السامرية.. أصغر طائفة فلسطينية في العالم تدين بديانة بني إسرائيل الحقيقية رغم أنها تعتبر من أصغر الطوائف الدينية على وجه الكرة الأرضية، فإن طائفة السامريين الفلسطينيين لا تحظى باهتمام يذكر من قبل وسائل الإعلام الغربية، رغم أنها إحدى أقدم الطوائف الدينية في التاريخ. السبب لا يخفى على أحد؛ وهو التعتيم الذي تفرضه إسرائيل وحلفاؤها على الديانة السامرية، التي يؤكد كهنتها أنهم ينتسبون إلى بني إسرائيل، وأن ديانتهم هي ديانة بني إسرائيل الحقيقية، وليست اليهودية. وحسب مصادر محلية فلسطينية فانه يجري الخلط دوماً في الإعلام، وفي المعتقد الشائع، على اعتبار أن الطائفة السامرية التي تعيش فوق جبل جرزيم في مدينة نابلس شمالي الضفة الغربيةالمحتلة، منذ آلاف السنين، هي إحدى الطوائف اليهودية، بينما يرفض السامريون هذا التوصيف لهم ك»يهود»، ويعتبرون أنفسهم أتباع النبي موسى الحقيقيين. اليوم، تكاد السامرية تنقرض، لكثرة الضغوطات والقيود العبرية المفروضة على مريديها الذين لا يتجاوز عددهم 800 شخص، وهي بذلك قد تكون أصغر طائفة في العالم. مع ذلك، استطاعت هذه الطائفة، المستمر وجودها في المكان نفسه منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة، الحفاظ على نفسها كل هذه المدة، إذ إنها لا تتدخل أبداً في السياسة، إنما تأمل في أن تكون مركزاً للسلام العالمي. وأضافت المصادر: في الحقيقة، يقع السامر يون في خلاف جذري مع اليهود، ويختلفون عنهم في توراتهم وأسفارهم وأعيادهم وتقاليدهم إلى حد كبير. أما كلمة سامري فهي محرفة من الكلمة العبرية «شامري»، أي حُفاظ العهد الذين بقوا أمناء على ديانة سائر بني إسرائيل. ولمن لا يعرفهم، تبدو قصة السامريين للوهلة الأولى غريبة جداً، إذ يعتبر أفراد هذه الطائفة أنفسهم فلسطينيين تماماً، ويعيشون في جبل جرزيم الذي يقدسونه، ما عدا عدد قليل منهم يعيشون في مدينة (حولون)؛ داخل الخط الأخضر الذي يفصل بين أراضي السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وهم يؤمنون بالقدس عاصمة أبدية للدولة الفلسطينية. ويعمل أبناء الطائفة السامرية في مختلف مرافق الحياة في مدينة نابلس، من تجارة وإدارة ومؤسسات تعليمية كما يدرس أبناؤها في المدارس والجامعات الفلسطينية، ويعتبرون أنفسهم جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمع النابلسي، بل أجمل ما قيل في ذلك كلمات للكاهن الأكبر للطائفة الذي قال لنا: لقد اشتهرت مدينة نابلس بثلاثة أمور عن غيرها من المدن: الصابون النابلسي، والكنافة النابلسية، والطائفة السامرية، وفعلاً، يأتي آلاف السياح من مختلف قارات العالم لمدينة نابلس للتعرف إلى هذه الطائفة، التي لا تزال تقاوم خطر الاختفاء. ويتحدث هؤلاء اللغة العربية في حياتهم اليومية، أما في الصلاة، فيستخدمون اللغة العبرية القديمة. يوضح أحد الكهنة السامريين الاختلاف بين طائفته واليهود بالقول: جاء اليهود من سبط (يهوذا) وكان لهم تاريخهم الخاص بعد ذلك، الذي استمر بعد النبي موسى مع عدد من أنبياء بني إسرائيل، مثل داود وسليمان. أما السامريون فقد انفصلوا باكراً عن هذا المسار، وبقوا على الديانة الأصلية النقية للنبي موسى قبل أن تحرفها الأجيال الأخرى التي جاءت في عصور تالية. يرجع تاريخ السامريين إلى ما قبل 36 قرناً من الزمن، فبعد وفاة النبي سليمان، خلفه ابنه رحبام، وبفعل الخلافات انقسمت المملكة إلى مملكتين: المملكة الجنوبية؛ مملكة يهودا التي اتخذت من القدس عاصمة لها، والمملكة الشمالية؛ مملكة إسرائيل (السامرة) وعاصمتها سبسطية، وأصبحت المملكتان متنافستين، وأحياناً متعاديتين، وكان لكل منهما أيام ازدهار وانحطاط. وجاء الانشقاق الثالث والأخير بين السامريين واليهود، عندما دمر يوحنان هركانوس المكابي هيكل السامريين مرتين على قمة جبل جرزيم، وهنا يتضح الخلاف التاريخي حول مكان الهيكل الذي يزعم اليهود أنه تحت المسجد الأقصى بالقدس (ولذلك بدأوا حفرياتهم بزعم البحث عن آثاره)، بينما يعتقد السامريون أن جبل جرزيم هو الجبل الذي عليه قدّم إبراهيم ابنه إسحق «ذبيحة لله»، ومن أجل ذلك لا يزال السامريون يقدمون ذبائحهم على جبل جرزيم. وترتكز الديانة السامرية على خمسة أركان أساسية هي: وحدانية الله، ونبوة موسى بن عمران، والتوراة (خمسة أسفار موسى)، وقدسية جبل جرزيم، واليوم الآخر؛ يوم الحساب والعقاب. وتعتمد العقيدة السامرية على الوصايا العشر التي أنزلها رب العالمين على موسى على جبل طور سيناء، وهي مختلفة عن الوصايا العشر لليهود: لا يكن لك آلهة أخرى أمامي، لا تحلف باسم الله كذباً، احفظ يوم السبت، أكرم أباك وأمك، لا تقتل، لا تزني، لا تسرق، لا تشهد شهادة زور، لا تشته زوجة قريبك ولا بيت صاحبك، إضافة إلى قدسية جبل جرزيم. وعلى نقيض اليهود الذين يؤمنون ب39 من أسفار التوراة، هم يؤمنون بخمسة أسفار فقط هي: التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية. ويملك السامريون أقدم نسخة خطية للتوراة في العالم، ويعود تاريخها إلى ما قبل 3633 سنة، حين كتبت بعد دخول شعب بني إسرائيل إلى الأراضي المقدسة بثلاث عشرة سنة، وهي مكتوبة باللغة العبرية القديمة. وتجدر الإشارة إلى أن التوراة السامرية تختلف عن التوراة اليهودية بسبعة آلاف خلاف؛ بين كلمة وآية وسورة، وهذه الاختلافات مجموعة في كتاب خاص عند السامريين يسمى (الخُلف). جراء ذلك، يصف اليهود السامريين بالكفرة، والكوتيين نسبة إلى كوت (مدينة سومرية قديمة) في العراق، وكذلك أطلق عليهم التلمود البابلي «المعارضين» و»الكفار». ويعتبر اليهود كل سامري نجساً هو وطعامه وعبادته، حتى أن لفظة كلمة سامري تدنسهم، وهم يتجنبون السامريين ولا يكلمونهم ولا يزورونهم أو يمرون في مناطقهم. ويحتفل السامريون بأعياد التوراة فقط وهي موسمية، وعددها سبعة هي: عيد الفصح، وعيد الفطير، وعيد الحصاد، وعيد رأس السنة العبرية، وعيد الغفران، وعيد العرش (المظال)، والعيد الثامن أو فرحة التوراة. وخلال هذه الأعياد يحج السامريون إلى جبلهم المقدس (جبل جرزيم) ثلاث مرات سنوياً؛ أثناء عيد الفصح وعيد الحصاد وعيد العرش. ويصلي السامريون يومياً صباحاً عند الفجر، ومساء عند الغروب، وكل صلاة بسبعة ركعات. لذلك يقال إن السامرية هي أقرب الديانات إلى الإسلام من حيث الوحدانية والطهارة، خصوصاً أن صلوات السامريين هي ركوع وسجود يسبقها وضوء اليدين والفم والأنف والوجه والأرجل. وتعتمد الديانة السامرية على الطهارة، وهي ركن الدين وأساسه، فالرجل لا يجوز أن يخرج من البيت إلا إذا كان طاهراً، وبالنسبة إلى المرأة السامرية، فعندما تكون في فترة الحيض لا تمارس أعمالها المنزلية بتاتاً، ولا تمس أي أغراض في المنزل، أما عند الإنجاب، فإذا كان ذكراً تجلس منعزلة في غرفتها مدة 41 يوماً، ولا تمس بقية أطفالها، بل فقط ترعى طفلها، أما إذا كانت المولودة أنثى، فتبقى منعزلة عن أولادها مدة 80 يوما.ً ومن أهم عادات السامريين الدينية، تطهير المواليد (الختان) في اليوم الثامن من الولادة للطفل الذكر، وكل طفل لا يتم تطهيره في اليوم الثامن لا يعتبر سامرياً حسب الشريعة السامرية، إلا في حالات نادرة كأن يولد الطفل مريضاً، أو صغير الحجم فيتم وضعه في الحضانة الخاصة بالمستشفى، ويتم تطهيره بعد خروجه من الحاضنة بثمانية أيام، وتتم عملية الطهور في احتفال ديني بهيج يجتمع فيه جميع أبناء الطائفة. وتصوم الطائفة السامرية يوماً واحداً في السنة، وعلى كل فرد في الطائفة صيام هذا اليوم حتى الأطفال، فهناك قاعدة تقول: كل نفس لا تصوم في هذا اليوم تموت. ويكون الصيام عن كل شيء، ابتداء من الأكل والشرب، ومروراً بالأعمال المنزلية والعمل والدراسة، ولا يمكن حتى مشاهدة التلفاز أو القيام بأي نشاطات دنيوية، ويخصَّص يوم الصوم للصلاة، التي تكون عبارة عن ركوع وسجود تتخللها تراتيل باللغة العبرية. ويحاط يوم السبت بقدسية هائلة لدى السامريين، وبطقوس خاصة تصل حد الانعزال التام عن العالم، لدرجة أنهم لا يجيبون على الهاتف، ولا يشعلون الأنوار، ولا يخرجون من بيوتهم، ولا يستقبلون الضيوف. وهناك سبع صلوات ليوم السبت، يؤديها السامريون في الكنيس السامري، بإمامة أحد الكهنة، ولا يجوز للسامري أن يزاول أي عمل يوم السبت مهما كان نوعه، سوى تحضير طعام بارد. وهناك ثلاثة شروط فقط للخروج من يوم السبت وكسر الحواجز الدينية وهي: نشل الغريق وإطفاء الحريق وملاقاة العدو. ويرأس الطائفة السامرية الكاهن الأكبر، وهو من سبط لاوي، أي من عائلة الكهنة والأكبر جيلاً، ويساعده في مهامه هذه مجلس كهنوتي مكون من 12 كاهناً، وهو الذي يقرر كل ما يتعلق بالشؤون الدينية، وتشرف على حياة الطائفة لجنة الطائفة السامرية، التي تُنتخب كل سنتين، وتكون تحت إشراف محافظ نابلس، وتعمل هذه اللجنة على تسيير أمور الطائفة السامرية الحياتية الدنيوية. وفي الطائفة السامرية ممنوع الزواج من غير أبناء الطائفة، لكن قلة عدد أفرادها (لا سيما قلة عدد الفتيات مقارنة مع الذكور) والخوف على مستقبل السامريين، دفع الكاهن الأكبر لإصدار فتوى من شأنها السماح للسامريين بالزواج من غير السامريات، بشرط أن تتحول الفتاة إلى السامرية قبل أن يعلن الزواج، أما الفتاة فهي ممنوعة من الزواج بغير سامري. ومن المعروف أن السامريين لا يأكلون من ذبيحة أي إنسان من ديانة مختلفة ، سوى من بعضهم البعض، وهم يحرمون الميتة ولحم الخنزير. وللسامريين طريقة خاصة في الذبح، فالقصّاب السامري يجب أن تتوفر فيه عدة شروط وهي: أن يكون طاهراً، وأن يكون متفقهاً في الدين السامري، ويفضَّل أن يكون مكتمل الدين (متزوج)، وأن يتقن عملية الذبح حسب الطقوس الدينية، أي الذبح لمرة واحدة لا رجعة فيها. وعلى مر التاريخ حاول اليهود إلصاق تهم الشعوذة والسحر بالسامريين، لكي ينفر منهم الناس، لكن في الواقع توارث السامريون عن أسلافهم خبرة علم الفلك، حيث يستطيعون تحديد مواعيد أعيادهم لمدة مائة سنة مقبلة، نظراً إلى تمكنهم من تحديد الشهور القمرية، ما يجعل بعض مسلمي مدينة نابلس يلجأون إليهم لمعرفة شهر رمضان وعيد الفطر، لكن هذه العلوم تبقى سرية وتورث فقط للكهنة، الذين يقسمون دائماً على عدم إفشاء هذا السر للعامة. كما يحتفظ السامريون بأسرار (علم الحجب)، الذي يجعل الناس تلجأ إليهم طلباً للمساعدة، حيث يستطيع الممسكون بهذا العلم من السامريين إخبار الراغبين في الزواج عن الطرف الآخر المناسب، الذي يضفي السعادة على حياتهم الزوجية، وهل يمكن لهذين الزوجين الإنجاب مستقبلا أم لا. ضغوط إسرائيلية حظيت الطائفة السامرية بسمعة طيبة بين جيرانها من المسلمين والمسيحيين، واستحقت بجدارة وصفها بجسر السلام والمحبة بين جميع الطوائف، وقد آثر أبناء الطائفة السامرية عدم التدخل في الخلافات السياسية لكونهم أقلية، لكنهم يعربون عن دعمهم لحقوق الفلسطينيين، وهو ما دفع إسرائيل إلى معاقبتهم بفرض قوانين صارمة على الخروج والدخول من وإلى قراهم وعبر تصريحات خاصة. ويحذر كاهن الطائفة السامرية من الحفريات التي تنفذها دائرة الآثار الإسرائيلية على قمة جبل جرزيم، والتي تسعى إلى مسح وطمس معالم المواقع الأثرية، كما حدث بسبسطية، من أجل طمس كل ما هو سامري. وترددت أخبار حول العثور على مدينة أثرية بالكامل على جبل جرزيم. من جهته، وصف مدير دائرة آثار نابلس عبد الله كلبونة ما يحدث على جبل جرزيم بأنه مخالف للقوانين الدولية التي تحرم الحفريات الأثرية في المناطق المحتلة، وقال إن ما يحدث هو ربط المنطقة بالتاريخ اليهودي، مشدداً على عدم الاطمئنان لأي نتائج تسفر عنها الحفريات في ظل هذه الأوضاع. وأوضح كلبونة أن الجانب الفلسطيني لا يسمح له بالتواجد في منطقة الحفريات بحجة وقوعها في منطقة (ج) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية. وأكد أنه مهما كانت نتائج أعمال الحفر فإنها جزء من تاريخ الشعب الفلسطيني وتراثه. مساندة عرفات في المقابل، يعتز السامريون كثيراً بالخطوة التاريخية التي أقدم عليها الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، عندما خصص لهم مقعداً في المجلس التشريعي شغله الكاهن سلوم السامري، الذي كان يشارك في جلسات المجلس بزيه الديني المعروف، والذي يتكون أساساً من غطاء رأس أحمر اللون يشبه الطربوش ورداء أبيض طويل. لكن سلوم كان أول وآخر من شغل هذا المقعد، بعد تغيير القانون. وفي عام 1997 أقيم على قمة جبل جرزيم، المتحف السامري الأول من نوعه في تاريخ الطائفة السامرية؛ القديم منه والحديث، بمساعدة الرئيس عرفات المادية والمعنوية، ليروي قصة الطائفة السامرية ضمن المخطوطات الدينية، والتحف الأثرية، والكتب، والأنغام السامرية والصور المعبرة. كادر عدد السامريين حسب الإحصاءات السامرية، فإنهم كانوا يُعدون حتى القرن الرابع والخامس للميلاد بعشرات الألوف، ومنتشرين في جميع مدن وقرى فلسطين، خصوصاً في مدينة نابلس معقلهم الدائم، كما كانوا يتواجدون في شمالي مصر وجنوب سورية، إلا أن الظروف التي مرت عليهم والملاحقات التي تعرضوا لها قلصت عددهم إلى أن وصل إلى ما يقارب 170 نسمة عام 1917. وفي بداية العام 1994 وصل عددهم الآخذ بالتزايد إلى 570 نسمة، والعدد في تزايد. وتعاني الطائفة اليوم من قلة الفتيات وزيادة عدد الشبان، ما يشكل خطراً على استمرار وجودها، خصوصاً في ظل ارتفاع نسبة المواليد ذوي الإعاقات الدائمة، بسبب الزواج من الأقارب. واستطاع السامريون رغم الظروف الصعبة التي مرت عليهم، أن يحافظوا على هويتهم كشعب مميز عن بقية شعوب المنطقة، فهم لا يزالون يحتفظون بالخط العبري القديم، وينطقون العبرية القديمة التي كانت سائدة حتى الألف الأول للميلاد.