يرتقب أن يشهد الأسبوع الحالي استئناف مشاورات تشكيل الحكومة، وذلك بعد أن انعقدت اجتماعات الهيئات التقريرية لبعض الأحزاب وصدرت تصريحات ومواقف عن قادة أحزاب أخرى، ويتوقع أن تبرز تفاعلات جديدة من هذا الطرف الحزبي أو ذاك. وباستحضار خلاصات اللقاءات الأولى التي كان قد عقدها رئيس الحكومة المكلف مع عدد من الهيئات السياسية، وأيضا ما صدر في الأيام الأخيرة من مواقف وتعليقات، فإن التحدي المركزي اليوم يبقى هو أن يبرز وعي جديد لدى طبقتنا السياسية بدقة المرحلة التي تحياها بلادنا، وحجم الانتظارات والتطلعات التي يعبر عنها شعبنا، وبالتالي أن تعمل من أجل تشكيل "حكومة جادة ومسؤولة" في أقرب وقت، وذلك حتى يتاح لكل مؤسسات البلاد أن تعمل وأن تنكب على إنجاز الإصلاحات المطلوبة. تعج ساحة الكلام هذه الأيام بكثير أقوال وتصريحات، فضلا عن هلوسة واضحة لدى البعض، وكثير مناورات وألاعيب بئيسة، وكل هذا يفرض تذكير الكل بأن البلاد شهدت انتخابات في سابع أكتوبر، وهذه الأخيرة تمخضت عنها نتائج هي التي حددت من فاز ومن انهزم، ووضعت الترتيب. وبموجب هذه النتائج التي انبثقت من صناديق الاقتراع، حدث التكليف الملكي، الذي هم زعيم الحزب الذي تصدر النتائج. هذه كلها ليست شكليات بلا معنى، وليست مجرد مساطر بلا أثر، وإنما هي التعبير الواضح عن إرادة ملكية وشعبية وسياسية، ما يعني ضرورة العمل الجماعي لكي تسير إلى نهايتها، ولكي يتكرس هذا المسار الديموقراطي المميز لتجربة بلادنا ولصحة بنيانها المؤسساتي. من يسعى اليوم إلى عرقلة هذه الدينامية، أو يعمل، سرا أو علانية، لفرملة هذا السير الطبيعي، هو يقود البلاد للارتطام بالجدار. الأمر هنا لا يعني فقط إفشال أو تأخير أو عرقلة تكوين أغلبية وتشكيل حكومة، فمقتضيات الدستور يمكن، في نهاية الأمر، أن تجد لكل الوضعيات حلولا ومخارج، ولكن الأمر أبعد من تركيب تشكيلة فريق وزاري وضمان التصويت لصالحه. الأمر يتعلق بالتجربة الديموقراطية المغربية، التي يرى الكثيرون أنها مستهدفة بضرب صمامات الأمان فيها، أي الأحزاب الوطنية الحقيقية وذات القرار المستقل، ذلك أنه عندما تجري محاولات للالتفاف على ما أفرزته نتائج صناديق الاقتراع، ومعاكسة إرادة الناخبات والناخبين، والسعي لصياغة مشهد انتخابي مختلف عما أرادته الهيئة الناخبة، فهذا يزيد من شعور اليأس والإحباط وسط الناس، وتتراجع الثقة العامة في الانتخابات والأحزاب والمؤسسات وفي... السياسة، وهذا هو الجدار الذي تفرض النباهة السياسية التحذير من الوصول إلى الارتطام به. سيناريوهات الاستهداف والمناورة المومأ اليها هنا لم تظهر اليوم فقط، وإنما انطلقت حلقاتها منذ سنوات، وفي كل موعد انتخابي كانت تصطدم بالفشل وتتلقى الضربة تلو الأخرى، ومع ذلك تصر أيادي تحريكها على تكرار البدايات كل مرة، حتى لو كانت الأساليب مفضوحة وعارية، وهي لا تريد أن تدرك أن الفكرة فشلت من أصلها، والمشروع خاب وارتطم بأكثر من جدار، وأن مصلحة البلاد ومستقبلها يوجدان، بالذات، في تقوية الأحزاب الحقيقية ذات الأصل والمصداقية، وتمتين استقلالية القرار الحزبي، وتعميق دولة المؤسسات، وأيضا الكف عن ممارسات عتيقة فشلت في زمانها وسياقها، ولا يمكن ان تنجح في زمننا هذا بكل تحولاته القيمية والدولية والسوسيولوجية. يتطلع شعبنا هذا الأسبوع لكي يتحقق وعي واضح لدى الجميع بحاجة بلادنا لتشكيل حكومة منسجمة وقوية لديها برنامج عمل، ويمتلك رئيس الحكومة بداخلها قوته الدستورية والمنطقية، وأن ينطلق عمل البرلمان، وأن تعود الحياة العملية لمختلف المؤسسات، وأن يباشر الجميع العمل على البرامج والإصلاحات والمشاريع والسياسات الرامية لتلبية انتظارات شعبنا. ما دون ذلك يعتبر عبثا حقيقيا، ويؤسس لسلوك سياسي لا تستحقه بلادنا. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته