريه زاها حديد، امرأة عراقية اقتحمت سماء العالمية بكل ثقة، بتصاميم هندسية ذات طابع تفكيكي لا نظامي، فتنقلت بين العواصم الأوروبية، واضعة بجدارة بصماتها في فن العمارة الحديثة بكل أشكالها والتي امتازت بالانسيابية التي لا تعترف بزاويا أو حدود. وقد أصبحت المعمارية «زها حديد» اليوم من أشهر رواد مدرسة قائمة بذاتها، مدرسة تدعو إلى انعدام التوازي والتقابل في الخطوط والأشكال من أجل تحقيق أشكال فنية. زها اليوم حققت الكثير من الانجازات وحصدت الكثير من الجوائز، من أبرزها حصولها على جائزة (بريتزكر) كأبرز مفكرة، وهي بمثابة جائزة نوبل للعلوم والآداب، فاحتفى بها العالم أجمع، وساد الصمت الجهات الإعلامية في العراق وطنها، لتتجاهل ما حققته «امرأة عراقية» من نجاح في فرض وجودها داخل عالم معروف بصعوبة اختراقه حتى على الرجال. والآن لم يعد يختلف اثنان أن زها حديد هي أهم امرأة في مجال الهندسة المعمارية في العالم، ليس لأنها أول امرأة تحصل على جائزة بريتزكر بعد 35 عاما من تأسيس الجائزة، أو لأنها حصلت على جائزة «ستيرلينغ» التي لا تقل أهمية مؤخرا، بل لأنها لا تتوقف على مفاجأتنا بدخولها مضامير جديدة، مثل الموضة والديكور الداخلي وأخيرا وليس آخرا مجالات المعمار الاجتماعي، من خلال مدرسة. ومع كل هذا النجاح، يبقى المثير للتساؤل أن زها التي اشتهرت بتصميمها عدة مبان خارج بريطانيا لم تصمم إلا القليل في البلد الذي درست فيه وتعيش فيها منذ نحو ربع قرن، وهل ستترك هذه المهندسة المعمارية بصمتها على ضفة نهر أبي رقراق لتبقى ذكراها حية للأجيال المغربية القادمة.