شكلت الكتابات النسائية محور نقاشات مستفيضة، وكان السؤال الذي طرح بإلحاح ولا يزال: هل من المنطقي الحديث عن الأدب النسائي؟ الفنون الأدبية، كيفما كان نوعها: شعر، قصة، مسرح، إلى غير ذلك، تكتب بواسطة الكلمات، وهذه الكلمات تشكل قاموسا مشتركا بين الإناث والذكور على حد سواء. فليس هناك كلمات وألفاظ لا تستعملها غير النساء، أو محرمة على الرجال. الكلمات ليست إكسسوارا، بمجرد أن نلمحه، نفهم أنه من أغراض النساء دون غيرهن، وحتى الحدود على هذا المستوى صارت منتفية، على سبيل المثال ساعة اليد، كان يمكن بسهولة تمييز النسائية منها عن الرجالية، من خلال الحجم وغير ذلك من المكونات، لكن العكس هو الذي أصبح موضة. عود على بدء، المؤكد أن بعض الكاتبات قد يمنحن الانطباع بأن ما يكتبهن يدخل في خانة أدب النساء، خصوصا عندما يغالين في الحديث عن ذواتهن بشكل طوباوي حالم. كما أن بعضهن لا تكاد تميز إن كانت كتاباتهن من تأليف رجل أو امرأة، خصوصا عندما يصر البعض منهن على الحديث بلسان رجل، السارد في نصوصهن يتحدث بضمير المتكلم المذكر، وهذا شيء غير مستساغ، في تصوري على الأقل، وإن كن يدافعن عن هذا الاختيار بالقول إن ما دفعهن للحديث بلسان رجل، هو الرغبة في التحدي لا غير. هناك نساء يكتبن نصوصا جريئة، ومنهن من لا يجرؤن على الكتابة، بالنظر إلى الوضع المحافظ والمتزمت لمحيطهن، وبالتالي يكن بين خيارين، إما التضحية بالأسرة، وإما الانتهاء إلى كتابة جامدة بلا حياة. وقد يلجأ بعضهن إلى الترميز والمجاز لنقل ما يعتمل في دواخلهن. وربما هذا ما يدفع الكتابات النقدية إلى تصنيف كتاباتهن ضمن خانة محددة، من قبيل أدب النساء. لكن هناك ظاهرة لافتة، ترتبط بالإنتاج الأدبي النسائي، يتعلق الأمر بندرة هذا الإنتاج في حد ذاته، ومحدودية الأسماء الفاعلة في هذا الحقل، خصوصا ما يتعلق بالفكر والنقد، وإلى حد ما الرواية والقصة، في حين أن الشعر يظل هو الأقوى بين إنتاجاتهن، من حيث الكم على الأقل. بعضهن يتوقفن عن النشر، حتى لا نقول عن الكتابة، إيمانا بأنه لا أحد بمقدوره أن يعلم إن كان الكاتب الفلاني أو الكاتبة الفلانية، قد توقف بالفعل عن الكتابة، لكن المؤكد أن العديد من الأديبات المغربيات توقفن عن النشر، واختفين إلى الأبد، قبل أن يغيبهن الموت، لنأخذ على سبيل المثال الملتقى القصصي الذي نظمته جمعية الشعلة في بحر الأسبوع الماضي بمراكش، لم يحضره سوى كاتبتين، إحداهما شاعرة في الأصل، في مقابل حضور أضعاف مضاعفة من هذا العدد، ولحسن الألطاف أن جيلا جديدا من الأسماء الفاعلة في حقول الإبداع الأدبي، يظهر في كل مرة، وينفث دما جديدا في الحركة الثقافية ببلادنا. من المؤسف أن نجد أسماء موهوبة، على غرار زينب فهمي الملقبة برفيقة الطبيعة، كفت عن الإنتاج وهي في أوج عطائها، خلفت لحد الآن مجموعتين قصصيتين، رغم أنها من جيل الرواد، كما أن كاتبة أخرى كبيرة، هي ربيعة ريحان، ابتعدت عن ساحة النشر، بسبب صدمة فقدان إحدى فلذات كبدها، ونأمل أن تعود إلى الساحة بعزيمة أقوى. الواقع أن هناك أسبابا عديدة ومختلفة، تجعل الكاتبة المغربية تنقطع عن النشر فجأة ودون سابق إشعار، ولعل أبرز هذه الأسباب أن المرأة بطبعها كائن هش، في ميدان يتطلب أعصابا من فولاذ. هامش: لا شك أن القارئ قد لاحظ أن هذا العدد مكرس للكتابات النسائية، وكما يقال: المناسبة شرط، والمناسبة طبعا هي اليوم الوطني للكاتبة الذي تسهر على إحيائه رابطة كاتبات المغرب. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته