تجدد النقاش خلال الأسبوع الجاري على الخصوص، حول أدب الرسائل أو فن التراسل، على إثر إقدام الكاتبة السورية غادة السمان أطال الله عمرها، على نشر رسائل للشاعر اللبناني أنسي الحاج بعد رحيله عن دنيانا، وهي رسائل كان قد خصها بها، ولعله لم يكن يتوقع أن تخرج إلى النور ويطلع عليها العموم، وهنا بيت القصيد الذي أجج النقاش بين معارض للنشر وبين مؤيده، بالنظر إلى القيمة الإبداعية والفكرية لتلك الرسائل، سيما وأنها صادرة عن شخص له وضع اعتباري ورمزي خاص، علما بأنه يعد واحدا من مجددي الشعر العربي ومن بين الأسماء الأساسية في قصيدة النثر. وهذه ليست المرة الأولى التي تقدم فيها غادة السمان بجرأة لافتة على نشر رسائل بعد وفاة أصحابها، حالة غسان كنفاني على سبيل المثال. لقد كانت كلمة واحدة منها إلى أحد مراسليها، كفيلة بأن تشعل النار فيه، كانت ذات مرة في رحلة إلى بلد أوربي صقيعي، وأرسلت إلى أحدهم بطاقة بريدية عليها عبارة موجزة ومقطرة: شو هلبرد؟ (ما هذا الصقيع؟) لا أعتقد أن غادة السمان كانت جريئة وهي تنشر هذه الرسائل؛ فهي من جهة لم تنشر لحد الآن رسائلها الخاصة، كما أنها انتظرت إلى أن يلفظ مراسلوها آخر أنفاسهم لتقوم بنشر كتاباتهم الموجهة إليها هي بالذات دون سواها. أدب الرسائل، لا أحد يمكن أن ينكر قيمته المعرفية والفكرية، فضلا عن جانبه الفني والإبداعي، غير أنه لم يحظ بالاهتمام اللائق به في ساحتنا الثقافية، بدليل غياب جمعيات أو مجموعات بحث في هذا الأدب، كما أن الإصدارات الخاصة به، جد نادرة، تكاد تعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة، أستحضر بهذا الصدد رسائل قلعة المنفى للأديب عبد اللطيف اللعبي، ومناديل وقضبان للشاعرة ثريا السقاط رحمة الله عليها، وورد ورماد للأديبين محمد برادة والمرحوم محمد شكري.. واللافت للانتباه أن أغلب الإنتاج المتعلق بأدب الرسائل المغربي المنشور له ارتباط بالسجن. ربما أن الرسائل ذات الصلة بالعلاقات الخاصة والحميمية بين أدبائنا ومفكرينا، تتطلب بعض الجرأة، التي لا تزال مفقودة، بسبب عدة عوامل نفسية وأسرية واجتماعية حتى.. هناك سبب آخر، يتمثل في طبيعة النظر إلى هذا الأدب في حد ذاته، حيث هناك من يعتبره في مرتبة أدنى من غيره من الأجناس الإبداعية. وهذا مما لا شك فيه، اعتقاد خاطئ، وجهل بالحمولة الفكرية والفنية التي ينطوي عليها أدب الرسائل، حيث يمكن الاعتماد عليه باعتباره وثيقة في مجال البحث السوسيولوجي على سبيل المثال. على خلاف النصوص الإبداعية التي ترتكز على عنصر الخيال، والتي قد ينحصر دورها في خلق المتعة لدى المتلقي، لا أقل ولا أكثر. أدباؤنا ومفكرونا وفنانونا عليهم أن يتحلوا بقليل من الجرأة ويعملوا على جمع الرسائل التي يتبادلونها في ما بينهم. عليهم أن يقتنعوا قبل هذا وذاك بأن رسائلهم تلك، رغم ما قد تنطوي عليه من بساطة وسذاجة حتى، تعد ذات قيمة، وهذه القيمة تستمدها بالأساس من وضعهم الاعتباري والرمزي، والموقع البارز الذي يحتلونه في مجتمع وزمن بذاتهما. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته